“إيطاليكست”.. الشعبويون يرسمون نهاية اليورو

حسام عيد – محلل اقتصادي

بعد شهرين ونصف من إجراء انتخابات عامة غير حاسمة في إيطاليا، قامت حركة الخمس نجوم والرابطة اليمينية بالتوصل لاتفاقية تقاسم السلطة ضمن ائتلاف لقيادة ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو.

ائتلاف شعبوي متشدد

الائتلاف الإيطالي الجديد الذي تهيمن عليه الأفكار الشعبوية التي ربما تغير اتجاه إيطاليا الاقتصادي والسياسي فتدخل في صدام مباشر مع الاتحاد الأوروبي؛ إذ تهدف خطة الطرفين لإعادة مناقشة المعاهدات الأوروبية وتقليص القوى القادمة من بروكسل وزيادة الإنفاق العام مما يزيد القلق لدى قادة الاتحاد الأوربي في بروكسل.

وكان ائتلاف حركة النجوم الخمس ورابطة الشمال الإيطالي اليميني المتطرف رشح شخصًا غير معروف سياسيًا هو جوزيبي كونتي لتشكيل الحكومة، واختارت الحركة مرشحًا لمنصب وزير المالية معارضًا للاتحاد الأوروبي هو الأكاديمي والوزير السابق باولو سافونا.

ومع اعتراض الرئيس ماتاريلا على سافونا تخلى كونتي عن تكليفه بتشكيل الحكومة.

وقد فازت حركة النجوم بنحو 30%، وفازت رابطة الشمال بنحو 17% من الأصوات في الانتخابات العامة في مارس ماضي، وبالتالي تحتاج أي حكومة تطلب تصويت ثقة دعما منهما.

ولم ينتظر لويجي دي مايو زعيم حركة النجوم وماتيو سالفيني زعيم رابطة الشمال خطوة التصويت البرلماني على حكومة يفرضها الرئيس، بل وجها الدعوة لأنصارهما للتظاهر “ضد المؤسسة” على أن تبدأ بمسيرات سلمية يوم 2 يونيو.

ومن الصعب التكهن بما يمكن أن تؤول إليه الأمور، إلا أن المؤكد أن يدعو الرئيس إلى انتخابات جديدة ربما في غضون شهرين، أو في أغسطس أو سبتمبر على الأكثر.

وفي حال أجريت الانتخابات الآن، سيفوز الائتلاف أيضا بأغلبية. لكن كثيرون يخشون أن تنزلق البلاد إلى فوضى، إذا اتسع نطاق الاحتجاجات، خاصة مع الوعود الانتخابية الشعبوية للحركة والرابطة التي أثارت نعرات قومية لدى كثير من الإيطاليين.

تفاقم الأزمة الاقتصادية

يأتي الاقتصاد الإيطالي في المرتبة الثامنة عالميًا من حيث الحجم بناتج محلي إجمالي يدور حول تريليوني دولار، كما أنه الاقتصاد الثالث في الاتحاد الأوروبي بعد ألمانيا وفرنسا.

لكنه اقتصاد يرزح أيضا تحت وطأة ديون عامة بحجم 2.7 تريليون دولار، وتمثل حوالي 132% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يمثل أكثر من ضعف الحد الأقصى الذي يحدده الاتحاد الأوروبي والبالغ 60%.

كما سجلت البلاد عجزا قدره 2.3% عام 2017.

ووجه قادة أحزاب الائتلاف الجماهير إلى أن “الأسواق” هي السبب في أزمتهم الاقتصادية وبدأ العامة في إيطاليا يتساءلون عن كيف يُسمح لبروكسيل (مقر الاتحاد الأوروبي) بتحديد سياسات بلدهم ـ وهي النغمة التي دفعت البريطانيين للتصويت على الخروج من الاتحاد (بريكست).

“إيطاليكست”

ضمن خطة التحالف تأتي أيضا مناقشة حجم مساهمة إيطاليا في الموازنة الأوروبية؛ إذ تعد من أكبر المساهمين فيها، هذا فضلا عن معارضتهم للاتفاقيات التجارية الكبرى كتلك التي بين الاتحاد الأوروبي وكندا.

