بعد 10 أعوام.. هل يتحمل العالم أزمة مالية جديدة؟

حسام عيد – محلل اقتصادي

10 أعوام مرت على الأزمة المالية العالمية، حيث انطلقت شرارتها فعليًا في أغسطس 2007، بفعل أزمة الرهون العقارية التي أثارتها البنوك.

وضربت الأزمة أساسات الأنظمة المالية في العالم وأصابته بانهيار غير مسبق منذ ثلاثينات القرن الماضي.

اليوم، تمكنت بعض قطاعات الأنظمة المالية من التعافي واستعادت مستويات ما قبل الأزمة كأسواق الأسهم، بينما لا تزال الأزمة تلقي بظلالها حتى الآن في بعض المؤشرات الأخرى مثل معدلات الفائدة المنخفضة وبرامج التيسير الكمي.

الرهون العقارية شرارة الأزمة

جمد البنك الفرنسي “بي إن بي باريبا” سحب 2.2 مليار دولار من أموال ثلاثة صناديق استثمار بسبب أزمة الرهن العقاري في أغسطس 2007.

خطوة البنك الفرنسي هذه أثارت الذعر بين البنوك الأخرى في أوروبا والولايات المتحدة.

وخلال عام تبخرت السيولة في قطاعات معينة في الولايات المتحدة الأمريكية ما جعل من المستحيل تقييم بعض الأصول بغض النظر عن جودتها أو تصنيفها الائتماني.

ويعزى السبب في انخفاض مستوى السيولة هو الخسائر التي حققتها هذه الصناديق في سوق السندات المضمونة بالعقارات في الولايات المتحدة ذلك كنتيجة لأزمة القروض العقارية الثانوية، والمقصود بها القروض التي كانت تقدمها المؤسسات المالية لمن يعانون وضعًا ائتمانيًّا سيئًا أو لأصحاب الدخل المنخفض مقابل سعر فائدة أعلى.

وبعد ذلك بدت علامات الأزمة أكثر وضوحا حين بدأ أداء البورصات يتدهور تجاه مخاطر اتساع الأزمة، وتكبدت الأسواق المالية خسائر بلغت 10 تريليون دولار في أكتوبر 2008.

وتوالت الأحداث خلال عام إلى أن كانت الصدمة الكبرى في 15 من شهر سبتمبر 2008 حين أعلن بنك “ليمان براذرز” إفلاسه بعد فشله في العثور على مشترٍ.

وساءت الأزمة بشكل كبير للغاية لتطول شركات التأمين بداية من “إيه أي جي” وكانت الخاسر الأكبر، ثم انتقلت إلى باقي القطاعات، وأعلنت شركات كبرى إفلاسها مثل جنرال موتورز.

إعادة هيكلة القطاع المصرفي

تعاون جماعي بين البنوك المركزية الرئيسية في العالم؛ ظهرت محاولات جادة في تلك الفترة لتأسيس اتحاد لاقتصادات العالم، بهدف التعاون بين البنوك المركزية الرئيسية، وبالفعل خفض البنك الفيدرالي الأمريكي، بنك طوكيو المركزي، البنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا، مستويات أسعار الفائدة إلى قرابة الصفر.

كما اتفقت البنوك المركزية الرئيسية على ضخ السيولة في الأسواق.

تشديد القيود الحكومية على القطاع المصرفي والمالي في العالم؛ شددت الحكومات في كثير من دول العالم بالتعاون مع البنوك المركزية القيود على تداول الأصول والأوراق المالية مثل “المشتقات المالية”، وتدشين أمريكا لقانون Dood-Frank لإصلاح القطاع المصرفي.

واستحدث الاقتصاد الأوروبي آلية جديدة للإشراف على معاملات البنوك ومراقبة أدائها وأسندها إلى البنك المركزي الأوروبي، ثم انتقلت هذه الآلية إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأصبح مجلس الاحتياطي الفيدرالي يراقب عمل البنوك.

تطور نمو الاقتصادات الرئيسية

الاقتصاد الأمريكي: بدأت الولايات المتحدة الدخول في مرحلة الركود عام 2007، ليسجل الناتج المحلي الإجمالي أسوأ أداء منذ الكساد العظيم في عشرينيات القرن الماضي.

واستطاع الاقتصاد الأمريكي في 2011 أن يعود إلى مستويات الناتج المحلي قبل عام 2007، ومنذ ذلك الوقت بلغت معدلات النمو 14.6%.
الاقتصاد البريطاني؛ طال أمد تعافيه إلى عام 2013، وبلغت معدلات النمو 11.1% منذ عام 2007.

