أمريكا تقود تحركًا للسحب من احتياطيات النفط.. هل تنجح في كبح الأسعار؟

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

أعلنت الإدارة الأمريكية، أمس الثلاثاء 23 نوفمبر 2021، عن خطوة كانت متوقعة وهي الإفراج عن 50 مليون برميل من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي في غضون أشهر قليلة، وذلك بالتنسيق مع دول أخرى بهدف تخفيف حدة أسعار الوقود التي تضاعفت خلال العام الجاري ووصلت إلى مستويات تاريخية، لكن البعض يرى أن السحب من الاحتياطيات النفطية لن يكون سوى علاجا مؤقتا لارتفاع الأسعار وربما لا يؤثر بشكل كبير عليها.. فماذا يحدث في أسواق النفط؟

 لماذا تقود واشنطن تحركا للسحب من الاحتياطات النفطية؟

بحسب بيان للبيت الأبيض، الخطوة المشار إليها تهدف لتهدئة أسعار النفط -التي تجاوزت خلال أكتوبر مستويات الـ85 دولارا للبرميل، فيما وصلت أسعار البنزين إلى أعلى مستوياتها منذ 2014- إذ ترى إدارة بايدن أن أسعار النفط حاليا مرتفعة بصورة كبيرة تؤثر على النمو الاقتصادي.

والخطوة الأمريكية تجري بالتنسيق مع الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وبريطانيا، بهدف ضخ المزيد من النفط في الأسواق وزيادة المعروض لتلبية الطلب المتصاعد وسط بدء تعافي اقتصادات العالم من تداعيات جائحة كورونا.

خلال الأشهر المقبلة، ستوفر وزارة الطاقة الأمريكية 32 مليون برميل من احتياطياتها الاستراتيجية، أما الكمية المتبقية أي 18 مليون برميل فستكون جزءًا من بيع النفط الذي كان الكونجرس قد وافق عليه سابقًا.

الهند أيضا أعلنت عن الإفراج عن 5 ملايين برميل من احتياطياتها الاستراتيجية، وكذلك أعلنت بريطانيا، أمس الثلاثاء، السماح بسحب طوعي من احتياطيات النفط لدى القطاع الخاص بمقدار قد يعادل 1.5 مليون برميل من النفط.

صباح اليوم الأربعاء، أعلنت اليابان عزمها سحب بضع مئات الآلاف من الكيلو لترات من احتياطياتها الوطنية من النفط، لكن دون أن تحدد توقيت البيع، وفي وقت لاحق أعلنت الصين عن استخدام مخزونها النفطي الاحتياطي بهدف الحفاظ على استقرار السوق، دون أن تحدد الكمية التي تخطط لضخها أو توقيت السحب.

الرئيس الأمريكي جو بايدن قال، أمس الثلاثاء، إن “أسعار البنزين ارتفعت بشكل مؤلم في أمريكا وأوروبا وآسيا وهي  تمثل مشكلة عالمية”، سنلجأ للاحتياطي الاستراتيجي كما ستفعل الهند واليابان وبريطانيا، وهذا التحرك لن يحل المشكلة بين ليلة وضحاها لكنه سيحدث فرقا”.

ما هو الاحتياطي النفطي؟

هذه هي المرة الأولى التي تنسق فيها واشنطن تحركا للسحب من الاحتياطات النفطية مع دول من داخل وخارج “الهند والصين” الوكالة الطاقة الدولية التي من بين شروط عضويتها الاحتفاظ باحتياطيات استراتيجية كافية لاستهلاك تسعين يوما.

يقصد بمخزون الاحتياطي النفطي الاستراتيجي كميات كبيرة من مخزونات النفط تكفي احتياجات البلاد المستهلكة لفترة من 30 إلى 90 يوما، ويتم السحب منها في حالة تعرض الإمدادات لانقطاع بشكل مفاجئ نتيجة أزمة ما.

بحسب بيانات الطاقة الأمريكية يقدر حجم الاحتياطي الاستراتيجي من النفط بـ 604.5 مليون برميل، ويمكن ضخ نحو 4.4 ملايين برميل يوميا منه، أما عملية دخول النفط من المخزون الاحتياطي إلى السوق الأمريكي فيمكن أن يستغرق 13 يوما من تاريخ صدور القرار الرئاسي.

منذ أن بدأت أمريكا في تكوين الاحتياطي النفطي الاستراتيجي عام 1975، تم الإفراج عن كميات طارئة منه لـثلاث مرات فقط، كان أخرها عام 2011 عندما توقفت إمدادات النفط من ليبيا إحدى أعضاء منظمة أوبك.

