أردوغان في أوزبكستان .. تركيا بوابة آسيا الوسطى نحو أوروبا

يوسف بنده

رؤية

استقبل الرئيس الأوزبكي شوكت ميرضيائيف، اليوم الإثنين، نظيره التركي رجب طيب أردوغان، في العاصمة الأوزبكية طشقند، بمراسم استقبال رسمية.

وقد جرت مراسم الاستقبال في قصر “كوكسراي”، حيث حيى أردوغان جوقة الشرف، بعد عزف النشيد الوطني لكلا البلدين. وقد وصل أردوغان مساء أمس الأحد، في زيارة رسمية، تستغرق حتى الثلاثاء المقبل.

وتعتبر زيارة الرئيس التركي استمرارا لحوارات القمة التي جرت في 25 – 26 أكتوبر 2017 خلال زيارة الرئيس الأوزبكي لتركيا حيث يناقشان مسائل ترسيخ التعاون متعدد الأبعاد وتطوير العلاقات الثنائية وتحديد آفاقها.

وفد كبير

ويرافق أردوغان في زيارته إلى أوزبكستان، عقيلته أمينة أردوغان، ورئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان، ونائب رئيس الوزراء هاكان جاويش أوغلو، ووزراء: الخارجية مولود جاويش أوغلو، والاقتصاد نهاد زيبكجي، والجمارك والتجارة بولنت توفنكجي، والعلوم والصناعة والتكنولوجيا فاروق أوزلو، والعمل والضمان الاجتماعي جوليدة صاري أر أوغلو، والعدل عبد الحميد غُل، والثقافة والسياحة نعمان قورتولموش، ومتحدث الرئاسة إبراهيم قالن.

كما يرافق أردوغان في زيارته الرسمية إلى أوزبكستان، عدد من رجال الاعمال الأتراك بهدف فتح آفاق استثمارية جديدة بين البلدين. حيث يصل عددهم إلى نحو 150 رجل أعمال تركي، حيث سيشاركون في منتدى للأعمال، سيتم بموجبه توقيع اتفاقيات في مجالات كثيرة أبرزها الكيمياء، والإنشاءات، والنسيج، والأدوية، والسياحة، والمواصلات، والأغذية، والزراعة.

وسيلقي أردوغان كلمة في الجلسة المشتركة لغرفتي المجلس الأعلى بجمهورية أوزبكستان.

وسيشارك الرئيسان في منتدى الأعمال المشترك لرؤساء البنوك والشركات الرائدة في أوزبكستان وتركيا.

ويشمل برنامج الزيارة قيام أعضاء الوفد التركي بجولة في مدينة بخارى.

وفي ختام مفاوضات القمة الأوزبكية التركية سيوقع رئيسا أوزبكستان وتركيا على البيان المشترك الذي سيعكس حالة العلاقات الثنائية ومستقبل تطويرها.

كما سيوقع الجانبان خلال الزيارة على حزمة الوثائق الحكومية والوزارية وعدد كبير من الاتفاقيات الاستثمارية، تصل إلى 20 اتفاقية تعاون ثنائية.

وأشارت وسائل إعلام تركية، إلى أن الاتفاقيات تتض  من مجالات عديدة مثل الطاقة، والمعادن، ومكافحة الإرهاب، وقوانين خاصة بحماية حقوق العمال الأوزبكيين في تركيا.

وسيتم تأسيس لجنة رفيعة المستوى للتعاون الاستراتيجي بين البلدين، حيث سيلتقي أعضائها عدة مرات سنويا، للتباحث بشأن سبل نقل العلاقات إلى مستويات أكثر تقدما.

وقد سجل حجم التبادل التجاري بين أوزبكستان وتركيا 1.2 مليار دولار عام 2016، و1.5 مليار دولار عام 2017. ويهدف البلدان إلى تحقيق 5 مليار دولار من التبادل التجاري خلال الأعوام الخمسة المقبلة.

حزام طوراني

تشكل العلاقات التركية مع بلدان آسيا الوسطى أهمية استراتيجية بالنسبة لتركيا وخاصة فيما يتعلق بقضايا الاستثمارات في قطاعات الطاقة والكهرباء والنقل التجاري عبر السكك الحديدية.

وقد سارت العلاقات التركية مع جمهوريات آسيا الوسطى بسلاسة، ففي عام 2009، دعت كازاخستان إلى تأسيس اتحاد للدول الناطقة بالتركية، يشمل أذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان وتركيا، وتتطلع آستانة لدور القيادة فيه، رفضت أوزبكستان وتركمانستان هذه الدعوة، ولم تعترض أنقرة على هذا، مدركة أن جمهوريات آسيا الوسطى، بعد خروجها من عباءة موسكو لم تعد تريد أن يلعب أحد دور الأخ الأكبر عليها.

والآن، تسعى أوزبكستان إلى الاستفادة من تركيا للعبور إلى أوروبا. وقد عاد عدد الشركات التركية التي اضطرت للإغلاق سابقا في أوزبكستان، لمزاولة نشاطها الاقتصادي بعد تطور العلاقات بين البلدين.

ويبلغ حجم الاقتصاد الأوزبكي 67 مليار دولار، وتنشط في أوزبكستان أكثر من 5 آلاف شركة أجنبية، في مقدمتها شركات روسية وتركية وكورية جنوبية.

وقد شهد عدد السياح الأتراك إلى أوزبكستان زيادة كبيرة عقب صدور قرار إعفاء المواطنين الأتراك من شرط التأشيرة. كما تنشط الاستثمارات السياحية التركية في أوزبكستان. ويبلغ عدد سكانها 32 مليونًا، وتتمتع بالأيدي العاملة الرخيصة.

وتسعى أوزبكستان إلى الانضمام لمجلس تعاون الدول الناطقة باللغة التركية، في اطار حزام القومية الطورانية، الذي ترعاه تركيا.

وتنشط وكالة التعاون والتنسيق التركية “تيكا” في أوزبكستان، في مجالات عديدة مثل الصحة، والتعليم، والزراعة.

دفء بعد قطيعة

وكان الزعيمان قد التقيا خمس مرات منذ وفاة الرئيس الأوزبكي إسلام كريموف، الذي تولى الحكم في بلاده لفترة طويلة، في شهر أغسطس 2016. وفي أكتوبر 2017، أصبح ميرضيائيف أول رئيس أوزبكي يقوم بزيارة رسمية إلى تركيا منذ 18 عاما.

وكانت العلاقات بين تركيا وأوزبكستان قد توطدت فور انهيار الاتحاد السوفيتي، فأنقرة كانت أول عاصمة تعترف باستقلال أوزبكستان، فيما كان كريموف أول رئيس من آسيا الوسطى يزور العاصمة التركية في ديسمبر 1991، وتعهد وقتها بمحاكاة “النموذج التركي” في انتهاج سياسات تقدمية علمانية، واقترح كذلك إقامة سوق مشتركة للدول الناطقة بالتركية.

لكن العلاقات تدهورت بعد أن رفضت الحكومة التركية تسليم زعيم المعارضة الأوزبكية محمد صوليح في 1993 بسبب مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان. وردا على ذلك، دعا كريموف 1400 طالب أوزبكي يدرسون في تركيا إلى العودة إلى بلادهم.

وبعد أن رفضت تركيا تسليم اثنين من المشتبه بهم في هجوم إرهابي وقع في طشقند عام 1999، ألغت أوزبكستان اتفاقية الإعفاء من التأشيرات بين الدولتين، وأغلقت مدارس فتح الله كولن الموجودة على أراضيها.

وتوترت العلاقات أكثر بعد أن أيدت تركيا إدانة الأمم المتحدة لمذبحة أنديجان التي قتلت خلالها قوات الحكومة الأوزبكية أكثر من ألف متظاهر في مايو 2005. ورفضت أوزبكستان الانضمام إلى منظمة “المجلس التركي” الذي تقوده تركيا في عام 2009.

وعلى الرغم من أن تركيا باتت ثالث أكبر وجهة لصادرات أوزبكستان، والتي يتألف معظمها من القطن، واجه المستثمرون الأتراك صعوبة بالغة في التعامل مع السلطات الأوزبكية نتيجة هذه التوترات. ففي عام 2011، داهمت الشرطة الأوزبكية مكاتب شركة “تركواز” للأسواق التجارية، بسبب اتهامات تتعلق بالتهرب من الضرائب.

بعدها، صادرت الحكومة ممتلكات الشركة وقررت ترحيل العشرات من رجال الأعمال الأتراك. وبعد مرور عام من هذه الإجراءات، بث التلفزيون الحكومي الأوزبكي فيلما وثائقيا يزعم أن رجال الأعمال الأتراك كانوا يديرون مصانع غير قانونية ومستغلة للعمال.

وتحت حكم كريموف، تحولت أوزبكستان تدريجيا إلى واحدة من أكثر الدول المنغلقة والسلطوية في العالم. ولم تتحرر أوزبكستان من هذا المسار الانعزالي إلا بعد وفاته، لتبدأ في السنوات اللاحقة تحت قيادة ميرضيائيف في إعادة بناء علاقاتها مع جيرانها وشركائها الخارجيين مثل روسيا والصين.

وضمن عدة خطوات هامة لتصحيح الأوضاع داخليا، أطاح ميرضيائيف بقائد الأمن ذي النفوذ القوي رستم إينوياتوف، كما أدخل إصلاحات جذرية على العملة وبذل جهودا كبيرة في اتجاه تعزيز التواصل مع الدول المجاورة في آسيا الوسطى.

ونتيجة لهذا الانفتاح الجديد تجاه التعاون مع جيرانها الإقليميين، تحسنت العلاقات بين طشقند وأنقرة. وقوبل هذا التوجه برغبة معلنة من جانب أردوغان لإعادة بناء العلاقات بين الطرفين بعد وفاة كريموف. وتبلورت هذه الرغبة في زيارة لأردوغان إلى أوزبكستان في نوفمبر 2016.

وفي أكتوبر 2017، أعاد ميرضيائيف تطبيق سياسة الإعفاء من التأشيرات بين الدولتين، كما أبرمت تركيا وأوزبكستان صفقات تجارية واستثمارية بقيمة 5.5 مليار دولار في مجالات الزراعة والنقل والطاقة والبناء، ليزداد حجم التجارة الثنائية بنسبة 32 في المئة في عام 2017، وهي ثاني أكبر زيادة في التجارة الثنائية لأوزبكستان في ذلك العام.

واليوم، تساهم الاستثمارات التركية في أنشطة أكثر من 700 شركة في أوزبكستان التي شهدت العام الماضي فقط تسجيل 20 شركة تركية جديدة.

وبعد أن كانت الشركات التركية تركز في استثماراتها الخارجية بشكل كبير على عقود البناء في الدول المجاورة مثل تركمانستان، تحولت وجهتها في الفترة الأخيرة إلى أوزبكستان، ليرتفع عدد المشاريع التي نفذتها شركات المقاولات التركية إلى 110 منذ عام 1991 بقيمة إجمالية تبلغ مليار دولار.

وتتطلع الشركات التركية في الفترة المقبلة إلى تعظيم العائد من استثماراتها في أوزبكستان، في ظل إقرارها خطة طموحة لإعادة التطوير العمراني للمناطق الحضرية. وفازت بالفعل شركة ” تابانليوغلو” التركية بعقد بقيمة مليار دولار لبناء مجمع أعمال ضخم في طشقند.

وقد تمّ إبرام العديد من الصفقات الاقتصادية على هامش زيارة أردوغان الحالية، إذ وكان ميرضيائيف قد أشار أكثر من مرة إلى أنه يستهدف زيادة حجم التجارة الثنائية من 1.5 مليار دولار تقريبا إلى أكثر من 5 مليارات دولار في السنوات القليلة المقبلة.

وتأتي هذه الرغبة في ظل توجه ميرضيائيف إلى فتح المجال بحذر أمام الاستثمارات الخارجية، على أمل السير على خطى دول مثل الصين وكازاخستان؛ اللتين تمكنتا من تحقيق انتعاش اقتصادي دون الحاجة إلى إصلاحات سياسية شاملة. ويلعب الشركاء الخارجيون، مثل تركيا، دورا رئيسا في تحقيق رؤيته للمستقبل وترسيخ شرعيته كرئيس.

ربما يعجبك أيضا