حرب السودان تنذر بمزيد من الكوارث على مدن دارفور

حسام أحمد
الحرب في السودان

يربط السكان تجدد العنف في الجنينة ومناطق أخرى من دارفور بالصراع على السلطة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.


سلطت وكالة أنباء رويترز، اليوم الجمعة 26 مايو 2023، الضوء على تداعيات الخطيرة للاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

وذكرت، في تقرير لها، أنه عندما اجتاحت الحرب العاصمة السودانية، الشهر الماضي، سرعان ما امتدت إلى إقليم دارفور في الغرب، وأشعلت صراعًا قديمًا، ودفعت بموجة من اللاجئين عبر الحدود إلى تشاد.

27 كيلو مترًا سيرًا على الأقدام

أبرز التقرير قصة المواطن السوداني، نصر عبدالله، الذي أرسل زوجته وشقيقته وأطفاله الخمسة إلى تشاد، الأسبوع الماضي، وظل ينتظر أي أنباء عن ابنه البالغ 17 عامًا في العاصمة الخرطوم. لكن عندما أُحرق منزل جاره وسيطرت العصابات على الشوارع، فرّ هو الآخر.

وبعد وصوله مرهقًا يوم الأربعاء إلى مدينة أدري التشادية على بعد قرابة 27 كيلومترًا من مدينة الجنينة الرئيسة في ولاية غرب دارفور، قال الرجل البالغ 42 عامًا: “لم أستطع التحمل أكثر من ذلك، وبالتالي قررت المغادرة سيرًا على الأقدام”.

وأضاف “مررت عبر الأدغال وسرت غربًا طوال الليل”، وفقا لوكالة أنباء رويترز.

اقرأ أيضًا| إنفوجراف| اتفاق جدة لوقف إطلاق النار في السودان

الميليشيات ترتع دون رادع

وفق رويترز، يربط السكان تجدد العنف في الجنينة ومناطق أخرى من دارفور بالصراع على السلطة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في الخرطوم، ما سمح للميليشيات بأن ترتع في المنطقة من دون رادع.

وقال أشخاص قابلتهم رويترز إن الهجمات التي وقعت في الجنينة، منذ أواخر إبريل، نفذتها ميليشيات الجنجويد، التي تضم مسلحين يُعتقد عادة أنهم ينتمون إلى قبائل عربية بدوية، ويركبون الشاحنات والدراجات النارية والخيول، وهي نفس الميليشيات التي ولدت منها قوات الدعم السريع، لكن الأخيرة تنفي التحريض على العنف في دارفور وتلقي باللوم على الجيش.

ذكريات حرب دارفور

ذكر شهود أن الهجمات في الجنينة دمرت أسواقها وشبكة الكهرباء والمنشآت الطبية بها، ما أعاد إلى الأذهان ذكريات أعمال العنف الوحشية، التي اندلعت في أوائل العقد الأول من القرن الحالي.

وتقول وزارة الصحة السودانية إن ما يصل إلى 510 أشخاص قُتلوا في المدينة، التي يبلغ عدد سكانها نحو نصف مليون نسمة، ونزح ما لا يقل عن 250 ألف شخص داخليًّا في ولاية غرب دارفور، في حين فرّ 90 ألفًا آخرون إلى تشاد.

اقرأ أيضًا| مفوض أممي يدعو إلى وقف العنف الجنسي بالسودان

لمحة عن الفوضى

مع انقطاع الاتصالات في الجنينة، الآن، قدمت شهادة عبدالله لمحة نادرة عن الفوضى.

وقال: “الأسلحة الثقيلة والمدافع الرشاشة تُطلق في كل مكان. عندما تخرج في الصباح، ترى ثقوبًا جديدة في الجدران من الرصاص”. وأضاف أن إمدادات المياه انقطعت وأن الطعام شحيح في المدينة التي غادرها.

نفوذ «الجنجويد»

اكتسبت ميليشيات الجنجويد، التي يهابها السكان، سلطة للمرة الأولى، عندما استخدمتها الحكومة ضد المتمردين في دارفور، قبل 20 عامًا. وقُتل في الصراع أكثر من 300 ألف شخص وشُرد 2.5 مليون.

وانبثقت منها قوات الدعم السريع، ونمت لتصبح قوة كبيرة ذات وضع قانوني. وأصبح قائدها، محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي، نائبًا لرئيس مجلس السيادة الحاكم في السودان، بعد أن ساعد في الإطاحة بالرئيس السابق، عمر البشير، خلال انتفاضة شعبية في عام 2019.

صراع على الأرض

رغم أن الصراع في دارفور بين القبائل العربية ضد غير العرب يُوصف في كثير من الأحيان بأنه عرقي، فإن أساسه أيضًا صراع على الأرض تفاقم بسبب تغير المناخ.

وقال سلطان سعد بحر الدين، زعيم قبيلة المساليت، التي تمثل أكبر كتلة من سكان الجنينة “هذا (الصراع) بين الرعاة والمزارعين. إنه يتعلق بالموارد والأرض”.

توصع في الأراضي الخصبة

ذكر الباحث في المنطقة، جيروم توبيانا، أن رعاة الماشية العرب هاجروا إلى مناطق أقل جفافًا، خلال فترات الجفاف في دارفور في السبعينات والثمانينات، ما أدى إلى توترات.

وحصلوا على المزيد من الأراضي مع مساعدة ميليشيات الجنجويد للقوات الحكومية على صد المتمردين، في الصراع الذي اندلع عام 2003.

لكنهم شعروا أن اتفاق السلام، الذي أبرم عام 2020 مع بعض الجماعات المتمردة وتضمن وعدًا بعودة النازحين إلى أراضيهم، تجاهل احتياجاتهم. وتزايدت الهجمات مع انسحاب قوات حفظ السلام الدولية.

الجنجويد يقتحمون المنازل ويطلقون النار

قال 5 من سكان الجنينة، فضل معظمهم عدم نشر أسمائهم لتجنب الانتقام، إنهم يعتقدون أن الميليشيات تهدف إلى إفراغ المدينة وأن الجيش لم يفعل الكثير لتوفير الحماية.

ويقاتل رجال مسلحون من المساليت وأعضاء في التحالف السوداني، وهو جماعة وقعت اتفاق السلام، من داخل الأحياء التي يعيشون فيها.

وقال والي الولاية السابق وعضو هيئة محامي دارفور، وهي جماعة حقوقية، محمد الدومة: “كانت الميليشيات تهاجم أي شخص موجود في المدينة… حتى السكان العرب لم يسلموا”.

اقرأ أيضًا| السعودية وأمريكا تطالبان الجيش السوداني والدعم السريع بالالتزام بالهدنة

اتساع دائرة العنف في دارفور

قال المحامي، جمال عبدالله، إن الشهود أخبروه بحادث في الجنينة قتل فيه 7 أشخاص في أحد المنازل، وواقعة أخرى في عيادة مؤقتة حيث قُتل طبيب و12 شخصًا كانوا مصابين بالفعل بالرصاص.

وأضاف عبدالله: “يدخل الجنجويد المنازل ويطلقون النار”، مشيرًا إلى أنه رأى جثثًا لقتلى وجيفًا لحيوانات نافقة متناثرة في الشارع.

وقال 3 أشخاص يعيشون في الجنينة لرويترز إنهم رأوا مهاجمين يرتدون زي قوات الدعم السريع.

رسالة حمديتي

وجهت قوات الدعم السريع، في الماضي، اللوم إلى عدد من الجنود لتورطهم في هجمات الجنجويد، لكنها تتهم الجيش وميليشيات حليفة بالوقوف وراء أحداث العنف الأحدث في دارفور.

ووجه حميدتي، الذي ينحدر من قبيلة عربية، رسالة صوتية هذا الأسبوع قال فيها “رسالة إلى أهلنا في الجنينة انبذوا الجهوية والقبلية. أوقفوا القتال فورًا بينكم”.

ولم يرد متحدث باسم الجيش على طلب للتعليق. ولم يتسن الوصول إلى ممثلين لميليشيات الجنجويد. وفشلت محاولات الاتصال بزعماء القبائل العربية التي تعيش في المدينة، بسبب انقطاع التيار الكهربائي.

قتل ونهب واغتصاب

قالت الناشطة المحلية، إنعام النور، إن شقيقها وعددًا من أقاربها الذكور قتلوا، وإن الحي الذي تعيش فيه دمر بالكامل وحرق ونهب. وأضافت لرويترز من الجنينة أنها وثّقت من أطباء وشهود اغتصاب 9 طالبات جامعيات على يد مسلحين.

ولم يتسن لرويترز التحقق من تلك الحوادث.

وقالت نقابة أطباء السودان إنه جرى تدمير جميع مستشفيات المدينة، وكذلك بنك الدم فيها. وأظهرت صور نشرها صحفي محلي يتعاون مع رويترز زجاجات تقطير المواد الدوائية مثقوبة، ما يجعلها عديمة الفائدة.

اقرأ أيضًا| تحذير من كارثة إنسانية على حدود السودان أواخر يونيو

وقال شهود وجماعات إغاثة إن المباني الحكومية والسوق الرئيسة ومكاتب وكالات الإغاثة تعرضت للنهب.

كارثة وشيكة

رغم أن غرب دارفور أكثر ولايات البلاد احتياجًا للمواد الغذائية، صار كثيرون من المزارعين غير قادرين على الوصول إلى الأراضي أو الحصول على الإمدادات استعدادًا لموسم الأمطار.

وقالت عضو المجلس النرويجي للاجئين، ماتيلدا فو، إن ما لا يقل عن 85 ألفًا من النازحين السابقين صاروا مشردين مرة أخرى، بعد أن لجأوا إلى الجنينة فرارًا من هجمات سابقة، لكن المدارس ومباني البلدية والمساجد في المدينة جرى تدميرها الآن.

وأضافت أن نشر موظفي الإغاثة صار خطرًا. ومضت قائلة “النظرة المستقبلية (للأوضاع) قاتمة للغاية”.

اقرأ أيضًا: هدوء نسبي في عاصمة السودان غداة سريان وقف إطلاق النار

ربما يعجبك أيضا