توغل أوكرانيا في كورسك.. هل كان مغامرة تستحق المخاطرة؟

لماذا تأخر الرد الروسي على التوغل الأوكراني في منطقة كورسك؟

بسام عباس
الهجوم الأوكراني على كورسك الروسية

مرت عدة أسابيع منذ أن عبرت القوات الأوكرانية إلى منطقة كورسك الروسية، وفاجأت هذه الخطوة روسيا وحلفاء أوكرانيا في الغرب، وكانت هذه هي المرة الأولى منذ أكثر من 80 عامًا التي تقع فيها الأراضي الروسية تحت سيطرة قوة خارجية.

وبعد تخصيص نحو ألف جندي وعشرات المركبات المدرعة للعملية في البداية، تشير التقديرات إلى أن أوكرانيا لديها الآن عدة آلاف من القوات ومئات المركبات المدرعة العاملة في كورسك.

المرة الأولى

أوضحت مجلة “أوراسيا ريفيو”، في تقرير نشرته السبت 21 سبتمبر 2024، أن هذه ليست المرة الأولى التي تدخل فيها قوات متحالفة مع أوكرانيا أراضي الاتحاد الروسي، ففي مايو 2023، دخلت قوات روسية مناهضة لبوتين من فيلق حرية روسيا وفيلق المتطوعين الروس منطقة بيلجورود الروسية واستولت على عدد من البلدات الحدودية.

وأضافت أن التوغلات السابقة في الأراضي الروسية كانت تعتمد على وحدات روسية عرقية، وإذا لعبت الوحدات العسكرية الأوكرانية دورًا، فمن المرجح أنه كان ضئيلًا ولم يعلن عنه، ولكن هذه المرة، نفذت وحدات أوكرانية نظامية بشكل أساسي عملية في منطقة كورسك، وترفع الأعلام الأوكرانية فوق المباني البلدية وتظهر مقاطع الفيديو القوات الأوكرانية وهي تتواصل مع السكان المحليين وتقدم الدعم الإنساني.

وذكرت أن العديد من مقاطع الفيديو أظهرت جنودًا يتحدثون باللغة الأوكرانية مع السكان الروس المحليين، حيث ترتبط هذه المنطقة بعلاقات ثقافية وثيقة مع أوكرانيا، ومن المثير للاهتمام أن خطوط المواجهة الحالية في كورسك تقع تقريبًا في نفس موقع الحدود بين جمهورية أوكرانيا الشعبية قصيرة العمر والبلاشفة في عام 1918.

تحقيق الهدف

قالت المجلة إن التوغلات السابقة كانت مجرد غارات دون أي نية للاحتفاظ بالأراضي التي تم الاستيلاء عليها، ولكن هذه العملية كانت على النقيض، فمن الواضح أن أوكرانيا لديها كل النية للاحتفاظ بالأراضي الروسية الخاضعة لسيطرتها، وتُظهِر المعلومات الاستخباراتية المفتوحة المصدر والصور الملتقطة عبر الأقمار الصناعية المتاحة تجاريًّا أن القوات الأوكرانية تبني مواقع دفاعية.

وحققت أوكرانيا بالفعل أغلب أهدافها القصيرة الأجل من خلال عملية كورسك، وكانت كييف في احتياجٍ ماسٍ إلى تغيير في سرد ​​الحرب بعد فشلها في تحقيق تقدم كبير في ساحة المعركة على مدى العام الماضي، وقد نجحت العملية العسكرية الأوكرانية، وإن كانت محدودة، في كورسك في تحقيق هذا الهدف.

انسحاب روسي

أوضحت المجلة أن أحد الأهداف الرئيسة لأوكرانيا من دخول كورسك كان إجبار روسيا على سحب قواتها من مناطق أخرى على طول خط المواجهة، وكانت المنطقة المحيطة ببلدة بوكروفسك الأوكرانية الصغيرة في دونيتسك بمثابة نقطة محورية للقتال في الأسابيع الأخيرة، وقاتل الأوكرانيون بشراسة للاحتفاظ ببوكروفسك لأن شبكات السكك الحديدية والطرق الإقليمية المهمة تلتقي فيها.

ولكن روسيا كانت على استعداد للتضحية بالكثير من أجل الاستيلاء على البلدة، وهي تحرز تقدمًا أسبوعيًّا، وقد يستغرق نقل عشرات الآلاف من القوات الروسية من جزء من ساحة المعركة على بعد مئات الكيلومترات إلى منطقة كورسك أسابيع، ومن السابق لأوانه أن نجزم بما إذا كان غزو أوكرانيا لكورسك سيجبر روسيا على الانسحاب من أماكن أخرى.

ثغرة في الدفاعات الروسية

كشفت عملية أوكرانيا في كورسك عن ثغرة كبيرة في دفاعات روسيا، ويبدو من غير المعقول أن تترك روسيا بعد عامين ونصف العام من الحرب الكبرى جزءًا مهمًا من حدودها بلا دفاع، ما سمح لأوكرانيا بإحراز تقدم سريع، ويشير الرد البطيء من جانب روسيا على عملية كورسك الأوكرانية إلى خلل في أجهزة الأمن الداخلي في روسيا.

واستغرق الأمر من الروس أسابيع لتعبئة قواتهم لمواجهة التقدم الأوكراني، وهناك تقارير تفيد بأن روسيا بدأت عمليات هجومية مضادة في كورسك، ومع بدء القوات الروسية في شن هجوم مضاد، لم يكتف الأوكرانيون بالحفاظ على خطوط المواجهة في كورسك، بل حققوا أيضًا مكاسب تكتيكية معزولة.

 تعزيز الروح المعنوية

لا يزال مؤيدو أوكرانيا في الغرب منقسمين بشأن ما إذا كانت العملية العسكرية في كورسك قرارًا حكيمًا، ويشير المنتقدون إلى أن أوكرانيا لديها عدد محدود من القوى البشرية، وأن كل جندي ومركبة مدرعة مطلوبة على طول أكثر أقسام خط المواجهة خطورة لمنع أي اختراق روسي.

ولكن أنصار عملية كورسك يزعمون أن السيطرة على الأراضي الروسية قد تجبر موسكو على سحب قواتها من الخطوط الأمامية، فعلى أقل تقدير، أدى النجاح العسكري الذي حققته أوكرانيا إلى تعزيز الروح المعنوية وتذكير أنصارها بأنها قادرة على تحقيق انتصارات في ساحة المعركة عندما تحصل على المعدات والدعم المناسبين.

والوقت وحده كفيل بإثبات ما إذا كانت مقامرة أوكرانيا تستحق العناء، ولكنها بمثابة تذكير بضرورة توقع غير المتوقع في الحرب، ولم يكن أحد ليتصور أن حربًا، كان المخططون العسكريون الروس يأملون ألا تستمر سوى بضعة أيام، قد تسفر عن مقتل وجرح مئات الآلاف من الجنود وسيطرة أوكرانيا على جزء صغير من الأراضي الروسية.

ربما يعجبك أيضا