لا مجال للعودة.. لقاح كورونا بين الإجبار والاختيار

هدى اسماعيل

هدى إسماعيل

اللقاحات الإلزامية مفروضة منذ قرون، وهي تنقذ الأرواح بهدوء، ولا تواجه معارضة في أغلب الأحيان حتى يتغير شيء ما.

بالنسبة إلى مركز فرجينيا ماسون فرانسيسكان الصحي في ولاية واشنطن الأمريكية، كان 18 أكتوبر 2021 هو يوم الحساب حيث أعلن المركز أنه سيطلب من جميع موظفيه التطعيم ضد فيروس كورونا بحلول ذلك التاريخ من أجل حماية العاملين في المركز الطبي ومرضاهم من المرض.

ربما كان ذلك مطلبًا محفوفًا بالمخاطر، نظرًا لنقص الطاقم الطبي ورفض الحصول على اللقاح، وهو الأمر الذي هز أجزاء أخرى من القطاع الطبي في الولايات المتحدة.

لكن عندما جاء يوم 18 أكتوبر ، كان 95 في المئة من الموظفين قد لبوا هذا الطلب من خلال الحصول على اللقاح أو الإعفاء المعتمد. أما الخمسة في المئة الباقية، بما في ذلك من حصلوا على جرعة واحدة من اللقاح، فهم حاليًا في إجازة إدارية.

تاريخ اللقاحات

لقاحات كورونا

أصبح التطعيم أكثر تعقيدًا بمجرد أن طور الطبيب الإنجليزي إدوارد جينر لقاح الجدري في عام 1796. وبدأ التطعيم الإلزامي بعد ذلك ببضع سنوات فقط. وفي عام 1806، أمرت إليسا بونابرت، حاكمة لوكا وبيومبينو في إيطاليا الحالية (وأخت نابليون)، بتطعيم الأطفال حديثي الولادة والبالغين.

وحدثت نقطة تحول أخرى في عام 1853، عندما طالب قانون التطعيم الإجباري بتطعيم الرضع في إنجلترا وويلز ضد الجدري.

وعلى الرغم من أن بعض اللقاحات، مثل لقاح شلل الأطفال، كانت شائعة في البداية، إلا أن أحد الأنماط الملحوظة هو اعتياد الجمهور على لقاح معين بمرور الوقت، ثم يخاف بعض الناس من الحصول على أي لقاح جديد.

يقول لي هامبتون، طبيب أطفال وعالم الأوبئة الطبية في التحالف العالمي للقاحات والتحصين: “الولايات المتحدة لديها تاريخ في إلزام المواطنين بالحصول على اللقاحات منذ أواخر السبعينيات من القرن الماضي”.

وتُلزم إيطاليا الأطفال بالتطعيم ضد مجموعة من مسببات الأمراض، مثل التهاب الكبد بي، والدفتيريا، والسعال الديكي، وفيروس شلل الأطفال، والكزاز، والمستدمية النزلية من النوع ب، والحصبة، والنكاف، والحصبة الألمانية، وجدري الماء (الحماق).

ووفقًا لهامبتون، فإن “إلزام المواطنين بالحصول على اللقاحات لم يسبب أي مشكلات حقًا. لكن ما تسبب في حدوث تغييرات بمرور الوقت في هذه الأنواع من السياقات هو تغير اللقاح الذي تجري المطالبة بالحصول عليه”. وقد شوهد هذا النمط، على سبيل المثال، مع المطالبات الجديدة بالحصول على اللقاحات ضد التهاب الكبد بي، والجمرة الخبيثة، وبالطبع الآن فيروس كورونا.

وأصبح التلقيح مطلوبا الآن في بعض الحالات للالتحاق بالمدرسة (على سبيل المثال، ضد التهاب الكبد بي في سلوفينيا)، ولزرع الأعضاء (تشترط بعض الأماكن في المملكة المتحدة الحصول على بعض اللقاحات لإجراء عمليات زرع الكلى) – وفي إحدى الحالات القصوى في إيطاليا، للاحتفاظ بحضانة الأطفال. وغالبًا ما تكون العقوبات المفروضة على من يرفض الحصول على اللقاح تعليمية أو مالية.

