السنة الصينية الجديدة.. “زهور الخوخ” تزين عام الخنزير

هدى اسماعيل

هدى إسماعيل

يحتفل الصينيون في الخامس من فبراير الجاري، بأهم المناسبات التقليدية وأكبرها في الصين، وهو عيد رأس السنة الصينية الجديدة، أو رأس السنة القمرية، ويسمى أيضا بـ”عيد لمّ الشمل“، حيث يلتقي أفراد العائلة بعد فراق قد يمتد لسنة أو أكثر، بسبب ظروف العمل ومواقعه.

رأس السنة هو أهم الاحتفالات الصينية، تبدأ مع بداية أول شهر قمري في السنة الصينية، وينتهي في اليوم الخامس عشر من ذلك الشهر، والذي يتوافق هذا العام مع أول فبراير، تقع السنة القمرية في تواريخ مختلفة كل عام، حيث تختلف بداية السنة القمرية الجديدة كل عام اعتمادا على مراحل القمر، ليبدأ بين 21 يناير و10 فبراير.

عيد الفانوس

يسمى أول يوم باسم “عيد الفانوس”، إذ يُعتقد أن الفوانيس تُنير الطريق للسنة الجديدة، كما أنها ترتبط مع توجيه الأرواح الضائعة إلى مكانها، وتنتهي السنة القمرية الجديدة بانتهاء مهرجان الفوانيس في اليوم الـ15 من الاحتفال، وفي منتصف الليل، يفتح أفراد الأسر الأبواب والنوافذ لإخراج السنة القديمة ودعوة الحظ الجيد والثروات للسنة المقبلة.

الهجرة الكبيرة

هذا العام سيكون عام “الخنزير” طبقًا للتقويم التقليدي الصيني، فيما اعتاد الصينيون على تسمية هذا الاحتفال بعيد “تشونيون” التي تعني حرفيا “الهجرة الكبيرة في الربيع”، وتعد أكبر حركة هجرة أو انتقال موسمي من مكان إلى آخر على كوكب الأرض، حيث تستمر نحو 40 يوما “من 21 يناير حتى أول مارس” يصل خلالها عدد الرحلات عبر الطرق السريعة والسكك الحديدية والمطارات وغيرها من وسائل السفر إلى نحو ثلاثة مليارات رحلة في المجمل.

وتعود حركة الهجرة الكبيرة خلال هذه الفترة إلى أنه خلال العقود الأربعة الماضية، غادر الكثير من الصينيين بلداتهم للبحث عن العمل أو التعليم في أماكن أخرى بعيدة عن مساكنهم، لذا تعود الغالبية العظمى منهم إلى ديارها الأصلية من أجل لمّ شمل العائلة خلال عيد الربيع، والتي عادة ما يستغلها الأهل كفرصة لتزويج أبنائهم انطلاقا من تقديس الصينيين للحياة الأسرية.

2019 عام الخنزير

ترجع تسمية الأعوام الصينية بأسماء حيوانات، إلى أن الأبراج الصينية تنقسم إلى 12 برجًا تمثل 12 حيوانًا، يرجع هذا التقسيم إلى قصة أسطورية تتحدث عن دعوة الإمبراطور السماوي الحيوانات إلى توديعه فلم يأت إلا 12 حيوانًا جميعها حيوانات حقيقية ما عدا حيوان أسطوري واحد وهو التنين، والحيوانات الـ12 هي “الفأر- الثور- النمر- الأرنب- التنين- الأفعى- الحصان- العنزة- القرد- الديك- الكلب- الخنزير”.

زهور الخوخ

تقول واحدة من الأساطير العديدة إنه في الصين القديمة كان يعيش وحش له قرنان اسمه “نيان” “كلمة نيان تعني سنة بالصينية”، وكان وحش مخيف بشكل رهيب يعيش في قاع البحر طوال السنة، ولا يخرج إلى الشاطئ إلا في عشية العام الجديد فيأكل المواشي ويقتل الناس.

وبسبب ذلك، كان الناس في كل القرى يفرون عشية العام الجديد، ويأخذون صغارهم وشيوخهم إلى الجبال البعيدة لتجنب المأساة المتوقعة عندما يخرج “نيان”، إلا أنه ذات يوم، وبينما كان أهل قرية تسمى “زهور الخوخ” يتأهبون للاختباء، جاءهم من خارج القرية متسول عجوز يحمل في يده عصا وفي ذراعه حقيبة، وكانت عيناه تبرقان مثل النجوم ولحيته فضية اللون.

