عودة المقاتلين وانحرافات الجهاديين الفكرية تزعج الأفق الغربي

أميرة رضا

كتبت – أميرة رضا

تعيش دول الغرب جميعها في توجس وتخوف وذعر، لما قد يحدث جراء عودة المقاتلين الأجانب إلى أوروبا – عقب سقوط معاقل تنظيم داعش الإرهابي في كثير من الدول – ورغم المكاسب الكبيرة التي حققتها وما زالت تحققها قوات التحالف الدولي في مواجهة هذا التنظيم، إلا أنه قد برزت مشكلة لم تكن في الحسبان، تمثلت في خطورة العائدين من صفوف ذلك التنظيم الوحشي، وصفوف غيره من التنظيمات الإرهابية المتواجدة في بؤر العنف والتوتر.

وتكمن خطورة هذه العناصر العائدة في تلقيها تدريبات عسكرية واعتناقها أفكارًا متطرفة من شأنها أن تدمر أي مجتمع يتواجدون فيه، لذلك فإن المجتمع الغربي يحاول فرض السيطرة على هذه القضية، من خلال عرض مخططاته في كيفية التعامل مع عقول قد سكب فيها من المفاهيم المغلوطة والأفكار المتطرفة ما تنوء بحمله الجبال الراسيات والرياح العاتيات. 

باتت المشكلة الآن تنحصر في كيفية تعامل حكومات الدول الغربية مع هؤلاء العائدين وادماجهم داخل المجتمع، فهل ستقف هذه الحكومات حائرة أمام هذه الظاهرة مترددة بين وجوب سجنهم أو إعادة تأهليهم؟، وعلى سبيل المثال فقد اختارت بعض الحكومات سياسة الحزم تجاه هذه المشكلة، في الوقت الذي لجأت فيه حكومات أخرى إلى برامج التأهيل التي لم تثبت جدواها بعد.

المخابرات الألمانية تحذر من عودة أطفال “داعش”

في الوقت الذي يخسر فيه تنظيم داعش الإرهابي الأراضي التي سيطر عليها في العراق وسوريا، من المتوقع أن تعود الكثير من النساء مع أطفالهن إلى بلادهم.

وفي هذا السياق حذرت وكالة المخابرات الداخلية الألمانية، من أن القُصر العائدين من مناطق الحرب في سوريا والعراق قد يصبحون جيلًا جديدًا من المجندين لصالح تنظيم داعش، مشيرة إلى أن أكثر من 950 شخصًا من ألمانيا ذهبوا للانضمام لداعش في سوريا والعراق يشكل 20% منهم من النساء و5% من القُصر.

ومن جانبه قال هانز جورج ماسن، مدير المخابرات الألمانية: “على ألمانيا أن تستعد لخطر انتشار التطرف بين الأطفال، لأن عودة النشئة التي خالطت الإرهاب وتلقت تعاليم منه في مناطق الحرب، قد يسمح بنشأة جيل جديد من الإرهابيين.

ولمواجهة التهديدات الجديدة التي تواجه البلاد، كان المشرعون الألمان قد وافقوا على زيادة الإنفاق على أجهزة الأمن والاستخبارات بالبلاد، كما مررت لجنة الموازنة التابعة للبرلمان الألماني عدة تشريعات تنص على ضم 3250 عنصرًا جديدًا إلى قوات الشرطة الاتحادية في السنوات المقبلة.

فرنسا.. ومخاوف انحرافات الجهاديين الفكرية

أصبحت مشكلة كيفية التعامل مع الأطفال العائدين من القتال في سوريا والعراق مشكلة تؤرق الحكومة الفرنسية، والأحزاب السياسية بها، حيث تقدر نسبة الأطفال الفرنسيين المنضمين إلى صفوف تنظيم داعش في العراق وسوريا حاليًا حوالي 450 طفلًا، وذلك وفقًا لأحدث تقييم من قبل السلطات الفرنسية.

وقد استغرقت هذه المشكلة فترات طويلة بين جدل في وسائل الإعلام وتجاذبات ومزايدات سياسية بين الأحزاب الفرنسية، حتى أعلنت الحكومة عن تبنيها لاستراتيجية توازن فيها بين الملاحقات الأمنية والقضائية لهؤلاء الصبية وبين تأهيلهم لإعادة دمجهم في المجتمع.

من جانبها دعت مارين لوبان – زعيمة حزب الجبهة الوطنية الفرنسية- لإبقاء مواطني فرنسيا الذين تورطوا في القتال إلى جانب تنظيم داعش الإرهابي في العراق، قابعين في السجون العراقية أو السورية ولم تعارض إعدامهم.

