وسط دراما «سيليكون فالي».. كيف سيتحرك الفيدرالي الأمريكي؟

ولاء عدلان

تفرض أزمة بنك سيليكون فالي، على مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) الاختيار بين مواصلة كبح التضخم وإعادته إلى مستهدفه عند 2% أو الحفاظ على استقرار النظام المصرفي وتهدئة مخاوف الأسواق.


تعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن، الاثنين 13 مارس 2023، بفرض قواعد مصرفية أكثر صرامة لمنع تكرار أزمة بنك سيليكون فالي.

ويأتي هذا التعهد إثر إعلان إغلاق البنك الشهير نهاية الأسبوع الماضي، لتعزيز الثقة بالنظام المصرفي ومنع تكرار سيناريو انهيار بنك ليمان براذرز في 2008، وهذه الدراما ستلقي بظلالها على اجتماع مجلس الاحتياط الفيدرالي المقبل (البنك المركزي الأمريكي).

أزمة سيليكون فالي تقلب الموازين

خلال العام الماضي، رفع المركزي الأمريكي أسعار الفائدة بوتيرة غير مسبوقة، في محاولة لاحتواء التضخم المتصاعد لتقفز من مستويات صفرية لـ 4.5% بنهاية ديسمبر 2022، بعد سلسلة من الزيادات المتواصلة من مارس 2022 بينها 4 زيادات متتالية بمقدار 0.75%.

ومع مطلع العام الحالي، واصل المركزي الأمريكي نهج التشديد النقدي رافعًا الفائدة بـ0.25% خلال فبراير الماضي، وقال رئيسه جيروم باول، الأسبوع الماضي، إن ذروة أسعار الفائدة قد تكون أعلى من المتوقع هذا العام، ما عزز توقعات الأسواق بالرفع 0.5% خلال الاجتماع المقرر في 21 و22 مارس الحالي، وفق تقرير لصحيفة نيويورك تايمز.

ولكن هذه التوقعات كانت قبل أن تشهد السوق الأمريكية خلال أسبوع واحد، إغلاق 3 بنوك هي سيليكون فالي، وسيجنتشر بنك وبنك سيلفرجيت لأسباب تتعلق بنقص السيولة والإعسار وخسائر ناجمة عن رفع أسعار الفائدة والانكشاف على قطاعات بعينها، تحديدًا التكنولوجيا والعملات المشفرة.

النظام المصرفي الأمريكي آمن

قال الرئيس الأمريكي في خطاب تليفزيوني الاثنين الماضي، إن أزمة بنك سيليكون فالي تحت السيطرة، مؤكدًا أن النظام المصرفي الأمريكي آمن، وتعهد بايدن بمحاسبة المسؤولين عن الأزمة وضمان حقوق المودعين، وباتخاذ ما يلزم من إجراءات لتقليل احتمال تكرار حالات الفشل المصرفي المشابهة.

وتسعى الحكومة الأمريكية حاليًّا لبيع أصول بنك سيليكون فالي وحماية حقوق العملاء، وقالت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين، الأحد الماضي، إن الوضع يختلف كثيرًا عن أزمة 2008 ونظامنا المصرفي أكثر أمانًا مما كان عليه، مضيفة لن نقدم خطة إنقاذ لبنك سيليكون فالي، لكننا نسعى لحماية حقوق المودعين، وفق صحيفة فاينانشال تايمز.

وتوقع كبير المستشارين الاقتصاديين لدى أليانز الخبير الاقتصادي محمد العريان، في تغريدة عبر تويتر، 10 مارس الحالي، أن يتمكن النظام المصرفي الأمريكي من احتواء مخاطر العدوى الناجمة عن أزمة بنك سيليكون فالي، حال تجنب المزيد من أخطاء السياسة النقدية والالتزام بالإدارة الحكيمة للميزانيات العمومية للبنوك.

الفيدرالي يدخل على خط الأزمة

انتفضت السلطات الاقتصادية والمالية في الولايات المتحدة منذ نهاية الأسبوع الماضي، في محاولة لتحجيم تداعيات انهيار سيليكون فالي وتهدئة حالة الذعر التي سيطرت على أسواق المال العالمية ودفعتها لخسارة نحو 465 مليار دولار من قيمتها خلال 3 أيام فقط نتيجة الضغوط البيعية على أسهم البنوك.

وتعهدت الخزانة الأمريكية بسداد أموال مودعي بنك سيليكون فالي، وكذلك سيجنتشر بالكامل، وفي الوقت الذي أشار فيه البعض بأصابع الاتهام إلى سياساته المتشددة التي أثقلت كاهل البنوك بخسائر من جراء بيع أصولها المتأثرة برفع الفائدة، دخل المركزي الأمريكي على خط الأزمة.

وأطلق المركزي الأمريكي برنامجًا لتقديم قروض لمدة عام لمؤسسات الإيداع (المقرضين) مدعومة بسندات الخزانة أو أوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري، موضحًا أنه سيكون كافيًا لتغطية جميع الودائع غير المؤمنة في النظام المصرفي.

وقال رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي جيروم باول، إن البنك يجري مراجعة شاملة وسريعة لتعثر بنك سيليكون فالي، وسيعلن نتائجها مطلع مايو المقبل، متعهدًا بحماية كامل قيمة ودائع عملاء بنكي سيليكون فالي وسيجنتشر.

 

الفيدرالي الأمريكي أمام مهمة صعبة

توقعت شركة بلاك روك أكبر مدير للأصول في العالم هذا الشهر، أن يرفع الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة إلى مستوى 6% خلال العام الحالي، ويبقي عليها مرتفعة لفترة أطول من المتوقع، وهو الأمر نفسه الذي سبق أن توقعه بنك أوف أمريكا، وفق وكالة أنباء رويترز.

ولكن أزمة بنك سيليكون فالي تفرض على المركزي الأمريكي الاختيار بين مواصلة كبح التضخم وإعادته إلى مستهدفه عند 2% أو الحفاظ على استقرار النظام المصرفي وتهدئة مخاوف البنوك التي تعاني في بيئة التشديد النقدي.

وقالت رئيسة استراتيجية أسعار الفائدة الأمريكية في بنك سوسيتيه جنرال سوبادرا راجابا في مذكرة نقلتها فاينانشال تايمز، إن الوضع المصرفي الحالي بمثابة تحذير ضد تسريع وتيرة رفع الفائدة، ما يجعل مهمة الفيدرالي أكثر صعوبة ليحقق التوازن بين السيطرة على التضخم ودعم استقرار النظام المصرفي.

كيف سيتحرك الفيدرالي في اجتماع مارس؟

يرى الباحث في جامعة ييل الأمريكية للاستقرار المالي ستيفن كيلي، إن برنامج الإقراض الذي أطلقه الفيدرالي يعد بمثابة برنامج تأمين للبنوك، المحتمل تعثرها مستقبلًا، ضد مخاطر أسعار الفائدة المرتفعة، وهو في نفس الوقت يسمح للفيدرالي بمواصلة تشديد سياسته النقدية.

وتوقع محللو مجموعة جي بي مورجان أن يرفع الفيدرالي في 22 مارس الفائدة بمقدار ربع نقطة فقط، في المقابل استبعد محللو جولدمان ساكس أي رفع للفائدة هذا الشهر.

تقييمات متباينة

قال المدير السابق لقسم الشؤون النقدية في الاحتياط الفيدرالي لـ”فاينانشال تايمز” ويليام إنجليش: “أعتقد أن البنك المركزي سيرغب في الانتظار برهة، ليرى تداعيات الأزمة هذا الشهر، مع استئناف جهده لاحقًا بوتيرة أقل لخفض التضخم”.

وعلى النقيض، يرى محمد العريان أنه ليس من السهل أن يتوقف الفيدرالي الأمريكي عن رفع الفائدة الآن، بعد عام من الزيادات الفضفاضة، وقال في مقابلة مع “سي إن بي سي”، أمس: “ينبغي أن يواصل الفيدرالي مساره الحالي في رفع الفائدة وزيادتها 25 نقطة أساس خلال اجتماعه المقبل”.

ربما يعجبك أيضا