ووفقًا لهامبتون، فإن إلزام المواطنين بالحصول على اللقاحات غالبا ما يكون أكثر شيوعا في البلدان ذات الدخل المرتفع. وغالبا ما يكون هناك ارتباط بين طريقة الحكم وإلزام المواطنين بالحصول على اللقاحات، بمعنى أنه “كلما كانت الحكومة أكثر استبدادية، زاد احتمال إلزام المواطنين بالحصول على التطعيمات”.

قد لا يكون هذا مفاجئًا، لأنه من الأسهل لهذا النوع من الحكم أن يفرض قواعد وقوانين جديدة، بما في ذلك تلك التي تتعلق بالمصلحة العامة (في حالة اللقاحات).

على سبيل المثال، فرضت غامبيا تلقيح الأطفال في عام 2007، خلال فترة الحكم الاستبدادي. ومع ذلك، فإن التطعيم الإلزامي شائع أيضًا في البلدان الديمقراطية في حالات الطوارئ، مثل فترات تفشي الأوبئة – فرضت ولاية نيويورك الأمريكية لقاحات الإنفلونزا الإلزامية على العاملين في مجال الرعاية الصحية مؤقتًا أثناء وباء إنفلونزا الخنازير في عام 2009.

وعلى مر القرون، ظهرت بعض الاعتراضات على المكونات المستخدمة في صنع اللقاحات. وتتضمن بعض اللقاحات كميات ضئيلة من المنتجات الحيوانية، مثل السكوالين، وهو زيت من كبد سمك القرش. واستخدم لقاح شلل الأطفال سابقًا خلايا مأخوذة من كلى القرود. وأدت هذه الأنواع من المكونات إلى بعض المعارضة من جانب النباتيين.

غير إلزامي

فرنسا
احتجاجات فرنسا

في بعض الحالات لا يكون اللقاح إلزاميا إنما القيود على غير الملقحين تكون رادعة جدا ، ففي السعودية، التلقيح إلزامي للدخول الى المؤسسات العامة والخاصة ولاستخدام وسائل النقل العام.

في الوقت ذاته أعلنت الحكومة المصرية مؤخرا عن توقيع عقوبات على رافضي تلقي اللقاحات المضادة لفيروس كورونا المستجد، حيث قال المتحدث باسم مجلس الوزراء، المستشار نادر سعد، إن “اللقاحات المضادة لفيروس كورونا في مصر جيدة للغاية ومعتمدة”، مشددا على أنه “لا يوجد أي سبب لرفضها”.

وأوضح سعد أن اللقاحات “أصبحت إلزامية لكل من تخطى عمره 18 عاما وما زال في العملية التعليمية، سواء طلاب الجامعات أو ما قبل الجامعة، والمدرسين وأساتذة الجامعات، فالتعليم عن بعد ليس الوسيلة الأساسية للعملية التعليمية”.

وأشار سعد إلى أنه “من المقرر إرسال فرق طبية تابعة لوزارة الصحة، إلى الوزارات لمنح موظفي الحكومة المسجلين لقاحا ضد فيروس كورونا”.

وعن احتمالية رفض البعض تلقي اللقاح، علق المستشار نادر سعد قائلا: “نحن في حالة طوارئ صحية، والقانون يسمح لرئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، إصدار قرارات إلزامية، وفي نفس الوقت توقيع عقوبات على الرافضين، الأمر ليس رفاهية”.

في إيطاليا، يتعين على موظفي المؤسسات المدرسية والجامعية والطلاب إبراز فحص سلبي للكشف عن كوفيد كل يومين إذا لم يكونوا قد تلقوا اللقاح.

تلقي اللقاح إلزامي منذ 18 أكتوبر في جمهورية الدومينيكان للتوجه إلى كل الأماكن المغلقة واستقلال وسائل النقل.

إلزامية تفرضها الشركات

يقوم عدد متزايد من الشركات الكبرى بفرض إثبات تلقي اللقاح على قسم أو كل الموظفين.

هذا هو الوضع في الولايات المتحدة بالنسبة لصيدليات “سي في اس” وشركة شيفرون النفطية وديزني او حتى مصرف غولدمان ساكس.

وفي استراليا فرضت شركة كانتاس للطيران التلقيح على كل موظفيها.

