عالم «مجزأ» يتبلور.. هل اقتربت نهاية الهيمنة الدولارية؟

محمد النحاس

هل يشهد العالم نظامًا ماليًّا بديلاً؟ وهل تستطيع أي عملة مناطحة الدولار؟


التنافس الصيني الأمريكي وتبعات الحرب الروسية الأوكرانية، وأخيرًا أزمة سقف الديون الأمريكية، عوامل تضع الدولار كعملة عالمية مهيمنة موضع تساؤل.

وبينما تسعى الدول الغربية لتقويض الاقتصاد الروسي عن طريق سيل من العقوبات التي تلت الحرب الأوكرانية، بهدف الحد من قدرة موسكو على تمويل الحرب، برز تساؤل عما إذا كانت هذه العوامل المستجدة تصب في مصلحة الدولار أم تزعزع قبضته.

هبوط الاحتياطات الدولارية

انخفضت حصة الدولار من احتياطيات النقد الأجنبي لدى دول العالم بـ58% في الربع الأخير من عام 2022، لتصل بذلك إلى أدنى مستوى لها منذ 20 عامًا، وفقًا لما نقلته وكالة أنباء رويترز اليوم الخميس 25 مايو 2023، عن البيانات الرسمية لصندوق النقد الدولي.

ويرى الرئيس التنفيذي لشركة “يور آيزين إس إل جيه كابيتال ليمتيد” ستيفن جين، أن ما حدث في عام 2022 من هبوط حاد في حصة الدولار بقيمته الحقيقية، كان بالأساس رد فعل على تجميد نصف احتياطيات روسيا من الذهب والعملات الأجنبية البالغة 640 مليار دولار، بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.

وحسب جين، قاد ذلك العديد من الدول إلى التفكير في تنويع احتياطتها من العملات الأجنبية، في رد فعل طبيعي على الخطوات الغربية المفروضة على روسيا.

اقرأ أيضًا| «لم يعد فعالًا».. هل تتجه واشنطن إلى تغيير نهجها الاقتصادي؟

هيمنة دولارية

بنحو عام، تحتفظ بنوك مركزية في أنحاء العالم باحتياطات نقدية من الدولار، وذلك تحوّطًا لدعم عملاتها المحلية حال تعرضت لأزمات اقتصادية، وإذا ما تراجعت قيمة العملة المحلية كثيرًا أمام الدولار فإن النفط والسلع الأخرى المتداولة بالعملة الأمريكية تصبح باهظة الثمن.

اقرأ أيضًا| مقال بـ«فاينانشيال تايمز»: الهيمنة الاقتصادية الأمريكية أصبحت جزءًا من الماضي

ومنحت هذه الهيمنة الدولارية الولايات المتحدة سلطة واسعة النطاق على العديد من عمليات التبادل التجاري في العالم، وأسهمت في تمكينها من عرقلة وصول بعض المنتجات الحيوية من الأسواق المصدرة إلى دول مثل روسيا وفنزويلا وإيران، وإن كانت هذه الدول تحاول بطريقة أو بأخرى الالتفاف على القيود، لكن تظل الآلية الأمريكية فعالة إلى حد كبير.

تحول ميزان التجارة

يأخذ ميزان التجارة حاليًّا في التحوّل، فالهند على سبيل المثال تشتري النفط الروسي بالروبل، وعملات إقليمية أخرى، واتجهت الصين بدورهها للتعامل باليوان مع روسيا، واشترت به نفطًا وفحمًا ومعادن بما يعادل 88 مليار دولار، وشهد مارس الماضي أول صفقة غاز طبيعي بالروبل بين فرنسا والصين.

ويقول المحلل الاستراتيجي، جيفري يوما لرويترز: “تتساءل العديد من الدول، ماذا بعد روسيا؟ ماذا لو فرضت علينا عقوبات مماثلة يومًا ما؟”، ويدفع ذلك هذه الدول لتنويع مصادر النقد الأجنبي والتعاملات المالية بعملات مختلفة بطبيعة الحال.

اقرأ أيضًا| «أزمات متتالية».. هل يشهد العالم ركودًا اقتصاديًّا؟

احتمال بعيد المنال

حسب بنك التسويات الدولية، الذى يتابع التداولات المالية والإقراض المصرفي في أنحاء العالم، ارتفعت حصة اليوان في تدوالات الفوركس خارج البورصات، من لا شئ تقريبًا قبل 15 عامًا إلى 7%، ومع ذلك لا يزال الدولار يمثل ما يقرب من 90% من مداولات الفوركس العالمية.

لذلك، تتطلب زعزعة الهيمنة الدولارية شبكة واسعة ومعقدة ومترابطة من المصدّرين والمستوردين، والدائنين وتجار العملات، للإقرار في ما بينهم باستخدام عملات أخرى، وهو احتمال بعيد من المنال، كما يرجح تقرير رويترز.

ويفسر ذلك أن حوالي نصف الديون العالمية مقوّمة بالدولار، وما يقدر بنصف التعاملات التجارية العالمية يجري إبرامه كذلك بالعملة الأمريكية، وفقًا لبنك التسويات الدولية.

اقرأ أيضًا| معركة رفع سقف الديون.. هل تتخلف أمريكا عن السداد؟

نظام مالي متعدد الأقطاب

وفقًا لرويترز، يرى أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية، باري إيتشنجرين، في جامعة بريكلي بكاليفورنيا، أن المعاملات الدولارية تقود إلى مزيدٍ من المعاملات بالعملة الأمريكية ما يعزز من فاعليته، خاصةً في ظل اقتصاد عالمي شديد التشابك.

وترجح هذه الشواهد عدم وجود منافس بديل يناطح الدولار في مكانته، لكن مع ذلك وفي ظل التحولات العالمية سالفة الذكر، من الجائز التحول إلى عالم “مجزأ” حيث يكون النظام المالي العالمي متعدد الأقطاب، وهو الاتجاه الذي شرع في التبلور بالفعل.

اقرأ أيضًا| كيف أضرت سياسات واشنطن النقدية بالنظام المالي العالمي؟

اقرأ أيضًا| روسيا تعلّق التعامل بعملة الهند.. هل فشل النظام المالي البديل؟

ربما يعجبك أيضا