القرار الصعب لجورجيا.. التمسك بالغرب أو التسوية مع روسيا

شروق صبري
نظم آلاف الجورجيين مسيرة للاحتجاج على التشريعات التي تقيد المجتمع المدني

تقارب جورجيا المتزايد مع روسيا يقسم البلاد سياسياً ويشكل تحدياً لاستقلالها، مع اقتراب الانتخابات الوطنية الحاسمة في أكتوبر 2024.


في أغسطس 2008، شهدت جورجيا واحدة من أسوأ هزائمها العسكرية، حيث انهارت دفاعاتها بسرعة تحت وطأة الحرب الروسية.

اجتاحت الدبابات الروسية البلاد دون مقاومة تذكر، وتسببت الميليشيات المدعومة من موسكو في حالة من الفوضى في الريف.

تأثير الهزيمة على السياسة الجورجية

اليوم، لا يزال الهجوم وما خلفه من دمار يؤثر بشدة على السياسة الجورجية. مع استعادة روسيا لزخمها في أوكرانيا، بدأت الحكومة الجورجية في التحرك نحو موسكو، مما أدى إلى تراجعها عن تطلعاتها الطويلة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو).

وبحسب صحيفة “وول ستريت جورنال”، اليوم الجمعة 30 أغسطس 2024، فإن هذه التحركات أثارت احتجاجات جماهيرية في العاصمة تبليسي، حيث خرج الآلاف إلى الشوارع لمعارضة التقارب مع روسيا، مما أسفر عن صدامات عنيفة مع قوات الشرطة.

يعكس الانقسام السياسي في البلاد انقسامات عميقة داخل المجتمع الجورجي، وحتى داخل العائلات نفسها. فاطيما بابياشفيلي، صيدلانية من قرية صغيرة، التي عايشت أهوال الحرب في 2008، ترى في حزب “الحلم الجورجي” الحاكم بقيادة بيدزينا إيفانيشفيلي الخيار الأفضل لتحقيق السلام مع روسيا.

السلام مع روسيا

بالنسبة لها، السلام مع موسكو يتفوق على أي تحالفات مع الغرب. ومع ذلك، فإن ابنتها ديانا، التي تخرجت مؤخرًا من الجامعة وتطمح لأن تصبح مصممة جرافيك، ترى أن الطريق إلى الأمام يكمن في مقاومة النفوذ الروسي والتقرب من الغرب، مؤيدة الاحتجاجات الشبابية التي اجتاحت تبليسي في الأشهر الأخيرة.

في محاولة لتعزيز السيطرة، أدخلت الحكومة الجورجية مؤخرًا قوانين مثيرة للجدل، من بينها قانون يقيد تمويل المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام من الخارج، والذي أطلقت عليه المعارضة “القانون الروسي”.

هذا القانون يعكس تشريعات مماثلة فرضها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 2012، مما أدى إلى تآكل الحريات السياسية هناك. بالإضافة إلى ذلك، تسعى الحكومة لفرض قانون آخر يحظر “الدعاية” المؤيدة للمثليين ويعزز “القيم التقليدية”، مما زاد من حدة التوترات في البلاد.

نيكولوز سامخارادزي، عضو البرلمان عن حزب الحلم الجورجي الحاكم

نيكولوز سامخارادزي، عضو البرلمان عن حزب الحلم الجورجي الحاكم

المخاطر الجيوسياسية

تتمتع جورجيا بموقع استراتيجي حيوي، حيث تشكل ممرًا مهمًا للتجارة بين آسيا الوسطى والغرب بعيدًا عن روسيا. ومع ذلك، فإن التقارب المتزايد مع موسكو يهدد هذه المكانة.

وأظهرت القمة الأخيرة لحلف الناتو عدم التزام الحلف بتوسيع عضويته لتشمل جورجيا، وهو تحول دراماتيكي مقارنة بالتعهدات السابقة. كما أن الاتصالات مع الاتحاد الأوروبي حول عضوية جورجيا تجمدت، مما يزيد من المخاوف بشأن مستقبل البلاد واستقلالها السياسي.

الانتخابات القادمة والخيارات الصعبة

مع اقتراب الانتخابات الوطنية في أكتوبر، يقف الشعب الجورجي أمام مفترق طرق حاسم. المعارضة ترى أن هذه الانتخابات تشكل استفتاءً على توجه البلاد بين روسيا والغرب.

ومع ذلك، فإن الانقسام العميق داخل المجتمع الجورجي والتحديات التي تواجه المعارضة تجعل من الصعب التنبؤ بنتائج هذه الانتخابات. في النهاية، ستكون هذه الانتخابات بمثابة اختبار حقيقي لمستقبل جورجيا، وهل ستظل دولة مستقلة تنظر نحو الغرب، أم أنها ستصبح دولة تابعة لروسيا.

ربما يعجبك أيضا