رد فعل الأسواق على الخطوة الأمريكية؟

يبدو أن أسواق النفط تنظر للخطوة الأمريكية على أنها أقل من التوقعات، إذ أنهى النفط تعاملات أمس الثلاثاء مرتفعا إلى أعلى مستوياته في أسبوع، فارتفعت عقود خام برنت بنسبة 3.3% إلى 82.31 دولار للبرميل، كما ارتفعت عقود خام نايمكس الأمريكي بـ2.3% إلى 78.50 دولار للبرميل، وخلال التعاملات المبكرة اليوم الأربعاء، واصلت الأسعار صعودها ليسجل خام برنت مستوى 82.43 دولار للبرميل، وخام “نايمكس” نحو 78.74 دولار للبرميل.

قد تسهم الخطوة الأمريكية في التأثير على أسعار البنزين محليا خلال الأسابيع المقبلة، إلا أنها ستبقى ذات أثر محدود على المدى المتوسط والبعيد، محلل أسواق الطاقة “ستيفن شورك” قال في تصريح لـ”سي إن بي سي”، اليوم الأربعاء، على الرغم من قرار واشنطن إلا أن الأسعار قد ترتفع، لأن الاحتياطي النفطي ليس موجودًا لمحاولة التلاعب في الأسعار، لكنه يعوض اضطرابات الإمدادات قصيرة الأجل وغير المتوقعة.

 وأوضح أن سحب 50 مليون برميل من الاحتياطي الأمريكي، واحتمالية اتجاه دول أخرى لسحب مستوى 50 مليون برميل إضافي يعادل يوما واحدا فقط من مستوى الطلب العالمي على النفط.

سياسات أوبك في مواجهة الخطوة الأمريكية

الأنظار في سوق النفط الآن ستتجه أكثر إلى اجتماع مجموعة أوبك وحلفائها المرتقب في الثاني من ديسمبر المقبل، فالمجموعة التي تضم كبار مصدري النفط في العالم كثيرا ما تدخلت لحفظ استقرار الأسواق وكان أخرها في عام 2020 عندما خفضت إنتاجها طواعية لدعم الأسعار.

لكن “أوبك بلس” ترى في الوقت الراهن أن سياستها الخاصة بزيادة الإمدادات تدريجيا بواقع 400 ألف برميل يوميا، ما زالت ملائمة للسوق وتعتمد على خطى مدروسة للحفاظ على الانتعاش الاقتصادي.

“أوبك بلس” ترى أيضا أن السحب من الاحتياطيات الاستراتيجية غير مبرر نظرا لوضع السوق الحالي، فخلال تقريرها لهذا الشهر خفضت توقعاتها للطلب العالمي على النفط في الربع الأخير من 2021 بواقع 330 ألف برميل يوميا إلى 99.49 مليون برميل يوميا، كما خفضت توقعاتها للطلب العالمي على نفطها في 2022 إلى 28.70 مليون برميل يوميا، ما يعني أن السوق ستتخذ مسارا تصحيحيا في وقت قريب.   

بالأمس، أكد سهيل المزروعي، وزير الطاقة الإماراتي، أنه لا يرى منطقاً في أن يورد الإمارات -البلد العضو في أوبك- مزيداً من النفط للأسواق، في حين تشير كل الدلائل إلى أن الربع الأول من 2022 سيشهد فائضاً نفطيا.

وفي وقت سابق، توقع وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان، استمرار “أوبك بلس” في الزيادات المتفق عليها كما هي دون تغيير، وسط إشارات بأن مخزونات الدول الأعضاء سترتفع ابتداء من ديسمبر.

يمكنا تفسير الخطوة الأمريكية في هذا التوقيت تحديدا على أنها مجرد تحرك لامتصاص غضب الشارع الأمريكي حيال ارتفاع التضخم بأعلى وتيرة منذ 1990، لاسيما وأنها تأتي وسط استطلاعات رأي تحذر من احتمالات خسارة الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في 2022، من جهة أخرى “أوبك بلس” باعتبارها لاعب رئيسي في سوق النفط ولا نبالغ إذا قلنا اللاعب الوحيد قد تحاول الرد على الخطوة الأمريكية بإلغاء خطط زيادة المعروض، ما يجعل تحرك واشنطن كأنه لم يكن من الأساس، وقد يدخل السوق في شبه حرب أسعار جديدة.. إلا أن كلمة السر في الحفاظ على طفرة الأسعار فيما تبقى من عامنا هذا والربع الأول من 2022 ستبقى قدرة الاقتصادات الكبرى على الابتعاد عن مربع الإغلاق العام وكبح موجة كورونا الجديدة.

ربما يعجبك أيضا