نيويورك تايمز| يُصنعون لا يُولدون.. ما هي أهمية برامج التدريب الدبلوماسي؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – بسام عباس

ربما تسير الدبلوماسية والسياسة جنبًا إلى جنب، لكن شراكتهما ليست متساوية. ومن المنطقي – خاصة في الديمقراطية – أن تخدم الهيئة الدبلوماسية لأي بلد قادتها السياسيين، غير أنه في بعض الأحيان، يسمح القادة الأذكياء للدبلوماسية بالتأثير على السياسة.

ولكي يكون هذا التأثير جديرًا بالاهتمام بالفعل، ينبغي على حكومات العالم حل مشكلة حادة: فالدبلوماسية العالمية اليوم ليست فعّالة للغاية، ويعزى ذلك جزئيًّا إلى إساءة فهمها وتجفيف الموارد. إن أفضل دبلوماسية تنفذ السياسة الخارجية بشكل احترافي، لكن معظم الدول تسمح للهواة بممارستها.

إنني أتحدث عن المعينين الذين يحصلون على وظائف دبلوماسية بفضل العلاقات السياسية فقط. ولحل بعض النزاعات والصراعات والمشاكل الأخرى حول العالم، ينبغي على الحكومات البدء في بناء الدوائر الدبلوماسية المهنية أو تعزيزها، وتزويدها بالتدريب المناسب والتطوير الوظيفي، ومنحها جميع الأدوات والموارد والسلطة اللازمة لإنجاز المهمة المطلوبة.

واليوم، تقترب قلة من الدول من هذا المعيار. فلا يولد أي شخص مكتسبًا القدرة على ممارسة الدبلوماسية الدولية لإدارة علاقات أي بلد مع الدول الأخرى، وفهم وإشراك المجتمعات الأجنبية، والتأثير على الحكومات والجمهور، وإجراء مفاوضات صعبة، وتوقع التهديدات والاستفادة من الفرص. وهذه هي المهارات التي ينبغي اكتسابها.

ولطالما كانت المعتقدات بين الدبلوماسيين المحترفين تؤكد أن التدريب أثناء العمل – وليست الدراسة في المدارس والجامعات – هو الطريقة الوحيدة لتعلم كيفية ممارسة الدبلوماسية. ونتيجة لذلك، لا يحصل الممثلون الرسميون للعديد من الدول على أي شيء يشبه التدريب المناسب قبل إرسالهم إلى الخارج؛ حيث يتم تركهم لمعرفة الأمور أثناء تقدمهم، وهو ما يستغرق شهورًا أو حتى سنوات ليدركوا تمامًا ما يستتبعه عملهم بالضبط.

لقد قامت بعض الحكومات بالاستعانة بمصادر خارجية للقيام بجزء كبير من عمل الدبلوماسيين لصالح جماعات الضغط والمستشارين. وتستخدم العديد من السفارات في واشنطن الخدمات باهظة الثمن التي تقدمها شركات العلاقات العامة للقيام بأعمالها ودعايتها. وفي الوقت نفسه، يصل بعض موظفيها الدبلوماسيين إلى واشنطن وهم لا يملكون أدنى معرفة حول كيف تدار الأمور في واشنطن، وماهية البيروقراطية الحكومية هناك. لقد كان هناك اتجاه حديث آخر – لا شك في اتباع مثال لممارسة أمريكية مؤسفة – يتمثل في زيادة التعيينات السياسية في المناصب الدبلوماسية وغيرها من المناصب الدبلوماسية.

وهذا استجابة خاطئة للتحديات التي يواجهها الدبلوماسيون. وسيكون من الأفضل على المدى الطويل خدمة الدول عبر تعيين موظفي السفارة يكونون على أهبة الاستعداد، ولديهم جميع الأدوات اللازمة، ويستفيدون من الاستمرارية والذاكرة المؤسسية أثناء قيام الدبلوماسيين بنقل الخبرة إلى من يخلفونهم.

ويقول بعض المسئولين الغربيين إنه إذا كان لدى أوكرانيا دبلوماسيون مدربون تدريبًا أفضل وأكثر فاعلية، لكان المجتمع الدولي قد فرض عقوبة أشد على روسيا بسبب ضمها شبه جزيرة القرم عام 2014، وتدخلها السافر في شرق أوكرانيا. وإذا كانت الهند (ثاني أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان) لديها دوائر دبلوماسية أكثر فاعلية، فربما كان بإمكانها تحقيق هدفها المتمثل في الفوز بمقعد دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

وقد عانت الدبلوماسية الألمانية، رغم أنها واحدة من أفضل دبلوماسيات العالم، لأنها يقودها وزراء خارجية ممن وصلوا لمناصبهم كقادة أحزاب صغيرة شريكة في الائتلافات الحاكمة المتعاقبة. فيما أحرزت الدبلوماسية الفرنسية، وهي مثال تاريخي على التميز، تقدمًا ملحوظًا في معالجة عدم التنوع في صفوفها، غير أن غالبية دبلوماسييها الكبار ما زالوا من الرجال البيض.