وقالت لوبان في مقابلة على قناة “فرانس2 الفرنسية”، أن كل الإرهابيين الفرنسيين الذين تم اعتقالهم في العراق أو سوريا يجب أن يبقوا في السجون هناك حتى ولو اتخذت السلطات العراقية قرار إعدامهم.

وفي وقت سابق قال الوزير الفرنسي السابق “فاليري بيكريس” في تصريح له أن: “هؤلاء الجهاديين قد حدثت لهم انحرافات فكرية، وأنه حال عودتهم لا يمكن التعامل معهم كمجرمين عاديين، لأنه حال وضعهم في السجن يمكن أن يجتذبوا إليهم أناسًا آخرين من المسجونين”، وهذا يشير إلى أن الأفق الفرنسي يضيق ويضج بهذه الأزمة التي يصعب معها إيجاد حلول تتيح وتيسر الاندماج الإيجابي لهؤلاء الأطفال في مجتمعهم.

عودة الأطفال من أحضان الإرهاب تثير الذعر في بلجيكا

كانت السلطات البلجيكية قد توجست خيفة من خطر التوقع بشأن عودة المقاتلين من سوريا والعراق، والذين أقاموا لفترة في الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم داعش.

والآن بعد أن أصبحت التوقعات حقيقة، أعلن “يان يامبون” وزير الداخلية البلجيكي، أن 14 قاصرًا وطفلًا من أبناء مقاتلي داعش الأجانب المتواجدين في سوريا والعراق، قد عادوا بالفعلا إلى البلاد، إضافة إلى ستة من البالغين.

وأوضح “يامبون” أن السلطات المختصة تخضع هؤلاء للمراقبة، وتقدم للقصّر المساعدات النفسية والاجتماعية اللازمة، مشيرًا إلى أن بعضهم يبلغ من العمر أقل من 6 سنوات، أي أنهم ولدوا في أرض المعركة، لذلك فهم لا يشكلون أي خطر حقيقي على المجتمع، لكن يتعين احتواؤهم والتعامل معهم بطرق خاصة، حيث تفيد المعلومات الأمنية أن الأطفال الذين عاشوا في ظل “داعش” خضعوا لعمليات تدريب عسكرية حقيقية وتربية إيديولوجية جهادية.

ووفقًا لمصادر ذكرتها صحف “Mediahuis” من قبل، أنه منذ عام 2012 قد ولد العديد من أطفال المقاتلين البلجيكيين في سوريا، وليس لديهم شهادات ميلاد، ولم يستطع آباؤهم تسجيلهم في الدولة البلجيكية”.

مواجهات الاتحاد الأوروبي و”مجموعة السبع”

وفي هذا الصدد ناقش وزراء داخلية مجموعة السبع، اليوم الجمعة، سبل مواجهة أحد أكبر التهديدات الأمنية التي تواجه دول الغرب، فيما وعد الاتحاد الأوروبي بالمساعدة في إغلاق طريق هجرة يعد بوابة خلفية محتملة للإرهابيين.

حيث عقدت المجموعة جلستها الأولى في فندق اليوم في جزيرة أسكيا الإيطالية لمناقشة سبل مواجهة العودة المحتملة للمقاتلين الأجانب إلى أوروبا عقب سقوط معاقل تنظيم الدولة الاسلامية.

كما حذر ماركو مينيتي، وزير الداخلية الإيطالي، الأسبوع الماضي، من أن الجهاديين الذي يخططون لشن هجمات ثأرية في أوروبا بعد هزيمة الجهاديين في سوريا، ربما يتسللون إلى أوروبا على متن مراكب المهاجرين المنطلقة من ليبيا، بينما قال رئيس الاتحاد الأوروبي دونالد توسك، أمس الخميس، أن الاتحاد سيقدم “دعمًا أقوى لجهود إيطاليا مع السلطات الليبية”، وأن هناك “فرصة حقيقية لإغلاق الطريق الرئيسي عبر المتوسط”.

وكانت إيطاليا قد لعبت دورًا رئيسيًا في تدريب قوة خفر السواحل الليبية، على وقف تهريب البشر عبر مياهها الإقليمية، بالإضافة إلى التوصل لصفقات مثيرة للجدل مع ميليشيات ليبية لوقف انطلاق مراكب المهاجرين، حيث تراجعت أعداد المهاجرين انطلاقًا من سواحل الدولة الأفريقية، بنسبة 20% هذا العام.

ورغم تخوف هذا وذعر ذاك من عودة هؤلاء، لا يبقى أمام الغرب إلا أمل بأوبة أبنائه وتنشئتهم تنشئة نفسية وفكرية قويمة تجعلهم بمنأى عن الوقوع في براثن التطرف والإرهاب.

ربما يعجبك أيضا