أكيهيتو.. الإمبراطور المتمرد الذي أحبه الشعب

هدى اسماعيل

إمبراطور اليابان “باليابانية: 天皇 تينُّو” وتعني حرفيا “سيادة السماء” ويشار إليه رسميا باسم “ميكادو” ، هو إمبراطور دولة اليابان ، وعميد العائلة الإمبراطورية اليابانية، كما أنه أعلى سلطة لديانة “الشينتو”، ويعتبر بحسب تعريف الدستور الياباني الحديث على أنه “رمز للدولة ولوحدة الشعب” ولا يتعدى دوره الدور الرمزي في نظام الملكية الدستورية المتبع في اليابان.

يذكر كتاب “نيهون شوكي” والذي كتب حوالي القرن الثامن بأن إمبراطورية اليابان تأسست في عام 660 قبل الميلاد على يد الإمبراطور جينمو وبذلك تعتبر العائلة الإمبراطورية اليابانية هي أقدم ملكية وراثية مستمرة إلى اليوم في العالم، وأن الإمبراطور الحالي هو الإمبراطور “أكيهيتو”، والذي اعتلى على العرش بعد وفاة والده الإمبراطور شووا في عام 1989، سكن أباطرة اليابان منذ القرن التاسع في القصر الإمبراطوري “كيوجو” في كيوتو، ثم انتقل للسكن في كوكيو الذي كان مقر قلعة “إيدو” السابقة.

وبموجب التقاليد اليابانية، تم فصل “أكيهيتو” في سن الثالثة عن والديه الإمبراطور “هيروهيتو” والإمبراطورة “ناغاكو وعاش” “حزينا وفي عزلة”، كما قالت الأمريكية اليزابيث غراي فاينينغ التي كانت مدرسته بعد الحرب.

درس “أكيهيتو”، الذي كان يهوى علم النبات وعلم الحياة البحرية والسمك ويتابع باهتمام كبير قضايا الطاقة والبيئة، العلوم السياسية في جامعة غاكوشين اليابانية العريقة.

الإمبراطور المتمرد

كتب “ماساياسو هوساكا”، الذي ألف كتابا عن “أكيهيتو” ووالده “هيروهيتو”، أن الرجل الذي رفض عبادة الإمبراطور أو تمجيده “لا يؤمن بنزعة قومية غير متسامحة”، وأضاف “لا أعتقد أننا عرفنا إمبراطورا على هذه الدرجة من النزاهة والإنسانية”.

“أكيهيتو” المتحفظ بطبيعته والملزم بموجب الدستور عدم الخوض في الأمور السياسية، تمكن من توسيع هذه الحدود وتمرير بعض آرائه بمهارة خلال ثلاثة عقود من حكم سمي “هيسي” أي “استكمال السلام”.

وكان أحدث أثرا كبيرا عندما عبر عن “ندم عميق” للأعمال التي ارتكبتها اليابان في القرن العشرين بينما كانت حكومة “شينزو” تعزز صلاحيات القوات المسلحة.

فهو الإمبراطور الذي خرق التقاليد بزواجه في 1959 من “ميشيكو شودا” التي تنتمي إلى عامة الشعب فهي ابنة تاجر حبوب التقاها في ناد لكرة المضرب وكانت تدرس في مدرسة للكاثوليك في طوكيو.

يقول “كينيث روف” الخبير في الشؤون اليابانية في جامعة بورتلاند إن “أهم إرث سيتركه أكيهيتو وميشيكو هو استخدام مزايا هيبتهما الإمبراطورية في خدمة أعضاء أقل شأنا في المجتمع الياباني”.

الحياة داخل القصر

في حديث له العام الماضي أعرب “أكيهيتو” عن قلقه من أن تقدمه فى السن وتدهور حالته الصحية تهدد قدرته على مواصلة أداء مهامه.

وجاءت تصريحات الإمبراطور “82 عاما”، الذى يحظى بحب اليابانيين، خلال خطاب هو الثانى من نوعه على الإطلاق الذى يوجهه إلى الجماهير، وبالرغم من أنه لم يستخدم كلمة “تخلى” فى خطابه، أشار “أكيهيتو” بقوة إلى أنه يرغب فى تسليم مهامه إلى شخص آخر.
ففي رسالة مسجّلة مدتها عشر دقائق، قال الإمبراطور “أكيهيتو” إنه بدأ منذ فى فترة فى التفكير فى “الفترة التى قضاها فى منصبه والتأمل فيما يريد القيام به فى السنوات المقبلة”.

ليصادق البرلمان الياباني بعد ذلك على قانونا يتيح للإمبراطور “أكيهيتو” الذي يبلغ الثالثة والثمانين من العمر، التنازل عن العرش لابنه، فاتحا بذلك الطريق لأول تنازل خلال أكثر من قرنين.

والقانون الذي طرحته الحكومة لا يطبق إلا على الإمبراطور “أكيهيتو” لذلك فهو مضطر للتنازل لولي العهد ناروهيتو، في موعد يحدد بمرسوم خلال السنوات الثلاث التي تلي دخوله حيز التطبيق.

يقول الخبير الدستوري “سوتا كيمورا”: “إن هذا التنازل سينشئ سابقة، لكن ما هي الأسباب التي ستحملنا في المستقبل على أن نجيز لإمبراطور التنازل عن العرش قبل الأوان، هذه النقطة ما زالت غامضة، وفي هذا الصدد، أعتقد أن النقاش حول ظروف تطبيق هذا القانون، كان غير كاف إلى حد كبير”.