لكن في عام 2016 فاجأت بريطانيا العالم بخروجها من الاتحاد الأوروبي.

الاقتصاد الياباني: شهد مسيرة طويلة نحو التعافي من تداعيات الأزمة المالية العالمية، لتبلغ معدلات النمو 4.7% منذ عام 2007.

وما زالت هناك اقتصادات لم تتعافى من تداعيات الأزمة المالية، كالاقتصاد الإيطالي واليوناني، حيث لم تتحسن معدلات نموها منذ عام 2007.

تميز الاقتصاد الصيني

رغم الأزمة المالية العالمية، كان الاقتصاد الصيني الأكثر تميزا ونموا في العالم، وتجاوزت معدلات النمو 119.9% منذ عام 2007.

وهناك توقعات تشير إلى استمرار تفوق الاقتصاد الصيني وتسارع معدلات النمو ليتخطى الاقتصاد الأمريكي.

تباين أداء أسواق الأسهم

سجلت أسواق الأسهم العالمية تباينا في أدائها منذ عام 2007، ففي أمريكا ارتفعت المؤشرات المالية بنسبة 69%.

فيما يتعلق بسوق طوكيو، ساهم برنامج البنك المركزي الياباني للاستثمار في الأسهم في تحسين أداء المؤشرات المالية بنسبة 19%.

بينما تضررت مجموعة بيكس الاقتصادية التي كانت تلعب دورا هاما ما قبل الأزمة المالية في نهوض الاقتصاد العالمي، لتتراجع مؤشراتها المالية بنسبة 10%.

وأيضا كانت إيطاليا من الخاسرين على صعيد أداء الأسواق المالية، حيث تراجعت مؤشراتها المالية بنسبة 45% منذ عام 2007.

والخاسر الأكبر كان اليونان، حيث سجلت مؤشراتها المالية هبوطا حادا بنسبة 80% منذ عام 2007.

تفاقم معدلات الدين العالمي

ارتفعت مستويات الدين العالمي إلى 217 تريليون دولار أو 327% من الناتج المحلي الإجمالي على مدار العشر سنوات الماضية، بحسب ما ذكر معهد التمويل الدولي.

توزعت هذه الديون بشكل مختلف منذ عام 2007، وبعض الديون مملوك من قبل الحكومات والبعض الآخر مملوك لبنوك مركزية، ولكن تلك البنوك لديها ما يكفي من رؤوس الأموال التي تجعلها مؤمنة ضد الأزمات كما أن الفائدة على الديون أقل على الشركات والمستهلكين.

تراجع معدلات البطالة

عادت مستويات البطالة إلى عام 2007، حيث تراجعت إلى 4.3% في الاقتصاد الأمريكي.

وفي ألمانيا، تعتبر مستويات البطالة في وضع أفضل مما كانت عليه في 2007، وسجلت 4.6%.

فيما تراجعت مستويات البطالة في بريطانيا إلى أدنى مستوياتها منذ عام 1975، لتبلغ 0.9%.

لكن في إسبانيا واليونان، لا تزال الأوضاع الاقتصادية متردية، فمستويات الدين مرتفعة، وتعتبر اليونان من أعلى الدول دينا بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي.

ولا تزال مستويات البطالة مرتفعة للغاية في هاتين الدولتين، حيث سجلت 10.2% في أسبانيا، و14.6% في اليونان.

احتمالات تجدد الأزمة المالية

– هناك توقعات بحدوث أزمة مالية جديدة نتيجة الارتفاع الحاد في معدلات التعثر في سداد الديون أو ارتفاع قوي في معدلات الفائدة.

– الأزمة الحالية بين أمريكا وكوريا الشمالية تنذر بالدخول في مرحلة ركود اقتصادي عالمي.

– تزايد فرص نشوب نزاع تجاري بين واشنطن وبكين يتقود العالم إلى أزمة مالية جديدة.

– ربما يكون موطن أزمة مالية مستقبلية في سوق سندات الشركات التي تعاني ضعف السيولة مقارنة بما كانت عليه في الماضي الأمر الذي ينتج عنه مبيعات مكثفة على السندات، وهناك احتمالات أخرى من وقوع أزمة نتيجة تفاقم ديون الطلبة أو السيارات في أمريكا.

– فيما رأى خبراء أن الأكثر احتمالية في وقوع الأزمة وجود خلل في السياسة النقدية للفيدرالي الأمريكي، فعندما بدأ برنامجه للتيسير الكمي، تخوفت الأسواق من مخاطر التضخم.

ربما يعجبك أيضا