وأسرع القرويون -الذين أصابهم الفزع- للهروب، ومنهم من كان يغلق النوافذ والأبواب، ومنهم من كان يدفع المواشي والأغنام، وسط صياح الناس وصهيل الخيول، دون أن يلحظ أحد هذا المتسول إلا جدة عجوز تعيش في أقصى شرقي القرية أعطت المتسول لقيمات من الطعام، ونصحته بأن يفر إلى الجبال ليتجنب الوحش، غير أن الرجل تحسس لحيته، وقال مبتسما: “إذا سمحتم لي بالبقاء في داركم طوال الليل فسوف أبعد عنكم الوحش“، نظرت إليه العجوز غير مصدقة، وحاولت أن تقنعه بالفرار ولكنه ابتسم من دون رد.

في النهاية لم تستطع الجدة المسنة إلا أن تفر إلى الجبل تاركة دارها، وفي منتصف الليل، اندفع “نيان” إلى القرية، فوجد الأجواء مختلفة تمامًا عما كانت عليه في العام السابق، كانت دار الجدة في شرقي القرية ساطعة الأنوار وأبوابها مغطاة بأوراق حمراء، أصيب الوحش بصدمة فأطلق صرخة عالية غريبة، وحملق بغضب نحو الدار لبرهة، ثم اندفع حتى اقترب من الباب، فجأة انفجرت أصوات مفرقعات، توقف الوحش ولم يجرؤ على التقدم خطوة، بدا واضحا أن ما أخاف الوحش هو اللون الأحمر ولهيب النار والانفجارات، وعندما فتح باب دار الجدة العجوز، خرج المتسول في رداء أحمر ضاحكا في فناء الدار، فأصيب الوحش بالهلع وفر هاربا.

وكان اليوم التالي هو أول يوم في أول شهر قمري، عندما عاد الناس من مخابئهم ووجدوا أن كل شيء على ما يرام، انتابتهم الدهشة، أدركت الجدة العجوز ما حدث، وأخبرت أهل القرية عن وعد المتسول، تدفق القرويون إلى دار الجدة فرأوا الأبواب المغطاة بالأوراق الحمراء وأكوام الخيزران ما زالت مشتعلة وتطلق أصوات فرقعة في الفناء، وبضع شمعات ما زالت مضيئة في الغرف.

انتشرت القصة وتحدث الناس عنها، واعتقدوا أن ذلك الرجل المتسول كائن سماوي جاء ليبعد عنهم المآسي ويجلب لهم البركات، وأن الأوراق الحمراء واللباس الأحمر والشمع الأحمر والألعاب النارية المتفجرة هي الأدوات السحرية لإبعاد الوحش “نيان”.

ومنذ ذلك الحين، وفي عشية كل عام صيني جديد، صارت كل عائلة تلصق على باب منزلها أبيات من الشعر مكتوبة على أوراق حمراء، وتطلق الألعاب النارية وتجعل البيوت مضيئة وتبقى ساهرة، وفي الصباح الباكر لليوم الأول من العام الجديد، يرتدي الجميع ملابسهم وقبعاتهم الجديدة ويذهبون إلى أقاربهم وأصدقائهم لتهنئتهم بالعام الجديد.

إله المطبخ

وحيث إن مهرجان الربيع التقليدي يستمر لأكثر من شهر، فهناك إعداد مسبق لهذا المهرجان؛ إذ إن الناس تقوم في الأسبوع الأخير من الشهر الثاني عشر من التقويم القمري، بتنظيف المنزل، اعتقادا منهم بأن معظم الآلهة تعود إلى الجنة لتقديم تقرير عن أعمالهم مع نهاية العام، لذا يمكن للناس أن تنظف المنزل دون إزعاجهم أو الإساءة إليهم.

ويتم خلال الأسبوع الأخير من “لا يويه” الاحتفال بمهرجان “إله المطبخ” الذي يراقب سلوكيات الأسرة من حيث المأكل والشراب طوال العام، حيث تقوم الأسرة بتقديم قرابين خلال هذا الاحتفال تتضمن حرق الصورة القديمة لإله المطبخ ولصق صورة جديدة له، وتقديم قرابين تتضمن رأس خنزير وسمكة وفطيرة وفواكه متنوعة، حتى يقدم الإله تقريرا جيدا عن الأسرة عند صعوده للجنة لتقديم تقريره السنوي.

كما يقوم الصينيون -خلال هذا الأسبوع- بطهي اللحوم، وغسل الملابس والاستحمام، في صورة رمزية تعني غسل كل الحظ السيء والأمراض المحتملة خلال السنة القمرية الجديدة القادمة، مع توجه الناس قبل يوم من عشية رأس السنة القمرية إلى مقابر أسلافهم وحرق البخور وأوراق الجوس تعبيرا عما يطلقون عليه “شياو” أي طاعة الوالدين.

ولا يضاهي الصين أحد في الاحتفال بالألعاب النارية، فالصين من كبار منتجي الألعاب النارية في العالم، إن لم تكن الأكبر، ففي السنة القمرية الجديدة تضيء الصين في منتصف الليل ألعابًا نارية لا يُضاء مثلها في أي بلد آخر في العالم.

ربما يعجبك أيضا