سلفية معان الأردنية.. أزمات مرشحة للتكرار بنكهة الجهادية الصحراوية

علاء الدين فايق
رؤية – علاء الدين فايق

عمّان – في كتاب متخصص قد يكون الأول من نوعه على مستوى الأردن، يستعرض فيه الأستاذ صالح أبو طويلة، الحركة السلفية في مدينة معان جنوبي المملكة، بشقيها المحافظة والجهادية.
ولطالما شهدت معان، أحداث عنف كثيرة تصدرتها السلفية الجهادية خلال السنوات الماضية، بدأت شرارتها عام 94 بعد توقيع معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية.
ويقدم مؤلف الكتاب على مدار سبعة فصول تزيد عن 300 صفحة، تعريفًا للظاهرة السلفية في مدينة معان، نشوؤها تطورها أنماط تحولاتها وعوامل انتشارها، إضافة لتأثيرها في بنية المجتمع المعاني الاجتماعية والدينية والاقتصادية وقدرتها على اختراق مجتمع الشباب فيها.
ويتحدث الكاتب وهو معلم مدرسة حاصل على ماجستير في علم التربية، كيف عززت السلفية حضورها ورسّخت خطابها الأيديولوجي في مجتمع معان، وأصبحت اليوم تسير عبر ثلاثة أجيال من أبنائها.
ويأتي الإفراج عن الكتاب، في ظل أحداث إرهابية شهدتها المملكة خلال الأعوام الماضية، تصدرتها مدن أردنية عدة كان آخرها مدينة السلط التي شهدت قبل أيام، مداهمة أمنية لخلية إرهابية محلية أسفرت عن استشهاد أربعة رجال أمن ومقتل ثلاثة من أفراد الخلية واعتقال آخرين.
في حديثه لـ”رؤية”، يشبه الكاتب أبو طويلة السلفية الجهادية في معان بأنها “سلفية صحراوية” بحكم اشتباكها واندماجها وارتكازها في معظم تصرفاتها على “العصبية الدينية القبلية”.
ويتطرق أبو طويلة وهو من قاطني مدينة معان ويعمل في مدارسها وتربطه علاقة راسخة بأفرادها ومن بينهم قيادات السلفية، إلى ما يزيد عن عقدين ونصف من صراع السلفيين مع التيارات الدينية الثانية والسلطات المحلية، ومدى تقبل المجتمع وتفاعله مع الخطاب السلفي عموما.
يقول الكاتب “استفادت السلفية من المناخات التي تميزت بها معان كبؤرة توتر سياسي واجتماعي دائم في المشهد الأردني منذ ثمانينيات القرن الماضي، ووجدت في ظروف الإقصاء والتهميش والفقر والبطالة وتعقيدات التركيبة الاجتماعية والأنماط الثقافية وضعف السلطة المركزية وتضارب السياسات الأمنية؛ بيئة مناسبة للتمدد والانتشار، وتبني المطالب الشعبية الروحية والاجتماعية”.
ويضيف “تميزت سلفية معان بتحولاتها وانقساماتها واشتباكها مع المزاج الوطني والإقليمي العام، فقد خرجت السلفية الجهادية في معان من رحم السلفية المحافظة في سياق تحول من حالة الركود والمحافظة إلى حالة أكثر راديكالية في إطار سياقات سياسية دولية وإقليمية ومحلية”.
وخلال مسيرة بحثه يتناول الكاتب، جوانب عديدة من عمق الظاهرة الجهادية وسيرورتها التاريخية، وصراعاتها الداخلية والخارجية وأنماط خطابها وثوابتها وأولوياتها وأهدافها الحالية والمستقبلية؛ ودورها في تجنيد الشباب وإرسالهم إلى جبهات القتال في سوريا والعراق.
ويرى أبو طويلة أن كل الحكومات الأردنية المتعاقبة عجزت عن حل إشكاليات المجتمعات النائية بما فيها مجتمع معان، وبالتالي لم تتمكن من تقديم رؤية وطنية شاملة لمعالجة تلك الإشكاليات وتقديم البدائل المناسبة.
يقول ” البيئة الاجتماعية لمدينة معان والظروف السياسية والاقتصادية التي أحاطت بها منذ عام 1989 والقلاقل المتكررة التي طالتها، وضعف السلطة المركزية والفراغ السياسي الناتج عن ذلك الضعف، والتهميش المزمن، وغياب المشاريع الوطنية، واعتماد السياسات الأمنية كحل وحيد تجاه المدينة وقضاياها العالقة، وانعدام التوازن الاجتماعي والقيمي، وتوفر جمهور مثخن بالآلام النفسية ومعزول عن الفرص والموارد والمشاركة في الحياة العامة، إلى جانب السياقات التاريخية السياسية للمدينة والتحولات التي شكلت تلك البيئة؛ أسهمت في صعود التيارات الدينية المتشددة فيها وإحداث التغييرات في قطاعات اجتماعية واسعة”.
