دبلوماسية بغطاء إنساني.. إيطاليا تسعى للتطبيع مع سوريا

إسراء عبدالمطلب
هل تفتح إيطاليا سفارتها في سوريا

أعلنت وزارة خارجية إيطاليا في يناير 2019 أنها تعمل على تقييم الوضع في سوريا، لمعرفة ما إذا كان بالإمكان إعادة فتح سفارتها في دمشق.


رأى محللون سياسيون أن إيطاليا تسعى للتطبيع مع سوريا، عبر الأعمال الإنسانية التي تقدمها لمنكوبي زلزال 6 فبراير.

وبادرت إيطاليا بالاستجابة لكارثة الزلزال بخطوات سريعة ومتتالية، لتكون أول دولة أوروبية ترسل قافلتي مساعدات إلى المنكوبين في مناطق سيطرة النظام السوري، الذي تعتبره “المدافع عن الحقوق المسيحية” بالشرق الأوسط.

هل تفتح إيطاليا سفارتها في سوريا

هل تفتح إيطاليا سفارتها في سوريا؟

 ماذا تريد إيطاليا من سوريا؟

في تقرير نشرته جريدة “عنب بلدي” السورية المعارضة في 2 مارس 2023،  أرسلت إيطاليا إلى سوريا قافلتين تضمنتا 4 سيارات إسعاف و6 حزم من الإمدادات الطبية، عن طريق لبنان، في سابع أيام الزلزال.

وظهر القائم بأعمال السفارة الإيطالية، ماسيميليانو دانتونو، والوفد المرافق له منذ وقوع كارثة الزلزال، عدة مرات إلى جانب رئيس الهلال الأحمر السوري، خالد حبوباتي، أبرزها خلال توقيع اتفاقية بين الهلال الأحمر والوكالة الإيطالية للتعاون الإنمائي (AICS).

وتضمنت الاتفاقية تقديم مساعدات عاجلة من الوكالة الإيطالية بقيمة مليون يورو لمتضرري الزلزال، في 23 فبراير 2023. وسلّطت الخطوات السابقة الضوء على تحركات ومؤشرات سابقة تظهر نمو العلاقات الإيطالية السورية، خاصة بعد تولي جورجيا ميلوني قيادة الحكومة الإيطالية عام 2022.

الهلال الأحمر السوري

استقبل بابا الفاتيكان فرنسيس الأول، رئيس الهلال الأحمر السوري، بالعاصمة الإيطالية روما، في يناير الماضي للحديث عن تطورات الاستجابة الإنسانية في سوريا، رغم العقوبات المفروضة على حبوباتي لضلوع منظمته في دعم النظام السوري.

والتقى حبوباتي حينها رئيس الاتحاد الدولي للصليب الأحمر والهلال الأحمر، فرانشيسكو روكا، وعددًا من المعنيين بالسياق الإنساني، حسب ما نقله موقع الهلال الأحمر السوري في يناير الماضي.

خطوات دبلوماسية بغطاء إنساني

نقلت الجريدة السورية عن الكاتبة والناشطة الإيطالية المهتمة بالشأن السوري، فرانشيسكا سكالينجي، قولها إن “الهلال الأحمر يعد منظمة محايدة نظريًّا، وهو ما يمكن أن تستغله الأطراف التي ترغب في دعم النظام السوري”.

وأضافت سكالينجي أن إيطاليا تستفيد من الصورة الخارجية للمنظمات الإنسانية المقربة من النظام السوري، لاتخاذ خطوات دبلوماسية بـ”غطاء إنساني”.

ولا يقتصر التعاون بين المنظمات الإيطالية والهلال الأحمر على AICS، بل تعمل منظمة “إنترسوس” الإيطالية بالشراكة مع الهلال الأحمر، ورغم أنها منظمة غير حكومية وتقول إنها حيادية، ترى سكالينجي أن المنظمة الإيطالية تعمل بنحو وطيد مع الحكومة المركزية في دمشق، عن طريق الهلال الأحمر، وفق قولها.

ميلوني تدعم الأسد

قال الرئيس التنفيذي لشركة “جي إس إيه” الاستشارية للمخاطر الجيوسياسية، جورجيو كافيرو، للجريدة إن إيطاليا تسعى للعب دور إنساني في سوريا، وهو ما يتطلب درجة معيّنة من المشاركة مع حكومة الأسد.

وأظهرت رئيسة الحكومة الإيطالية، جورجيا ميلوني، قبل توليها المنصب، تأييدها لبقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة، ودعمها له، إلى جانب تأييدها لبقاء حليفه الروسي وميليشيات إيران و”حزب الله” ضمن الخارطة السورية.

المجتمع المسيحي في سوريا

تقود ميلوني حزب “إخوة إيطاليا” المنتمي إلى اليمين المتطرف، ما يجعل دعمها للنظام السوري مرتبطًا بمزاعم أن “المجتمع المسيحي في سوريا ما زال قائمًا، بفضل حكومة النظام السوري، وروسيا، وإيران، وحزب الله”، وفق ما ذكرته خلال لقاء صحفي عام 2018، أيدت فيه أيضًا الوجود الروسي في سوريا، وقالت إن “روسيا جزء أساسي من الحل في سوريا، ويجب أن تلعب دورًا مهمًّا في ذلك”.

ونقلت الجريدة عن الأكاديمي السوري الكندي، الدكتور فيصل عباس، أن الخطوات الإيطالية تجاه النظام السوري مرتبطة بطبيعة الائتلاف الحاكم، باعتبار أن ميلوني تقود تحالفًا يضم أحزاب أقصى اليمين الإيطالي.