ترك العمل

كشف استطلاع للرأي أن نحو 72% من الموظفين الأمريكيين على استعداد لترك وظائفهم إذا أجبروا على أخذ اللقاح المضاد لفيروس كورونا.

جاء ذلك في استطلاع أجرته مؤسسة (هنري جي كايزر فاميلي) المتخصصة في البحوث الطبية بالتزامن مع فرض الولايات المتحدة إلزامية اللقاح ضد فيروس كورونا في بعض الولايات وأماكن العمل.

ونشرت نتائج الاستطلاع في عدد شهر أكتوبر الماضي من مجلة (Vaccine Monitor Report) الطبية.

وأجرى الاستطلاع على عينة  بحثية تزيد عن 1500 شخص من البالغين الأمريكيين خلال الفترة بين 14 و 24 أكتوبر، حسبما نقلت شبكة (سي إن إن) الأمريكية.

وخلص الاستطلاع إلى أن أكثر من 37% من الموظفين غير الحاصلين على اللقاحات المضادة لكورونا في الولايات المتحدة يفضلون الاستقالة على أخذ اللقاحات أو إجراء فحوصات أسبوعية تثبت عدم حملهم للفيروس.

وأشار إلى أن 72% من المبحوثين أعلنوا استعدادهم للاستقالة في حالة كان أخذ اللقاح هو الخيار الوحيد المتاح في مؤسسة العمل.

ورغم هذه النتائج لفت الاستطلاع إلى احتمال كونها مجرد “تهديدات” من الموظفين وقال إن “العديد من الموظفين غير الملقحين والذين يقولون إنهم سيستقيلون قد لا ينفذون هذا التهديد”.

وفي السياق، أوضحت النتائج أن 24% من البالغين المشاركين في الاستطلاع قالوا إنهم يعرفون شخصًا ترك وظيفته بسبب مسألة أخذ لقاح كورونا.

بينما أعلن 5% فقط من المبحوثين أنهم تركوا عملهم بالفعل بسبب إجبارهم على أخذ اللقاح من قبل صاحب العمل.

وحسب الاستطلاع، تمثل نسبة من تركوا عملهم فعليا لعدم رغبتهم في أخذ اللقاح المضاد لكورونا نحو 1% فقط من البالغين في الولايات المتحدة.

ووفقًا للبيت الأبيض، فإن الموظفين الاتحاديين الذين لن يحصلوا على التطعيم سيواجهون إجراءات تأديبية.

وكان الموظفون الاتحاديون يتمتعون في السابق باختيار إجراء فحوصات منتظمة بدلًا من التطعيم.

وأمر بايدن في الوقت ذاته أرباب الأعمال الذين يوظفون أكثر من 100 شخص بالتأكد من حصول موظفيهم على جرعات اللقاح أو إجراء فحوصات أسبوعية.

البحث عن فرصة عمل

جائحة كورونا
جائحة كورونا

قالت صحيفة “الجارديان” البريطانية إن الأستراليين غير المحصنين بلقاح كورونا الذين فقدوا وظائفهم لرفضهم الامتثال لتعليمات لقاح كورونا لجأوا إلى وسائل التواصل الاجتماعي للعثور على فرص العمل في أماكن لا تطبق القواعد الجديدة.

وأوضحت الصحيفة أن تطبيقات “تليجرام” و”فيس بوك” شهدت تدفقًا من الأشخاص الذين يبحثون عن وظائف مدفوعة الأجر بعد أن ألزمت الولايات والأقاليم الموظفين بالحصول على التطعيم في مجموعة من الصناعات تشمل مجال الصحة ورعاية المسنين والمدرسين والشرطة إلى عمال البناء والضيافة.

وفي بعض مجالس العمل ، تعلن الشركات التي يسعدها قبول الأشخاص غير الملقحين أنها “ترحب بالجميع”.

ولفتت الصحيفة إلى أن العاملين في قطاع التجميل والعاملون في رعاية الأطفال والعاملين في مجال دعم الإعاقة والمحاسبين هم من بين 20000 شخص أعضاء في أكبر مجموعة على “فيس بوك” للباحثين عن عمل في أماكن تقبل بغير الحاصلين على اللقاح في أستراليا.

ربما يعجبك أيضا