بينما شملت الخطة انتقاد السياسات الأوروبية بشأن الهجرة؛ إذ تعد إيطاليا واليونان أكبر المستقبلين للمهاجرين غير الشرعيين في المنطقة في وقت رفضت فيه دولا أخرى استقبلاهم.

ولا يقتصر الأمر على الجوانب الاقتصادية والمالية بل يمتد إلى الملفات السياسية؛ إذ يدعم التحالف الشعبوي الجديد رفع العقوبات الأوروبية عن روسيا والتي تم تطبيقها عقب احتلال الأخيرة شبه جزية القرم في أوكرانيا عام 2014.

وتتحسب القوى الرئيسية في الاتحاد الأوروبي، ألمانيا وفرنسا، لما يمكن أن تؤدي إليه الفوضى السياسية في إيطاليا، وسط تخوف من تحويل أي انتخابات طارئة لتكون استفتاء على البقاء في الاتحاد الأوروبي ـ أو على الأقل ضمن العملة الموحدة.

وإذا كان الاتحاد الأوروبي استوعب انسحاب بريطانيا، فإن انسحاب إيطاليا، وهي ثالث أكبر اقتصاد في الاتحاد، ربما يعني ببساطة بداية النهاية لليورو وفكرة الاتحاد الأوروبي الأساسية.

ومن شأن تنفيذ الوعود الانتخابية لحركة النجوم الخمس الشعبوية ورابطة الشمال المتشددة أن يزيد من عجز الميزانية بأعلى من الحد المسموح به من قبل البنك المركزي الأوروبي، وهو 3%؛ إذ يمكن أن تصل كلفة خفض الضرائب وزيادة إعانات البطالة وخفض سن التقاعد إلى نحو 100 مليار يورو.

وفي ظل الوضع الحالي للاقتصاد الإيطالي قد تؤدي فجوة العجز الهائلة تلك إلى عدم قدرة إيطاليا على الاستدانة لتمويله، ومن ثم تفقد سندات الخزانة قيمتها وتصل إيطاليا إلى وضع أشبه بأزمة اليونان المالية عام 2010.

لكن حجم الاقتصاد الإيطالي يصل إلى عشرة أضعاف الاقتصاد اليوناني، وبالتالي قد يكون من الصعب إن لم يكن من شبه المستحيل على الاتحاد الأوروبي إنقاذ إيطاليا.

وتواجه أوروبا خطرين بالنسبة لإيطاليا: خروجها من الاتحاد (إيطاليكست) أو إعلان روما الإفلاس (التوقف عن سداد الديون).

وإذا كان الاتحاد الأوروبي تمكن من إنقاذ اليونان حين أفلست أو كادت، فمن الصعب بل ربما يستحيل إنقاذ دولة بحجم إيطاليا.

اهتزاز أسواق العالم

تراجعت مؤشرات أسواق الأسهم الأوروبية، يوم الثلاثاء الموافق 29 مايو، متأثرة بهبوط شديد في بورصة ميلانو وارتفاع العائد على سندات الدين العام الإيطالي.

وهبط سعر صرف سعر الصرف العملة الأوروبية الموحدة، اليورو، لأدنى مستوى في أكثر من ستة أشهر.

وامتدت حمى الهبوط في مؤشرات الأسهم بالأسواق الرئيسية من أوروبا إلى أمريكا ثم آسيا، صباح يوم الأربعاء الموافق 30 مايو، وسط زيادة المخاوف من الفوضى السياسية في إيطاليا وتبعاتها الاقتصادية، خاصة على علاقة إيطاليا بالاتحاد الأوروبي والعملة الموحدة ـ اليورو.

وتتوقع الأسواق ألا يتمكن رئيس الوزراء المكلف كارلو كوتاريللي من ملء الفراغ الناجم عن فشل ائتلاف الأحزاب الشعبوية الفائزة في انتخابات مارس الماضي في تشكيل حكومة، مع اعتراض الرئيس الإيطالي على مرشحها لمنصب وزير الاقتصاد.

إيطاليا وبهذه التوجهات الجديدة تخلق حالة من عدم اليقين وتحديا جديدا أمام وحدة ومستقبل منطقة اليورو.
   

ربما يعجبك أيضا