“البوسطة” وسيلة نقل في شتى أنحاء العالم وآلة تعذيب في فلسطين‎

محمود

رؤية – محمد عبدالكريم

القدس المحتلة – لا يشكل هدير البوسطة، وقعًا رومانسيًّا للأسرى الفلسطينيين الذين تقلهم سيارة نقل الإسرائيلية المسماة البوسطة، فهي تختلف كثيرًا عن هدير بوسطة السيدة فيروز فقد وجدت لتعذيبهم أكثر منها وسيلة نقل.

فلم تجد سلطات الاحتلال وسيلة أكثر بشاعة لكسر إرادة الأسير خالد جمال فراج من بيت لحم، والمضرب عن الطعام منذ نحو 25 يومًا، احتجاجًا على اعتقاله الإداري.

وقالت منى فراج والدة الأسير، اليوم السبت، إن مصير ابنها أضحى مجهولاً بعد تردي وضعه الصحي بشكل كبير ونقله من مكان اعتقاله في سجن النقب الصحراوي، مشيرة إلى أن إدارة سجون الاحتلال، نقلته مساء الأربعاء الماضي، إلى عزل سجن النقب، إلا أن اثنين من الأسرى شاهداه في محطة استقبال الأسرى المنقولين إلى المحاكم او المستشفى (معبار الرملة)، وهما في طريق نقلهما من معتقل “عوفر” إلى النقب.

وأضافت: أن أحد الأسيرين أكد أن فراج بوضع صحي صعب للغاية، ولا يقدر على السير وقد فقد من وزنه الكثير، ويعاني من القيء بشكل متلاحق؛ إذ إن جسده لم يتقبل الماء والملح في ذات الوقت وقد حصل جفاف في كليتيه، إضافة إلى دوخة ووجع رأس ومفاصل وآلام في المعدة، بحسب ما أخبره به فراج.

من جانبه، قال مدير هيئة الأسرى والمحررين في محافظة بيت لحم منقذ أبوعطوان: أن مصلحة السجون تتعامل مع تنقل الأسير المضرب من سجن إلى آخر ومن دون تقديم العلاج له كوسيلة للضغط عليه لفك إضرابه بعد إرباكه بهذه الطريقة واقلاق عائلته على صحته، مشيرًا إلى أن الهيئة تتابع وضعه عن كثب.

أما مدير الدائرة القانونية في مؤسسة الضمير مهند العزة، فقد أشار إلى أن محامي المؤسسة محمود حسان تقدم بطلب التماس إلى “العليا الإسرائيلية” للنظر في وضعه الصحي والقانوني وهم بانتظار الرد على هذا الطلب لتحديد موعد لعقد الجلسة.
 
معاناة فراج يكابدها 5700 أسير، بينهم 700 مريض، و250 طفلًا، و47 أسيرة، حسب إحصاءات نادي الأسير الفلسيطيني، الذي لفت إلى اعتقال قرابة مليون فلسطيني طيلة سنوات الاحتلال، تعرضوا لأشكال مختلفة من عذابات التنقلات بين السجون والمحاكم.

“البوسطة” شر لا بد منه لكل أسير فلسطيني يدخل السجون الإسرائيلية، فهي وسيلة نقل وعذاب وعقاب في آن واحد، يمارس خلالها السجانون الإسرائيليون أقسى أنواع الإهانة والإذلال للأسرى.

والبوسطة عبارة عن حافلة عدلت لتصبح أكثر إيذاء وقساوة، فهي مقسمة إلى ثلاثة أقسام، اثنان منها على شكل زنازين لها أبواب داخلية مصفحة والثالث وهو النصف الأمامي من الحافلة محكم الإغلاق.

قبل ركوب البوسطة بليلة يتم تجميع الأسرى من غرفهم الثابتة إلى غرفة كبيرة في كل سجن يطلق عليها “المعبار”، وفي صبيحة اليوم التالي يخرج كل أسير يديه من فتحة صغيرة في الباب المقفل حتى تكبل بقيود حديدية صلبة مصنوعة في بريطانيا.

بعد ذلك ينقل الأسرى الواحد تلو الآخر إلى البوسطة المصفحة بعد أن تقيد أقدامهم بسلاسل حديدية.

وتفتقر البوسطة إلى التهوية اللهم إلا من بعض النوافذ الصغيرة المعتمة بالأعلى، ولا يسمح للأسرى بالنظر من خلالها أو حتى استنشاق الهواء الطلق ولو خلسة، أما المقاعد فهي عبارة عن صفائح من الحديد المثقوب، وأي توقف مفاجئ للبوسطة يعني سقوط الأسرى أرضا لعدم قدرتهم على التحكم في أنفسهم بسبب القيود.

ذات المرارة والعذاب التي عاشها فراج الأسير الفلسطيني المحرر عمر البرغوثي، من بوابة سجن عوفر الإسرائيلي غربي مدينة رام الله في 11 إبريل/ نيسان بعد أربعة أشهر من الاعتقال الإداري بلا تهمة، على كرسي متحرك، ونقل إلى المستشفى بمركبة إسعاف لمتابعة وضعه الصحي بسبب الالتهابات في رجله، التي عانى منها في السجن غير أن أبوعاصف رفض الذهاب إلى عيادة سجن الرملة للعلاج خوفًا مما سماها رحلة العذاب، موضحًا أن رحلة “البوسطة” (مركبة نقل الأسرى الفلسطينيين) يكابد فيها الأسير البقاء لساعات طويلة، مكبل اليدين والرجلين في قفص حديدي، بلا تهوية، وعلى مقاعد حديدية من دون توفر أدنى الظروف الإنسانية عقب تفتيش مذل.

وعاش عمر البرغوثي 26 عامًا من عمره في السجون الإسرائيلية منذ عام 1978، كما يروي قائلًا: إن معاناة البوسطة من أصعب مراحل السجن وخصوصًا للمريض، إذ لا بد أن يخضع لتفتيش أولي على باب القسم بآلة كشف المعادن، حين يراد نقل الأسير من السجن إلى المحكمة ثم ينقل لمكان آخر ليفتش بآلات حديثة وفي كثير من الأحيان بتفتيش عار ومذل، ويخضع لتفتيش آخر تقوم به قوات النقل قبل الصعود للمركبة.

ولا تتوقف المعاناة عند ذلك إذ احتاج البرغوثي البالغ من العمر 66 عامًا، أثناء إحدى الرحلات في الاعتقالات السابقة، أن يذهب للمرحاض، بسبب مرض الضغط، وأخذه بانتظام دواءً مدرًّا للبول، وبعد مفاوضات مع المجندين ورفض متكرر، جلب أحدهم قنينة فارغة ليتبول أبوعاصف فيها، لكنّ يداه مكبلتان ورجلاه كذلك، وحين استنكر على المجند بقاء يديه مقيدتين أجابه: “فليساعدك زميلك”، ويقول البرغوثي إن مجرد حديثه حول البوسطة يستفز كل جسده، مستذكرًا أسيرًا مسنًّا كان معه في إحدى الرحلات لم يحتمل، وتبوّل على نفسه بعد رفض قوات النقل السماح له بالذهاب للمرحاض، كما يستذكر آلام ارتطام جسده ورأسه أكثر من مرة بالحديد إثر قيام السائق بالضغط على الفرامل بشكل مفاجئ.

ربما يعجبك أيضا