بعد رحلة طويلة بين بروكسل ولندن.. قطار «البريكست» يصل محطته الأخيرة

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

أعلن البرلمان الأوروبي، اليوم الأربعاء الموافق 28 أبريل، مصادقته على الاتفاق التجاري مع بريطانيا الذي يرسم ملامح العلاقات التجارية بين دول الاتحاد ولندن في مرحلة ما بعد البريكست، ليكتب كلمة النهاية لفصول دراما خروج المملكة المتحدة المؤلمة والتي دامت لنحو أربعة أعوام، وشهدت الكثير من الشد والجذب وما يشبه التصعيد الدرامي من وقت لأخر، حيث حرص كل طرف على الخروج بأقل الخسائر والحفاظ على مصالح شركاته.

المحطة الأخيرة لـ”البريكست”

في نهاية اقتراع نظمه البرلمان الأوروبي، مساء أمس الثلاثاء، تم التصديق على نص الاتفاق التجاري مع بريطانيا، بموافقة 660 من أصل 697 نائبا على النص الذي عارضه خمسة نواب، مع امتناع 32 آخرين عن التصويت، لكن المهم أن النص تم تمريره في النهاية وبأغلبية ساحقة.  

رحبت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، بحرارة بالموافقة على الصفقة، وقالت: “اتفاقية التجارة والتعاون  TCAتمثل الأساس لشراكة قوية ووثيقة مع المملكة المتحدة، مشددة على ضرورة أن تلتزم بريطانيا بالتنفيذ الصادق لنصوص الاتفاقية”.

من جانبه شكر اللورد ديفيد فروست كبير مفاوضي المملكة المتحدة، نظيره الأوروبي ميشيل بارنييه، لما بذله من جهود للوصول إلى هذه اللحظة، وقال: تصويت اليوم يجلب اليقين إلى عملية خروجنا من الاتحاد ويسمح لنا بالتركيز على المستقبل، مضيفا: هناك الكثير من الأمور العالقة التي سنعمل على حلها مع الاتحاد من خلال مجلس الشراكة الجديد، ونحن ملتزمون بالعمل لإيجاد حلول تناسب كلانا.

“المحطة الأخيرة في رحلة طويلة”.. هكذا وصف رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، اليوم، التصويت على اتفاقية التجارية، وقال – في بيان- إن هذه الاتفاقية التي أبرمت في نهاية ديسمبر وتطبق مؤقتا منذ بداية العام الجاري تجلب الاستقرار لعلاقتنا الجديدة مع الاتحاد الأوروبي كشركاء تجاريين حيويين وحلفاء مقربين ومتساوين في السيادة، مضيفا: الآن هو الوقت المناسب للتطلع إلى المستقبل وبناء بريطانيا عالمية وعظمى.

بريطانيا بدأت فترة انتقالية للخروج الفعلي من الاتحاد الأوروبي في 31 يناير 2020، وكان التطبيق المؤقت لصفقة “البريكست” حلا توصلت إليه مع بروكسل نهاية 2020 للمضي قدما على طريق الطلاق الصعب ووضع حد للفترة الانتقالية، شريطة الانتهاء من المصادقة على الاتفاق التجاري رسميا بحلول 28 فبراير الماضي، لكن هذا لم يحدث، إذ طلبت بروكسل التمديد حتى 30 أبريل لاستكمال إجراءات داخلية والحاجة إلى بعض الوقت لإتاحة نص الاتفاق بجميع لغات الاتحاد – الأربع والعشرين- ليتم تدقيقه من قبل البرلمانات والحكومات الوطنية، ومن ثم يصادق عليه البرلمان الأوروبي ومجلس الاتحاد للقادة الوطنيين ليصبح ساريا رسميا بعد 30 أبريل.

في البداية رفضت لندن التمديد، لكنها كانت مجبرة على الموافقة، خشية الخروج بلا صفقة، والرجوع إلى المربع صفر، وكل ما فعلته وقتها أنها رهنت انطلاق مجلس الشراكة الجديد مع الاتحاد – الذي تأمل الشركات البريطانية والأوروبية أن يخفف الآثار الناجمة عن البريكست- بالمصادقة الأوروبية على صفقة التجارة، والآن بعد هذه المصادقة القانونية اعتبارا من اليوم، سيكون على الطرفين العمل على تحويل الكلام إلى واقع على الأرض يضمن استمرار التجارة بينهما دون اضطراب فوضوي يهدد الشركات ويضر بمصالح كل الأطراف، والأهم العمل على تجاوز الخلافات العالقة.

اتفاقية التجارة لا تعني نهاية المتاعب

على الرغم من أن البرلمان الأوروبي صادق على اتفاقية التجارة مع لندن، إلا أنه وصف في قرار – تم تمريره، أمس، إلى جانب الاتفاقية- انفصال بريطانيا عن الاتحاد بـ”الخطأ التاريخي” وقال صراحة: لا يمكن لأي دولة أن تتمتع بنفس المزايا خارج الاتحاد، كما لو كانت عضوا.

