إسرائيل 2018 .. سياسة الهروب إلى الأمام ومحاولات لكسر العزلة (2)

محمد عبد الدايم
رؤية – محمد عبد الدايم
 حراك دبلوماسي
استهل بنيامين نتنياهو عام 2018 بزيارة رسمية كبيرة إلى الهند استغرقت ستة أيام، وهي الزيارة الرسمية الأولى لرئيس وزراء إسرائيلي للهند منذ 15 عاما، وجاءت بمناسبة إحياء الذكرى ال-25 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وفقًا لما أعلنه مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي؛ ووقع نتنياهو مع نظيره ناريندرامودي تسع اتفاقيات تجارية شملت مجالات البترول والغاز حيث اتفق الطرفان على تعزيز التعاون في البحث عن الغاز والنفط وأنشطة الإنتاج والتطوير، والعمل المشترك في الشركات الناشئة التي تعمل في مجال البترول والغاز والطاقة المتجددة، إضافة إلى إقامة علاقات أكاديمية بين الجامعات والمؤسسات العلمية في البلدين.
وكذلك اتفاقية  لتطوير خدمات الطيران وفقا للاتفاقية التي وقعتها الهند مع إسرائيل عام 1994، مع الأخذ في الاعتبار تغير التكاليف والإجراءات الأمنية، والبحث والتطوير الصناعي والسايبر (فضاء الشبكات المحوسبة وأنظمة الاتصالات والمعلومات والتحكم عن بعد) من أجل تطوير برامج للتأهيل والتطوير والتعاون الصناعي والتقني في مجالات الفضاء الإلكتروني، إضافة إلى التعاون في مجال السينما عبر تعزيز التعاون بين صناعة السينما في البلدين من خلال إنشاء صناديق دعم حكومية هندية- إسرائيلية تخصص منح حكومية للأفلام المشتركة بين البلدين، وفي الأخير تم الاتفاق على إعلان نوايا لدفع الاستثمارات المباشرة بين البلدين.

ومن نتائج رحلته للهند أن طائرة تابعة لشركة طيران إير انديا وصلت في فبراير 2018 إلى إسرائيل مرورا بالمجال الجوي السعودي لأول مرة.

محاولات استقطاب اقتصادي وعسكري لدول شرق آسيا
جاءت زيارة نتنياهو للهند لتعكس توجهًا إسرائيليًا واضحًا باستقطاب التعاون مع الدول ذات الاقتصاديات الناشئة، ففي 2017 قام نتنياهو بزيارات رسمية لعدة دول في أمريكا الجنوبية، شملت الأرجنتين وكولمبيا والمكسيك ولقاء مع رئيس باراغواي، وكانت هذه الزيارات بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والأمني بين إسرائيل وبين دول أمريكا الجنوبية.
أصبحت الهند أكبر مستورد للسلاح الإسرائيلي، ولكنها ليست المستورد الأسيوي الوحيد، فقد أصبحت أذربيجان سوقا حيوية لبيع السلاح الإسرائيلي، وجاء إلى إسرائيل وفد رفيع المستوى من أذربيجان بالتزامن مع فعاليات افتتاح السفارة الأمريكية الجديدة في القدس المحتلة، ومكث الوفد الأذري ثلاثة أيام من أجل المشاركة في اجتماعات اللجنة الاقتصادية لتعزيز العلاقات بين إسرائيل وأذربيجان.
في زيارة هي الأولى له منذ بدء العلاقات الديبلوماسية عام 1957؛ وصل في سبتمبر الماضي الرئيس الفلبيني رودريجودوتيرتيإلى إسرائيل، وكان الهدف الرئيس من زيارة زيارته هو التفاوض على تنفيذ صفقات سلاح جديدة.
أفادت تقارير بأن إسرائيل تصدر 58% من صادرات الأسلحة إلى دول شرق آسيا، على رأسها الهند، وأذربيجان، والفلبين، وتركمانستان، وميانمار.
إلى جانب دول شرق آسيا، ودول أمريكا الجنوبية؛ تحركت إسرائيل صوب أفريقيا في سبيل توسيع علاقاتها التجارية، وزيادة صادراتها من السلاح، ومؤخرا هذا العام زار الرئيس التشادي إدريس ديبي إسرائيل، في أول زيارة علنية لمسؤول تشادي كبير إلى إسرائيل، وذلك إيذانا بتجديد العلاقات الديبلوماسية المقطوعة بين البلدين.
جاء ديبي إلى إسرائيل طلباللاستفادة بخبراتها في مجال الأمن، وسعيا لشراء أسلحة إسرائيلية، وجاءت زيارته إلى إسرائيل لتحمل دلالات ذات أهمية، فتشاد دولة أفريقية ذات أغلبية مسلمة، ووجودها في وسط القارة الأفريقية يجعلها بمثابة حلقة الوصل بين الدول الإسلامية في شمال أفريقيا ودول جنوب وغرب أفريقيا.

زيارة للهند، واستقبال رؤساء دول من شرق آسيا، ومن أفريقيا، وزيارة مفاجئة إلى سلطنة عمان، وتقارير عن زيارات اخرى كل هذا بما يحقق أهداف مرحلة “السلام الاقتصادي” التي نشط فيها نتنياهو وحكومته، من أجل توسيع علاقات التعاون الاقتصادي والتجاري مع دول كثيرة، وفي مقدمة التعاون اتفاقيات لتصدير معدات عسكرية وتقنيات اتصال، وتعاون في المجالات الأمنية وتجارة السلاح، فإسرائيل التي تتحول يوما بعد يوم إلى قوة عسكرية مصدرة للسلاح تسعى لتوسيع دائرة مبيعاتها من المعدات العسكرية، خصوصا تقنيات السايبر والاتصالات، وتصدير خبراتها في المجالات الأمنية وتدريب قوات الشرطة، مما يضعها بين الدول الكبرى المصدرة للسلاح والخبرات العسكرية، وهذا يمنحها أريحية اقتصادية كبيرة ابتداء من العام 2018.

قانون “القومية” العنصري

في يوليو من هذا العام وافق الكنيست الإسرائيلي على ما يسمى بقانون “القومية”، الذي يحدد إسرائيل بكونها دولة يهودية، مما أثار احتجاجًا عارمًا في صفوف فلسطيني الداخل، والدروز على وجه الخصوص، لأن القانون بصورته النهائية يقر عدم الاعتراف بوجودهم كمواطنين في الدولة، فالقانون تجاهل وجود غير اليهود على الأرض، مع الإصرار على تسمية الدولة باليهودية فقط وليس الديمقراطية، ويتعارض حتى مع ما يسمى “وثيقة الاستقلال”.
 

وصف نتنياهو لحظة التصديق على القانون في الكنيست بأنها “لحظة مؤسِسَة في تاريخ الصهيونية .

  القانون ببساطة يستهدف الإطاحة بكل من هو غير يهودي خارج الأرض، فلا اعتبار لفلسطيني الداخل، ولا اعتراف باللغة العربية التي كانت في النسخة الأولى للقانون بمثابة اللغة الثانية للدولة، لكنها أصبحت في النسخة الجديدة لغة “ذات مكانة خاصة”، ناهيك عن البند الذي يتحدث عن حماية الدولة على سلامة أبناء “الشعب اليهودي”، فلا شعب سوى اليهود وفقًا للقانون، مما يعني ببساطة نفي أي وجود إنساني غير يهودي على هذه الأرض، وتظهر بوضوح البنود التي ترسخ لشرعنة الاستيطان

عنصرية صهيونية

في عام 2017 ظهر الفيلم الوثائقي “صالح: هنا، هذه أرض إسرائيل” وتم عرضه ضمن فعاليات مهرجان القدس السنيمائي، وهو فيلم يسلط الضوء على معاناة اليهود من أصول شمال إفريقيا بعد هجرتهم إلى إسرائيل.

 
تضخم الجدل حول الوثائقي “صالح: هنا، هذه أرض إسرائيل” مجددا عام 2018 مع تحويله إلى مسلسل وثائقي أذاعته القناة 13 الإسرائيلية على أربع حلقات.
 

الفيلم الذي تحول إلى مسلسل من إنتاج وإخراج “دافيد درعي” الذي ينحدر من أصول مغربية، ويعتمد في إنتاجه على مجموعة من البروتوكولات والوثائق التي كانت تُصنف تحت بند السرية، كما وردت به لقاءات مع شخصيات تتحدث عن ملابسات هجرة يهود من شمال أفريقيا إلى إسرائيل، وسياسة استيعابهم في الدولة الجديدة، وأبرز الفيلم ومن بعده المسلسل صور التمييز العنصري ضد هؤلاء اليهود المنحدرين من دول شمال إفريقيا.
أكد درعي من خلال الوثائقي على إبراز صور التعامل العنصري مع اليهود الشرقيين، الذين دُفعوا إلى “المعباروت” ومنها إلى ما يسمى “مدن التطوير” الناشئة والأقل فقرا، وكيف تم إجبارهم على العيش في ظروف اجتماعية واقتصادية متدنية جدا عبر أساليب الضغط والتجويع والتهديد باستلاب أبنائهم.
البروتوكولات الذي كشف وثائقي درعي عنها عبارة عن وثائق لاجتماعات مؤسسات صهيونية، على رأسها الوكالة اليهودية، وتضمنت تصريحات عنصرية ومقولات تعج بالتحقير من اليهود الشرقيين، وهي الأسرار التي قيل بعد الكشف عنها أنها “أخطاء غير مقصودة”، لكن الوثائقي أثبت أنها كانت عملية ممنهجة لاستغلال المهاجرين من أصول شرقية، والتعامل معهم بعنصرية تصل إلى حد التحقير منهم، كأنهم قطيع من الحيوانات التي سيقت من أجل العمل الشاق في الوطن الجديد.

إلى جانب الكشف عن معاناة اليهود الشرقيين، ظهرت في 2018 معاناة اللاجئين الأفارقة إلى إسرائيل، بعد رفض توطينهم، واعتبارهم “متسللين” ودعوة اليمين الإسرائيلي لإعادتهم إلى بلدانهم الأفريقية.

زيارة الأمير وليام

في 25 يونيو قام الأمير وليام يقوم بأول زيارة لأحد أفراد العائلة المالكة في المملكة المتحدة لإسرائيل، وقد زار متحف يادفاشيم لضحايا المحرقة النازية، والتقى الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريبلين ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، كما التقى نيطعبارزيلاي الفائزة بنسخة يورفيجن 2018 للأغنية الأوربية، كما زار كنيسة كنيسة مريم المجدلية في جبل الزيتون حيث قبر جدته الكبرى أليس أميرة باتنبرج (1885- 1969)  المعروفة بمساندتها لليهود بعد أحداث النازية.

 التحقيقات لا تزال جارية

استمرارا للتحقيقات الأمنية في قضايا الاشتباه في فساد نتنياهو وزوجته سارة؛ أوصت الشرطة في الثاني من ديسمبر باتهام رئيس الوزراء بالرشوة والاحتيال، وهذه المرة الثالثة التي توصي فيها الشرطة بتوجيه الاتهامات له في شبهات تربح وفساد واحتيال، ولكن حتى الآن، وعلى مدى عامين، يرفض نتنياهو الرضوخ، ويهاجم التحقيقات معتبرًا إياها محاولات لإسقاطه.
 

ربما يعجبك أيضا