«التخلف عن الركب».. هل تحرم أوروبا نفسها من الذكاء الاصطناعي؟

عبدالرحمن طه
الذكاء-الاصطناعي-في-أوروبا

اتخذت العديد من شركات التكنولوجيا الأمريكية العملاقة إجراءات واسعة النطاق لحجب وصول منتجاتها من الذكاء الاصطناعي للقارة الأوروبية، وذلك بعد نزاع مع السلطات الأوروبية بشأن البيانات.

ولن يحصل الأوروبيون، على الأقل حتى الآن، على أحدث الميزات المتقدمة التي يجلبها “أيفون” من شركة “أبل”، كما استثنت “ميتا بلاتفورمز” القارة العجوز من طرح نموذجها الأقوى للذكاء الاصطناعي، الذي تروج له كوسيلة تتيح لما سواها من الشركات تطوير منتجاتها الخاصة في مجال الذكاء الاصطناعي.

التخارج من أوروبا

تأتي خطوات شركات التكنولوجيا الكبيرة بعد أقل من عام على الجدل الذي أثاره الرئيس التنفيذي لشركة “أوبن إيه آي” سام ألتمان حين صرّح أن شركته قد تنظر في مغادرة أوروبا، إن تعذّر تعايشها مع القواعد الناظمة هناك، بحسب بلومبرج اليوم الجمعة 30 أغسطس 2024.

وتراجعت “أوبن إيه آي” عن تصريحات ألتمان لاحقاً، وهي مستمرة بالعمل بشكل طبيعي في دول الاتحاد الأوروبي، حالها في ذلك كحال معظم شركات الذكاء الاصطناعي الأمريكية.

وبالرغم من ذلك، كان قرار “أبل” و”ميتا” بتأجيل طرح بعض المنتجات الأساسية تصعيداً مقلقاً للنزاع القائم بين وادي السيليكون والاتحاد الأوروبي، الذي رسخ نفسه كرأس حربة في المساعي العالمية لفرض قيود ناظمة صارمة على قطاع التقنية وتشديد مكافحة الاحتكار.

عرقلة تطوير التقنيات

تحذّر شركات تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الأمريكية من أن صانعي السياسات الأوروبيين يهددون بعرقلة تطور تقنيات تحمل منافع هائلة، حيث يرى مسؤولون أوروبيون أن التهاون قد يفاقم أضراراً نجمت أصلاً عن هيمنة وادي السيليكون على قطاع التقنية العالمي.

ولطالما اشتكت الشركات الأمريكية من سياسات محلية تفرضها دول مثل تايلاند وإندونيسيا، وهي تصفها بالإجراءات الرقابية غير الملائمة، إلا نها تمتثل لها، فيما تضطر هذه الشركات غالباً لتقديم تنازلات كبرى كي تلج السوق الصينية، في حين تنتقد بشدة الالتزام بمعايير السوق الأوروبية الصارمة.

القوانين الأوروبية

ينغّص قانون حماية الخصوصية الأوروبي الشامل، والمعروف باسم “اللائحة العامة لحماية البيانات” على شركات التقنية الأمريكية منذ سنوات، حيث زادت هذه التحديات هذا العام مع دخول ثلاثة قوانين جديدة حيز التنفيذ، فمنحت الاتحاد الأوروبي سلطة أكبر في التصدي لعمالقة التقنية.

كما يستهدف “قانون الأسواق الرقمية” السلوكيات التي يعتبر الاتحاد الأوروبي أنها تقوّض المنافسة، مثل منح المنصات التقنية الأفضلية لخدماتها الخاصة، أو دمج البيانات الشخصية عبر خدمات متعددة، فيما يتضمن “قانون الخدمات الرقمية” مجموعة قواعد تهدف إلى حثّ المنصات التقنية على تعزيز دفاعاتها ضد المحتوى غير القانوني والضار.

أما “قانون الذكاء الاصطناعي”، فيحظر أو يقيّد استخدامات الذكاء الاصطناعي التي يصنّفها بأنها عالية الخطورة، ويفرض قواعد شفافية على نماذج الذكاء الاصطناعي القوية المخصصة للاستخدامات العامة.

وقف طرح المنتجات في أوروبا

أعلنت “أبل” في يونيو الماضي أنها ستوقف طرح مجموعة برامجها  الجديدة “أبل إنتلجنس” (Apple Intelligence) في أوروبا، معلّلة قرارها بأن “قانون الأسواق الرقمية” يجبرها على تقديم تنازلات أمنية تراها غير مقبولة.

كما اتخذت ميتا خطوة مشابهة حين أجّلت إصدار النسخة الجديدة من نموذج الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر “لاما” (Lama)، الذي يمكن للمطورين والشركات تنزيله وتعديله بحرية، حيث أشارت إلى أنها اتخذت قرارها بعد أخذ وردّ مع الهيئات الناظمة بشأن احتمال أن تخترق خططها لاستخدام بيانات تحصل عليها من الحسابات العامة على “فيسبوك” و”إنستغرام” في أوروبا لتدريب “لاما”، قوانين الخصوصية في القارة.

بعد شهر من إبلاغ “ميتا” المسؤولين عن خططها، طلبت منها الهيئات الناظمة التوقف، وأرسلت لها أكثر من 270 سؤالاً حول كيفية التزام هذه الخطة بقانون حماية البيانات الأوروبي، قررت “ميتا” ببساطة التخلي عن طرح المنتج في أوروبا بدل أن تجيب على تلك الأسئلة.

إيلون ماسك في الطريق

خاض الملياردير إيلون ماسك مالك شركة سبيس إكس وتسلا، هو الآخر مواجهات مع الاتحاد الأوروبي، حيث أجبرت السلطات قبل فترة قصيرة منصته “إكس” على التوقف عن جمع بيانات المستخدمين الأوروبيين لاستخدامها في “جروك” (Grok)، وهو نموذج الذكاء الاصطناعي لديها.

وحتى الآن، تبدو التبعات المباشرة سواء على شركات التقنية أو الاقتصادات الأوروبية محدودة، فالمنتجات المعنية لم تبدأ بعد في تعزيز مبيعات أجهزة “أيفون” أو الإعلانات عبر منصة “إكس” أو نظارات الواقع الافتراضي من “ميتا”.

في حين يؤكد الاتحاد الأوروبي أنه يهدف من خلال تلك القوانين إلى تحقيق توازن بين تعزيز الابتكار وحماية حقوق المواطنين، كما دعت شركات التقنية لدراسة ما إذا كانت منتجات الذكاء الاصطناعي التي تطورها تتوافق مع قواعد مكافحة الاحتكار في الاتحاد الأوروبي.

ربما يعجبك أيضا