ويرى أن “الدولة الأردنية لم تتمكن من التعامل مع ملفات مدينة معان بتعقيداتها ومن ضمنها ملف الحركات الدينية المتشددة، ما يحتم إعادة النظر بالسياسات العامة للدولة تجاه تلك الإشكاليات، وإجراء مراجعة شاملة فيها”.
ويستعرض الكتاب، البيئة المتوترة التي سادت معان وأبرز أزماتها المفتوحة (1984، 1989، 1996، 1998، 2000 انتفاضة الاقصى، احداث 2001، احداث 11 سبتمبر، 2002، 2014).
وطوال هذه الأزمات الدورية، تستعرض دراسة الكتاب، البناء السلفي وأشكال تنظيمه، والأدوار التي يؤديها فاعلو هذا التيار، وكيفية بناء وتشكل الهوية لدى السلفي، وظاهرة اقتصاد السلفيين وأساليب الاستقطاب والاستدماج لدى السلفيين الجهاديين والموجهة نحو الفئات المستهدفة والقطاعات التي يتحركون خلالها.
ولا يغفل أبو طويلة تقديم أمثلة حية ومقابلات شخصية مع عشرات من قيادات السلفية وأفراد يستعرض خلالهم، فصول الاشتباك مع المجتمع والدولة وأشكال صراعها من أجل إيصال رسالتها وتحقيق أهدافها و إثبات حضورها، وهذا الصراع بالطبع، اشتمل على حقول متعددة منها؛ بلغت حدتها ذروة الصدام المسلح عام 2002.
وليس الصراع المسلح وحده الذي تشهده المدينة النائية، إذ تتواصل أشكال الصراع على الفضاءات العمومية والمساجد من أجل نزع الشرعية، وتأسيس شرعية جديدة ذات نفوذ وتأثير.
ولا يغفل كتاب سلفية معان، عن فترة الربيع العربي ومظاهر تفاعل السلفيين مع أحداثها وكيف استفادت وتمكنت من توسيع نطاق حراكها السياسي والعسكري خارج نطاق الأردن.
خلال السنوات الماضية، كان للتيار السلفي الجهادي الأردني دورًا بارزًا في دعم جبهة النصرة في سوريا، وقاتل مئات منهم لتحقيق مشروعها الكبير بإقامة دولة إسلامية في بلاد الشام، وكان لظهور تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” تأثير على أفكار ومواقف سلفية معان.
ويتناول الباحث الخصائص الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للشبان المقاتلين في سوريا والعراق ودول أخرى من خلال منهج وصفي فيه أبرز سمات وخصائص الفئات التي استهدفها التيار وجندها للقتال في سوريا ودول أخرى.
اختار الباحث عينة قصدية بلغت (33) حالة ممن قتلوا في سوريا والعراق، و(21) حالة ممن لا يزالون يقاتلون في سوريا، أو ممن قاتلوا في سوريا ودول أخرى ثم عادوا إلى الأردن، وبذلك يكون المجموع الكلي للعينة المختارة (54) حالة.
وقد جمع المعطيات والبيانات للعينة من خلال مقابلات مع ذوي القتلى والمقاتلين ومن أعضاء التيار الجهادي، إلى جانب المعرفة الشخصية للباحث بأفراد من تلك العينة.
وبلغ المستوى التعليمي لفئات المقاتلين، دون الثانوية العامة (68,5%)، الثانوية العامة (3,7%)، دبلوم (3,7%)، البكالوريوس (11.1%) ، المنقطعون من الدراسة الجامعية (12.9%).
وأظهرت البيانات أن نسبة المتعطلين من العمل (46,2%) ، ونسبة العاملين في أعمال حرة هامشية دائمة أو موسمية (18,5%)، قطاع خاص (9,2%)، وظائف مدنية وعسكرية متدنية (فئة ثالثة وما شابه) (25.9%).
أما بالنسبة لثقافة المقاتلين الدينية بمستوياتها (مبتدئة، متوسطة، متقدمة) فقد جاءت مبتدئة لأكثر من (66,6%)، متوسطة (24,07%)، متقدمة (9,2%) من العينة المدروسة.

وفي الفصل السابع من الكتاب يتناول الباحث صالح أبو طويلة، مستقبل الظاهرة الجهادية في معان؛ وسيناريوهات مآلاتها ومساراتها في ظل تراجع نفوذ التيار العالمي وتآكله، واستمرار عوامل الفقر والتهميش في مجتمعها النامي.
 

ربما يعجبك أيضا