كما تتعرض وزارة الخارجية الأمريكية للهجوم على يد إدارة ترامب، التي تطرد العشرات من أعضائها وتسعى لخفض نحو ثلث ميزانيتها؛ ما يؤدي لوصولها إلى أدنى الدرجات المعنوية في التاريخ الحديث، بينما تجاهلت وزارة الخارجية البريطانية التدريب الرسمي لدبلوماسييها لعشرات السنوات، ورغم أنها أنشأت أخيرًا مركزًا مخصصًا في عام 2015، لكنها لم تؤسس تطويرًا احترافيًّا إلزاميًّا.

ومع التاريخ الحافل الدبلوماسية في أوروبا الغربية وكفاءتها، فلماذا صُدمت تلك الدول، ولم تستعد لتدفق اللاجئين في عام 2015؟ فأن تكون على دراية وثيقة بالظروف والأحداث والاتجاهات في الدول الأجنبية هو جزء أساسي من وظيفة الدبلوماسي، وقد جاء معظم اللاجئين من مناطق صراع، كما كان ينبغي على الدبلوماسيين الأكفاء توقع تلك التطورات وإعداد تحليلات وتوصيات سياسية لقادتهم في بلادهم.

ولماذا كان الأمر شديد الصعوبة على الغرب لممارسة تأثير جوهري على تركيا، عضو الناتو، لمنع ما يراه المسؤولون الغربيون على أنه أعمال مزعزعة للاستقرار، مثل هجومها الحالي على الأكراد السوريين؟ هناك بالتأكيد العديد من الأسباب، لكن عدم كفاية المهارة الدبلوماسية والافتقار إلى الإبداع هما جزء من المشكلة.

وإضافة إلى ما سبق؛ فإن نقص التمويل المزمن يعطل الدوائر الدبلوماسية للقوى الصاعدة، بما في ذلك دول مثل الهند والبرازيل، اللتين تعانيان من إجهاد شديد. فالأولى، على سبيل المثال، تكافح من أجل إدارة أكثر من 160 بعثة يعمل بها 600 دبلوماسي.

حتى الصين فشلت في القيام باستثمار كافٍ في الدبلوماسية، واختارت بدلاً من ذلك التركيز بشكل شبه حصري على جيشها، الذي تزيد ميزانيته بنحو 20 مرة عمَّا تنفقه على الشؤون الخارجية. فليس من المستغرب أن يكون لوزارة الخارجية الصينية نفوذ أقل بكثير في صنع السياسات من نظيراتها في الدول الأخرى.

لكن معظم الدول ليس لديها دوائر دبلوماسية مهنية مناسبة، لا سيما في أفريقيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط، وحتى في بعض دول أوروبا وآسيا، رغم أن لدى تلك الدول موظفين مدنيين في وزارات الخارجية، حيث يتم إرسال بعضهم للعمل في السفارات والقنصليات من وقت لآخر. ويحمل كثير من هؤلاء المسؤولين شهادات في الشؤون الدولية أو في مجالات أخرى ذات صلة، وهذا يكفي أن تفترض حكومات كثيرة أنها قادرة على التفوق في الدبلوماسية.

ومع هذا، تُقدّم بعض الدول تدريبًا أوليًّا فقط للموظفين الجدد، وتميل إلى التركيز على دراسات المجالات، مثل السياسة والاقتصاد في المناطق الجغرافية، فضلاً عن اللغات الأجنبية. فيما تركز دول أخرى بشكل كبير على دورات العلوم الإنسانية، متناسية أن القدرة على التحدث في حفلات الكوكتيل ليست مهمة اليوم كما كانت في الأزمنة السابقة، وأن هناك الكثير من الأماكن الأخرى للحصول على هذه المعرفة.

وهناك افتقار كبير للتدريب القائم على المهارات في جوانب معينة من الممارسة الدبلوماسية التي لا يمكن الحصول عليها في أماكن أخرى. بالإضافة إلى ذلك، فبدلاً من نقل الدبلوماسيين ذوي الخبرة لخبراتهم إلى زملائهم المبتدئين، تقوم الدول بتوظيف أكاديميين أو إرسال موظفيها لحضور دورة جامعية. وبالطبع، العديد من الدول لا تقوم بذلك.

قلة من الدول فقط – مثل الولايات المتحدة وألمانيا – لديها مراكز مخصصة توفر التدريب على المهارات، رغم أن معظمها طوعي ولا يستفيد منه سوى قلة من الدبلوماسيين. وفي الوقت الذي لا يخفي فيه البيت الأبيض ازدراءه للدبلوماسية، لا يمثل معهد الخدمة الخارجية التابع لوزارة الخارجية أولوية قصوى، كما هو الحال في العديد من إدارات الوزارة، حيث لم يتم تعيين مدير له.

وفي النهاية، يجب على الحكومات إنهاء الثقافة التي استمرت لعشرات السنوات، والتي تَعتبر التدريب في مجال الدبلوماسية والتطوير المهني ترفًا أو– أسوأ من ذلك– غير ضروري. فلا ينبغي المبالغة في تقدير التدريب أثناء العمل، ورغم أنه أمر رائع وجود مرشدين محترفين، غير أن هذا ليس كافيًّا، ولا ينبغي التقليل من أهمية الإعداد الرسمي، وفي النهاية يمكن أن ينتج الوقت والمال والمزيد من الدبلوماسية الاحترافية، عالمًا أقل فوضوية.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا