فلسطين: العنف الداخلي يتسلل إلى الجامعات.. والشارع يلوم على السلطة

محمود

رؤية – محمد عبدالكريم

القدس المحتلة – ما تزال مشاهد الضرب والسحل وقمع القوى الأمنية الفلسطينية بزيهم المدني في شوارع الضفة الغربية، حاضرة في أذهان الفلسطينيين عقب احتجاجاتهم على قتل الناشط السياسي والحقوقي نزار بنات في الـ24 من شهر يونيو/ حزيران الماضي، والذي قضى نحبه ضربا بالقضبان الحديدية بأيدي رجال من الأمن الفلسطيني بزي مدني وهو في منزله، بحجة انتقاده الدائم للفساد والأداء السياسي.

المشهد عاد ليتكرر هذه المرة في الجامعات، فقبل أيام انتشرت فيديوهات لطلاب من جامعة بيرزيت محسوبين على حركة فتح (حزب السلطة) في جامعة بيرزيت وهم يهددون زملاء لهم في داخل لحرم الجامعي بالأسلحة النارية، أعقبها جريمة هزت الشارع الفلسطيني يوم أول امس السبت، عندما قتل منسق حركة فتح بالتعاون مع نجل نائب مدير شرطة نابلس  برتبة عميد، زميل لهم طعنا بالسكاكين داخل الحرم الجامعي.

وأغلق فلسطينيون غاضبون عدة طرق رئيسية خارج وداخل محافظة جنين، شمال الضفة الغربية، أمس، وهاجموا سيارات الأمن الفلسطيني، احتجاجاً على ارتفاع نسبة العنف المدارس من جهات يفترض بها تطبيق القانون لا خرقه، وعلى التساهل في إنهاء الجرائم بفنجان قهوة على شكل صلح عشائري.

وقال مروان خليلية -أحد أقارب الضحية، خلال مداخلة هاتفية مع برنامج «شد حيلك يا وطن»، في شبكة «وطن» الإعلامية- إن «القتل أصبح قضية عادية، حيث أصبح الجميع يجرؤ على القتل كونه لا يوجد عقاب أو رادع حقيقي، ومن هنا فنحن كأهالي جبع، نرى أنه يجب أن نبني خطوات لوقف هذا الإجرام في محافظات الوطن».

وتساءل خليلية في مداخلته عن الأمن: «أين كان خلال الشجار»، مضيفاً: «حسب معلوماتنا، فإن الأمن كان يعرف بالمشكلة سابقاً، لافتا إلى أن عائلة خليلية شكلت لجنة، وهي في اجتماع مستمر، وسوف تصدر عنها قرارات وتوضيحات للإعلام، و«المطلب الرئيسي لها هو تطبيق حكم الإعدام بالقاتل». ولا تطبق السلطة حكم الإعدام في الضفة الغربية، بخلاف قطاع غزة التي تحكمه حركة «حماس».

ويعتقد كثير من الفلسطينيين أن غياب الإعدام أضر كثيراً بالردع المطلوب، وساعد على انتشار السلاح والفوضى، وأضعف هيبة السلطة الفلسطينية.

الغضب الفلسطيني على مواقع التواصل الاجتماعي تحول إلى عاصفة، خصوصاً مع تزايد جرائم القتل واستخدام السلاح بشكل فوضوي. وشهدت جنين نفسها مجموعة من حوادث إطلاق النار خلال الشهور القليلة الماضية، بحيث اضطرت السلطة معها لإطلاق حملة أمنية متأخرة، ردعاً لعشرات المسلحين هناك. وجاءت الحملة بعد صدامات واشتباكات بين فلسطينيين وقوات الأمن الفلسطينية، أعقبت حوادث قتل وقعت في الخليل جنوب الضفة، بسبب خلاف عشائري طلبت السلطة من وجهاء العشائر التدخل لحله.

وأقر الناطق باسم الشرطة الفلسطينية، العقيد لؤي ارزيقات، بضعف سلطة القانون، وبأنه لا يوجد حسم قضائي. لكنه قال في تصريح إذاعي: «إن أسباب انتشار العنف في مجتمعنا يعود للثقافة والتربية في المنزل». وقال ارزيقات إن ضعف القانون وعدم اتخاذ إجراءات قضائية حاسمة تجاه كل من يرتكب الجريمة في المجتمع الفلسطيني، وعملية التساهل في إنهاء الإشكاليات بفنجان قهوة، ساعدت على انتشار العنف. 

ويقول الأستاذ المحاضر في جامعة بيرزيت الدكتور عبد الرحيم الشيخ: المنظومة الاجتماعية جرى تخريبها بالوكالة بعد أن استبطن بعض الفلسطينيين عنف السلطة الاستعمارية الصهيونية، وعلى من لا يرون في عنف السلطة، وما تتوسَّله من أدوات السيطرة على العنف (غير الموجَّه إليها)، سواء بسيف العشائر، ذي الحدَّين، أو ببنادق الفرنجة، ذات الزناد الواحد، الذي لا يطلق أفقياً أبداً… سبباً، لا مقدمة فحسب، لما يحدث داخل الجامعات… عليهم أن يلقوا بلافتة المنظومة الاجتماعية التي يحملونها، وهم يلومونها، جانباً. ودون إسقاط للمسؤولية الفردية لمن يرتكب العنف عن فعله الوحشي وغير الوطني بالتأكيد”.

وأضاف:  هناك مسؤولية فعلية ومباشرة تقع على جزء من أبناء هذه المنظومة الاجتماعية والتربوية نفسها الذين يصمتون عن، أو يبررون لـ، أو يقومون فعلياً بقتل أبناء شعبهم، ورشِّهم بالغاز، وسحلهم في الشوارع، وانتهاك فتياتهم في ساحات الاحتجاج، وسجن أساتذتهم، وضرب مثقفيهم، وإخراس نشطائهم، وتحويل أجهزة الأمن إلى مرجعية لمسؤولي الكتل الطلابية الذين يفترض أن تكون مرجعيَّتهم الثقافة الثورية لـ”الكتيبة الطلابية”، في زمن غابت فيه الكتيبة وحضر الكَتبة-المخبرون.

وتابع: تتولَّى السلطة بنفسها مواجهة عنف الاحتجاج ضدها، وفي كثير من الأحيان بأداءات لا تختلف كثيراً عن أداءات عنف الطلبة، فيما يتولَّى الاحتلال باقتدار مواجهة عنف السلاح النظيف بنفسه، أو عبر وكلائه. أما عنف الهندسة الاجتماعية الذي حرف بوصلة الفلسطينيين فلا يتولاه أحد، ومن أراد الهروب من مسؤوليته، قال: “كلام مثقفين”، إذ تلك حجَّة مريحة تبيح النفاق للسلطة والاحتلال في آن معاً، كما تجعل من دفن الرأس في الرمل فعلاً فكاهياً حيث الفكاهة جبن عن المواجهة.

وفي خضم هذا البحر المتلاطم من العنف، لا يجب إغفال الدور السفلي الذي تلعبه واحدة من أقوى المخابرات في المنطقة في دعم هذا العنف، إذ أكدت الشرطة الإسرائيلية نفسها قبل اشهر دعم “الشاباك” الإسرائيلي (المخابرات الإسرائيلية داخل حدود فلسطين التاريخية) لعصابات الإجرام الذي انعكس تصاعدًا ملحوظًا في جرائم القتل والعنف

وانتشار السلاح بالداخل الفلسطيني، وسط سكوت مريب من قبل السلطات الأمنية الإسرائيلية.

ربما يعجبك أيضا