في تصريح لها عقب جلسة التصويت، ، حذرت رئيسة المفوضية الأوروبية من أن الكتلة لن تتردد في الرد إذا خرقت بريطانيا شروط الاتفاق، وقالت: يأتي الاتفاق بأسنان حقيقية وآلية ملزمة لتسوية المنازعات وإمكانية اتخاذ تدابير علاجية من جانب واحد عند الضرورة.. لا نريد أن نضطر إلى استخدام هذه الأدوات، لكننا لن نتردد في استخدامها إذا لزم الأمر.

وردا على هذا التهديد قال كبير مفاوضي المملكة المتحدة: سنسعى دائمًا إلى التصرف بروح إيجابية، لكننا سندافع عن مصالحنا كدولة ذات سيادة، عندما يتعين علينا ذلك.

فرنسا أيضا هددت بالتصعيد ضد لندن فيما يتعلق باتفاقية صيد الأسماك – أحد القضايا الخلافية بين لندن وبروكسل- وقبيل جلسة التصويت، قال وزيرها للشؤون الأوروبية كليمان بون: “نحن نطالب بريطانيا بتطبيق الاتفاق وفي حال لم يتم تنفيذه فإننا سنتخذ إجراءات تطال قطاعات آخرى إذا لزم الأمر”، مضيفا: تتوقع المملكة المتحدة منا على سبيل المثال عدداً من تصاريح الخدمات المالية، لكننا لن نعطي أيًا منها حتى نحصل على ضمانات بشأن تسهيل وصول صيادينا إلى المياه البريطانية دون تأخير.. المسألة أخذ وعطاء، يجب على الجميع احترام التزاماته.

إذا المصادقة على اتفاقية التجارة لا تعني نهاية الأعمال العدائية والخلافات بين لندن وبروكسل، فإلى جانب ملف مصايد الأسماك، هناك أيضا الخلافات بشأن اتفاقية أيرلندا الشمالية، وتهديد الاتحاد الأوروبي أخيرا بعرقلة إمدادات بريطانيا من لقاحات فيروس كورونا المنتجة داخل بلدانه لخطر الحظر والدخول في قضايا قانونية مع شركات بريطانية شهيرة كـ”أسترازينيكا”، هذا فضلا عن احتمالات أن تلجأ بروكسل في أي وقت إلى فرض رسوم على البضائع البريطانية لم تعهدها من قبل، ما قد يضر بربحية الشركات البريطانية.

تجدر الإشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي يعد الشريك التجاري الأكبر للمملكة المتحدة، ويستحوذ على نحو 49% من حجم علاقاتها التجارية الدولية، لذا كان من الطبيعي مع دخول الاتفاقية التجارية حيز التنفيذ في يناير الماضي، ووسط عدم اليقين بشأن مستقبل العلاقات بين الطرفين أن تتراجع صادرات المملكة إلى دول الاتحاد بنحو 41%، كما تراجعت وارداتها من هذه الدول بنسبة 29%، ما دفع لندن لتسجيل أكبر انخفاض شهري في إجمالي واردات وصادرات السلع منذ 1997.

الواقع أنه مع دخول اتفاقية التجارة مع بروكسل إلى حيز التنفيذ الفعلي والدائم، ستتمتع المملكة المتحدة بوصول محدود إلى أسواق الاتحاد الأوروبي مقارنة بالوضع عندما كانت عضوة بالكتلة الأكبر عالميا، وستواجة البضائع البريطانية مزيدا من البيروقراطية على الحدود، والحكومة البريطانية كانت تدرك ذلك من البداية، لذا كثفت جهودها منذ يناير 2021 لإبرام اتفاقيات تجارة حرة مع بلدان عدة مثل اليابان والولايات المتحدة لتأمين أسواق جديدة للبضائع البريطانية تعوض خسائر البريكست التي لا مفر منها، لكن هذا لن يغير من حقيقة أن بروكسل ستبقى الشريك الأكبر للمملكة المتحدة، ما يعني أنه من الأفضل أن تقوم حكومة جونسون بمعالجة مخاوف الأوروبيين وتسهيل التفاهمات بشأن المتبقي من القضايا الخلافية وتحديدا بروتوكول أيرلندا الشمالية، فليس من مصلحة أحد إشعال فتيل الصرعات الحدودية القديمة، لا سيما وأن البروتوكول يخدم الطرفين، إذ يسمح لأيرلندا الشمالية “البريطانية” -إن جاز التعبير- بالحفاظ على حدود مفتوحة مع جمهورية أيرلندا الأوروبية، حتى بعد مغادرة الأولى للسوق الأوروبية الموحدة.

ربما يعجبك أيضا