حرب ضد الإرهاب

تؤيد ميلوني مع حزبها النظام السوري من منطلق أيديولوجي، يناصب العداء للمسلمين عمومًا، وللحركات الإسلامية الجهادية خصوصًا، ويرى أن النظام السوري وحلفاءه يخوضون حربًا ضد “الإرهاب والتطرف الإسلامي”. 

وتتفق سكالينجي مع ما ذكره عباس، من أن ميلوني ترى مع حزبها أن نظام الأسد هو المدافع عن الحقوق المسيحية في الشرق الأوسط.

وأضافت: “لطالما دعت هذه القوى السياسية والدينية إلى استعادة العلاقات الدبلوماسية الإيطالية السورية“، لافتة إلى أن معظم المنظمات التي تتعامل مع النظام السوري، جزء من الكنيسة الكاثوليكية والأحزاب والحركات السياسية الإيطالية اليمينية.

سعي إيطاليا للتقارب السوري

يرجح كافيرو أن الحكومة الإيطالية الحالية تسعى للتقارب مع سوريا، أكثر من الحكومة السابقة، بسبب انتمائها إلى اليمين المتطرف، لافتًا إلى أن ذلك لن يكون في وقت قريب.

وفي المقابل، ذكر تقرير لـ”الشبكة السورية لحقوق الإنسان” في 2019، بعنوان “استهداف أماكن العبادة المسيحية في سوريا تهديد للتراث العالمي”، أن قوات النظام السوري مسؤولة عن 61% من عمليات استهداف أماكن العبادة المسيحية.

غضب حلفاء إيطاليا

يواصل الاتحاد الأوروبي إظهار موقفه الثابت الرافض للتطبيع مع النظام السوري، دون تنفيذ كامل لقرار مجلس الأمن رقم 2254، ما يثير تساؤلات بشأن قدرة إيطاليا على اتخاذ خطوات تقارب جدية وواضحة مع النظام السوري.

واستبعد عباس أن تقود الإشارات المختلطة من الحكومة الإيطالية، والاتصالات المتبادلة، إلى التطبيع مع النظام السوري، وأرجع هذا إلى أن التطبيع سيغضب حلفاء إيطاليا في الاتحاد الأوروبي وفي حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي تقوده الولايات المتحدة، وهؤلاء الحلفاء يرفضون التطبيع السياسي مع نظام ما زالوا يشددون على أن سجله “حافل بالأعمال الإجرامية”.

تراجع إيطاليا

رغم موقفها السابق من النظام السوري، تحاول ميلوني أن تسلك سياسات خارجية لا تتعارض كثيرًا مع الاتحاد الأوروبي، وفق ما قاله عباس، مشيرًا إلى تراجع تأييد ميلوني العلني للنظام السوري، وموقفها الداعم لكييف بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.

وفي المقابل، ترى الناشطة الإيطالية المهتمة بالشأن السوري فرانشيسكا سكالينجي، أن عضوية إيطاليا بالاتحاد الأوروبي لا تلغي كونها دولة ذات سيادة.

إعادة فتح السفارة السورية في روما

اعتبرت سكالينجي أن خطوات إيطاليا نحو التقارب مع النظام السوري، يمكن أن تصل إلى حد إعادة فتح السفارة السورية في روما والسفارة الإيطالية في دمشق، منوهة بأن ذلك لن يكون في وقت قريب.

وتعد علاقة إيطاليا بالولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية عاملًا رئيسًا، يفسر سبب عدم إعطاء إيطاليا الشرعية الكاملة للنظام السوري، وتجنب روما إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات الدبلوماسية مع نظام دمشق، وفق ما قاله كافيرو.

سوريا بعيدة عن أولويات إيطاليا

لم يتفق الباحث في السياسة الدولية والديناميات الإقليمية، فابريزيو شيفرون، مع كافيرو، ورأى أن سوريا بعيدة عن أولويات إيطاليا، وأن ميلوني متحالفة بنحو صارم مع أعضاء الناتو.

وأضاف في تغريدة عبر تويتر أنه “لا ينبغي النظر إلى ماضي ميلوني على أنه انعكاس لحكومة اليوم ومواقفها”.

ذريعة لبدء حرب جديدة

أظهرت إيطاليا خلال السنوات الماضية العديد من المواقف الإيجابية تجاه النظام السوري، ففي عام 2018 عارضت ميلوني اتهامات المجتمع الدولي للنظام السوري بسبب ممارساته في منطقة الدوما، قائلة: “مرة أخرى، لا يوجد دليل ملموس، نحن نتخوف من أن طرفًا ما يبحث عن ذريعة لبدء حرب جديدة”.

وتلت ذلك زيارة وفد من النواب والسياسيين الإيطاليين برئاسة السيناتور باولو روماني، لسوريا في عام 2019، شهدت لقاء مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، للحديث عن واقع سوريا والمسار السياسي وإعادة الإعمار.

وجاءت الزيارة بعد أن أعلنت وزارة الخارجية الإيطالية أنها تعمل على تقييم الوضع في سوريا، لمعرفة ما إذا كان بالإمكان إعادة فتح سفارتها في دمشق، في يناير 2019، مشيرة إلى أن استقرار الوضع هناك “لا يزال شرطًا أساسيًّا لفتح السفارة”، وقد ظلّت سفارتها مغلقة حتى العام الحالي.

ربما يعجبك أيضا