لماذا تسعى أمريكا لإعادة تركيا إلى برنامج مقاتلة إف-35؟

تداعيات إعادة تركيا إلى برنامج مقاتلة إف-35 على أمن الناتو

بسام عباس
مقاتلة إف-35 الأمريكية

وصلت المناقشات المحيطة بأهلية تركيا للحصول على مقاتلة إف-35 إلى نهاية مسدودة في 2019، بعد إصرار أنقرة عليها، وطالبت واشنطن الحكومة التركية بعدم شراء منظومة إس-400 من موسكو، فشراء نظام أسلحة من عدو سيقوّض أمن الناتو وقابلية التشغيل البيني.

وأدى إصرار تركيا على شراء الصواريخ والتسليم النهائي لها إلى طرد أنقرة من البرنامج متعدد الأطراف، لإنتاج وتطوير مقاتلات “إف 35” تحت إشراف حلف الناتو، وفرض عقوبات أمريكية، ما يجعلها المرة الأولى التي يفرض فيها حليف في الناتو عقوبات على حليف آخر.

طريق العودة

قال خبير السياسات التركية، سنان سيدِّي، إن تركيا بدأت حوارًا مع واشنطن لإيجاد طريقة للعودة إلى برنامج إف-35، وواشنطن تستمع. وهذا خطأ، لأن الحل الذي اقترحته تركيا لمعالجة أزمة منظومة إس-400، هو علاج غير كافٍ للتأهل لتلقي منصة استراتيجية تضمن ميزة تنافسية لحلف الناتو ضد الخصوم.

وأضاف، في تقرير نشرته مجلة “ناشونال إنترست” الأمريكية، الأربعاء 25 سبتمبر 2024، أن أنقرة ليست مؤمنة حقًا بقيم الحلف، فهي معادية للغرب بشكل واضح في سلوكها وتقوض المصالح الأمنية للحلف وأعضائه، فهي حليفة على الورق فقط وتتصرف باستمرار مثل الخصم.

 صيغة سحرية

أوضح سنان أن أنقرة تعتقد أنها وجدت صيغة سحرية للحصول على مقاتلات إف-35 وإرضاء واشنطن في الوقت نفسه، ففي أواخر أغسطس، أعربت تركيا عن استعدادها لعدم تفعيل منظومة إس-400، وتخزينها في المستودعات، وتطوعت تركيا بعدم تفعيل صواريخها الروسية، ما جعل هذا التعهد خاضعًا للتحقق الأمريكي، وبالتالي إبطال التهديد المتصور من جانب الولايات المتحدة وحلف الناتو.

وفي يناير 2024، تركت نائبة وزير الخارجية بالوكالة، فيكتوريا نولاند، الباب مفتوحًا لاستئناف إنتاج إف-35 طالما تمكنت أنقرة من حل قضية منظومة إس-400 بشكل مُرضٍ، ومع ذلك ظلت المعايير الدقيقة لعودة تركيا إلى برنامج إف-35 غامضة، ولكن واشنطن أشارت منذ أشهر إلى رغبتها في تخلص تركيا تمامًا من صواريخ إس-400.

وفي أوائل سبتمبر 2024، أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قراره بالتقدم بطلب الانضمام إلى مجموعة البريكس+، وفي قمة الناتو في واشنطن في يوليو، كرر رغبته في أن تصبح تركيا عضوًا في منظمة شنغهاي للتعاون، وهاتين المنظمتين ليستا نقيضًا للمؤسسات الاقتصادية والأمنية الغربية التي تعد تركيا عضوًا فيها فحسب، بل إنهما أيضًا كيانان مخصصان لتقويض النظام القائم على القواعد.

مستوى العداء

استشهد الكاتب على مستوى العداء التركي لأمريكا والغرب تحت حكم أردوغان، بحدثٍ وقع مؤخرًا يعرض الفكرة جيدًا، ففي أغسطس، تعرض أفراد مشاة البحرية الأمريكية الملحقون بالأسطول السادس، والذين كانوا في إجازة على الشاطئ في مقاطعة إزمير التركية، لاعتداء من حشد تركي طالبهم بمغادرة تركيا.

ومنذ بداية حرب إسرائيل على غزة، لم يدخر أردوغان أي جهد لتقويض وإلحاق الضرر بالمصالح الأمنية لإسرائيل، الحليف الرئيس للولايات المتحدة، واحتجاجًا على الدعم الأمريكي لإسرائيل، لم تفعل الحكومة التركية الكثير لمنع المتظاهرين من حصار المنشآت العسكرية الرئيسة لحلف الناتو في تركيا، بما في ذلك قاعدتي كوريسيك وإنجرليك.

تحديث القدرات

أوضح الكاتب أن تركيا، منذ إبعادها من البرنامج في 2019، كشفت عن تطوير مقاتلتها من الجيل الخامس المنتجة محليًا، KAAN، ما أدخل تركيا إلى نادٍ صغير من الدول التي يمكنها إنتاج مقاتلات الجيل الخامس، ومع ذلك، لا تتوقع تركيا أن تكون هذه المقاتلات المنتجة محليًا جاهزة قبل 2030، حيث لا تزال KAAN بحاجة إلى تزويدها بمحرك محلي الصنع.

وأضاف أن تركيا تسعى للحصول على طائرات إف-35 لأن استحواذ اليونان عليها سيضع أنقرة في موقف حرج، مع قوة جوية قديمة تتكون في الغالب من طائرات إف-16، وإف-4، وإف-5 المتقادمة، ورغم عرض KAAN للعالم، فلا يوجد أيضًا ما يضمن أن إضافتها النهائية إلى القوات الجوية التركية ستحدث بالفعل.

في التحليل النهائي، تسعى تركيا بشدة إلى تحديث قدراتها الدفاعية والهجومية الجوية، ولذلك فشراء طائرات إف-35 هو الخيار الأفضل، وواشنطن تعمل خلف الكواليس لاستكشاف أي فرصة لإعادة بناء علاقة جوهرية مع أنقرة، وذلك لاعتقادها الخاطئ بأن تركيا قادرة على تصحيح مغامراتها في السياسة الخارجية، والعودة إلى كونها عضوًا ثابتًا في المجتمع الأمني ​​الأوروبي والأطلسي.

إضعاف الأمن الغربي

قاد السفير الأمريكي السابق لدى تركيا، جيف فليك، مبادرة تحسين العلاقات التركية الأمريكية، وكان هذا بمثابة إغداق الثناء على أردوغان وتعزيز المجازات المستهلكة بأن تركيا حليف حيوي للولايات المتحدة، وفي مقابلة مع مجلة “بوليتيكو”، أشاد فليك بدور أنقرة في عملية تبادل الأسرى الأخيرة التي شملت 7 دول، واصفًا تركيا بأنها “حليف لا غنى عنه”.

اتخذت أنقرة خطوات واضحة لفك ارتباطها بالتمسك بقيم وأولويات الأمن في حلف الناتو، الذي كانت عضوًا فيه منذ 1952، ولا ينبغي أن نتوقع من تركيا أن تتبع ابتعادها عن الحلف بالانسحاب منه، بل إنها ستختار بدلًا من ذلك البقاء داخله، بينما تندمج في كيانات مثل مجموعة البريكس ومنظمة شنجهاي للتعاون، ما يضعف الأمن الغربي وعزيمته في مواجهة الصين وروسيا.

ربما يعجبك أيضا