وعبر بعض الخبراء عن خوفهم من أن يتسبب وجود الإمبراطور السابق في إضعاف الوضع الرمزي لوريثه ولي العهد الأمير “ناروهيتو”، مسترجعين أمثلة من الماضي لتمسك أباطرة سابقين بنفوذهم.

“أكيهيتو” هذا الثمانيني ذو الصوت اللطيف، وريث أقدم عائلة حاكمة في العالم، والتي ترقى جذورها إلى أكثر من 2600 سنة، كما تقول الأسطورة، وإلى القرن السابع بعد الميلاد، حسبما يقول المؤرخون ، نجح في أن يكون صديقا للشعب.

هدى إسماعيل

استطاع الإمبراطور الياباني “أكيهيتو” أن يكسب حب شعبه فقد نجح في تحديث النظام الإمبراطوري الياباني المتصلب بخطوات صغيرة، ونشر في الوقت نفسه رسالة سلام حيث أعلن رفضه لكل النزعات القومية التي سادت في الحرب العالمية.

ولد “أكيهيتو” في 23 ديسمبر 1933 بينما كانت اليابان في أوج حملاتها العسكرية في آسيا، وقد كان في الـ11 من العمر عندما نزعت صفة الألوهية عن والده بعد الاستسلام الياباني في أغسطس 1945.

وعندما اعتلى العرش خلفا له في 1989، التزام الإمبراطور بتواضع وحكمة “وظائف تمثيل الدولة” بصفته “رمز الأمة ووحدة الشعب”، كما ينص عليه الدستور السلمي لما بعد الحرب الذي يحرم الإمبراطور من “سلطات الحكم” ، ولكن هذا الرجل الثمانيني وريث أقدم أسرة حاكمة في العالم، قام بخطوة جديدة في تحديث هذا النظام عبر تمهيد الطريق لبحث إمكانية تخلي الإمبراطور عن العرش .

سيادة السماء

لعقود طويلة ظلت الحياة داخل قصر العائلة المالكة في اليابان لغزاً من الألغاز، إذ لم يكن اليابانيون يعرفون الكثير عن حياة الإمبراطور وزوجته وأولاده، لكنّ في السنوات العشر الأخيرة بدأ هذا الواقع يتغيّر، مع السماح بنشر بعض الوثائق والمعلومات الخاصة بالحياة داخل القصر في طوكيو.

في كتاب أصدره “يوهي موري” عام 2003، الذي عمل لسنوات مراسلاً محلياً في قصر الإمبراطور، ذكر فيه سلسلة معلومات حول الحياة والمصاريف المخصصة للعائلة المالكة، وكانت كلها غير معروفة قبل ذلك الكتاب حيث جاء فيه، يحصل الإمبراطور الياباني سنوياً على 200 مليون دولار لمصاريفه، ويصرفها الإمبراطور على حياته التى تتسم بالبذخ

4 أطباء خاصون حاضرون 24 ساعة.

5 رجال يساعدونه على اختيار وارتداء ملابسه.

11 شخصاً يرافقونه خلال المراسم الدينية.

24 عازفا في أوركسترا خاصة موجودة طيلة الوقت في القصر.

30 شخصاً يعتنون بحديقة القصر.

25 طاهياً يحضرون الطعام يومياً.

78 عاملاً واختصاصياً في مجال السمكرة والكهرباء.

160 عاملاً منزلياً يخدمون الأسرة ، ويخضع عمل هؤلاء لقوانين صارمة، فمثلاً العاملة المنزلية التي تنظّف الطاولة، ممنوع عليها تنظيف الأرض.

أضف إلى ذلك المصاريف الخاصة بالقصر ذاته ، فعلى سبيل المثال القصر يستهلك شهرياً مياهاً بقيمة 70 ألف دولار تقريباً، كذلك فإن في القصر مستشفى صغير كلفته 2.5 مليون دولار، ويخدم فيه 42 شخصاً، لا علاقة لهم بأطباء الإمبراطور الشخصيين، ويحرس قصر الإمبراطور فريق أمني كلفته الإجمالية في السنة 65 مليون دولار.

ثمّ تأتي المصاريف المتفرقة، مثلاً كلّفت الغرفة التي صممت لولادة حفيدة الإمبراطور 180 ألف دولار، فيما كلّفت الغرفة الخاصة بحفظ النبيذ بالقصر المبلغ نفسه أي 180 ألف دولار.

يعيش في قصر الإمبراطور: الإمبراطور وزوجته، وأولاده وأحفاده، لكن أيضاً يعيش داخل القصر أشخاص آخرون من أقرباء الإمبراطور، بينهم عائلة ابن عمّه، التي تتقاضى أكثر من 400 ألف دولار سنويا، رغم عدم قيامها بأي مهام.

ورغم هذه المصاريف فإنّ العائلة الحاكمة تملك القليل من الأملاك الخاصة، إذ بعد الحرب العالمية الثانية تمّت مصادرة معظم ممتلكات الإمبراطور من قبل الأمريكيين، وهي اليوم ملك للدولة اليابانية، وهي التي تمنح العائلة مصاريفها السنوية.

رسالة العام الماضي

ربما يعجبك أيضا