“الكومنولث”.. هل يشكل طوق نجاة لبريطانيا ما بعد “البريكست”؟

أماني ربيع

أماني ربيع

في الوقت الذي تتفاوض فيه بريطانيا على خروجها من الاتحاد الأوروبي، تحاول لندن الدفع برؤية “بريطانيا العالمية”، وإعادة إحياء أمجاد المملكة المتحدة على المسرح العالمي عبر “دول كومنولث”، المكونة من دول في كل قارة تقريبا.

ويصف المحللون مؤسسات الكومنولث بأنها عتيقة وغير فعالة، وانتقد البعض انتهاكات حقوق الإنسان والحكومات المعادية للديمقراطية داخل دول الكومنولث، لكن هناك من يرى أن  الاقتصادات سريعة النمو في الكومنولث مدعومة بالتاريخ المشترك واللغة المشتركة توفر منصة مثالية لبريطانيا من أجل دفع عجلة أجندة التجارة وتعميق الروابط مع دول ذات التفكير مماثل.

ما هي دول كومنولث؟

الكومنولث هو رابطة تتألف من 53 دولة من الأراضي التي كانت تابعة للإمبراطورية البريطانية، وانضمت في السنوات الأخيرة عدة بلدان لا تربطها علاقات تاريخية ببريطانيا مثل رواندا وموزامبيق، وهذه البلدان التي تشمل بريطانيا وأستراليا، كندا، الهند، ماليزيا، نيجيريا، باكستان، جنوب إفريقيا، ودول أخرى في آسيا وأفريقيا، تُمثل حوالي 2.4 مليار شخص بما يعادل ثلث سكان العالم، ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي للدول الأعضاء نحو 10 تريليون دولار ما يعادل 14٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

وسعت العديد من المستعمرات البريطانية السابقة إلى البقاء جزءًا من الكومنولث دون أن تخضع بشكل قانوني للتاج.
 
رئيس الكومنولث هو الملكة إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا. وأصدر الملك جورج السادس إعلان لندن لعام 1949 لتأسيس الكومنولث في شكله الحالي الملك جورج السادس.

وبعيدا عن الدول الخمسة عشر خارج المملكة المتحدة التي لا يزال التاج البريطاني فيها رئيسًا للدولة قانونيًا، سعت العديد من المستعمرات البريطانية السابقة بقيادة الهند إلى البقاء جزءًا من الكومنولث والاستفادة من استمرار الارتباط مع بريطانيا دون أن تخضع قانونًا للتاج البريطاني.

والكومنولث منظمة حكومية دولية قائمة على الإجماع ولها أهداف كثيرة بما في ذلك التنمية الاقتصادية وبناء الديمقراطية وتشجيع التجارة الحرة والحد من الفقر وبرامج الرعاية الصحية والتبادل الثقافي، ويرأس عملياتها اليومية أمين عام -وهي حالياً باتريشيا سكوتلاند في المملكة المتحدة- التي يتم تعيينها من قبل قادة الكومنولث إلى ما لا يزيد عن فترتين مدة كل منهما أربع سنوات.

“كومنولث الأمل” بين مؤيد ومعارض

وعلى الرغم من هذه الإجراءات سلط بعض المحللين الضوء على الهيكل المؤسسي الضعيف للكومنولث حيث لا تملك سوى آليات ملموسة قليلة للتأثيرعلى سلوك أعضائها، وتعتمد في كثير من الأحيان على ضغط الأصدقاء والسلطة الأخلاقية، كما تتهم هيئات مراقبة حقوق الإنسان المجموعة بأن لديها سجل من الإغفال عن انتهاكات حقوق الإنسان بما في ذلك القوانين المناهضة للمثليين والمثليين وثنائيي الجنس والمتحولين جنسيًّا في جامبيا وملاوي والفظائع الواسعة النطاق على مدار الحرب الأهلية في سريلانكا وهي البلد الذي استضاف قمة الكومنولث في عام 2013.

ويقول المشككون: إن المجموعة أصبحت عتيقة بشكل متزايد مع تضاؤل ​​القيادة العالمية لبريطانيا، وبالنسبة لجيمس أستييل من مجلة “الإيكونوميست” فإن مستوى تمويل الكومنولث متواضع نسبيا، ففي عام 2017، بلغت ميزانية هيئة المساعدة التقنية الرئيسية في الكومنولث، بالإضافة إلى صندوق الشباب وبقية تمويل الأمانة العامة، حوالي 40 مليون دولار، بينما ينفق الاتحاد الأوروبي أكثر من 100 مليار دولار سنوياً على التنمية الاقتصادية وغيرها من المساعدات.

لكن طالما اعتبر مؤيدو “بريكست” الكومنولث امتدادا طبيعيا لبريطانيا عكس الاتحاد الأوروبي، وذلك على أساس الروابط التاريخية، والاشتراك في نفس اللغة، بل وحتى الأوضاع القضائية، وتقول رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، إن عائلة الكومنولث تمثّل فعليا خُمس التجارة العالمية، ويجب مواصلة العمل بناء على هذه الأسس القوية بتعزيز الروابط التجارية القائمة، وتأسيس روابط جديدة أخرى.

ومع استمرار المفاوضات بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يرى بعض صانعي السياسة إن مستقبل بريطانيا بعد الاتحاد الأوروبي يجب أن يتمثل في تعميق التجارة والهجرة مع الكومنولث.

ويرى بوريس جونسون، وزير خارجية بريطانيا، أن معدلات النمو المرتفعة في الكومنولث مقارنة مع الاتحاد الأوروبي توفر فرصة اقتصادية أكبر، حيث نمت دول الكومنولث بمعدل بلغ 4.4% على مدى العقود الأربعة الماضية، مقارنة مع 2% للاتحاد الأوروبي، فضلا عن اقتصادات الكومنولث الكبيرة مثل الهند التي تحقق نموا سنويا قدره 7%.

وأشار التقرير التجاري للمنظمة إلى أن التجارة الداخلية بين دول الكومنولث تنمو بنسبة 17% على الأقل ستصل إلى 700 مليار دولار بحلول 2020.

ووفقا لهذه الرؤية، سيمنح بريكست بريطانيا الحرية في عقد الصفقات التجارية مع هذه المناطق سريعة النمو في العالم، كما سيسمح بتعزيز الهجرة ذات المهارات العالية من دول الكومنولث وتجنب الهجرة غير المحدودة من أوروبا كما تتطلب قواعد الاتحاد الأوروبي.

لكن هناك محللون آخرون يشككون في أن الارتباط بالكومنولث قد يمكن أن يُضاهي مزايا عضوية الاتحاد الأوروبي،  حيث يذهب ما يقرب من 42% من جميع صادرات بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي، ولا توجد دول في الكومنولث ضمن أكبر 10 شركاء تجاريين لبريطانيا.

ووصفت مجلة “ذي إيكونوميست” مسألة تجارة بريطانيا مع الكومنولث يمكن أن تحل مكان التجارة مع الاتحاد الأوروبي بـ”الوهم كبير”، مؤكدة أن “الكومنولث لن تنقذ بريطانيا من بريكست”.

وتشير أرقام تجارة البضائع والخدمات في 2016 إلى أن حجم تجارة بريطانيا مع 15 دولة، تسع منها في الاتحاد الأوروبي، يفوق حجم تجارتها مع أكبر شريكين لها في الكومنولث، كندا والهند.

ويوضح خبراء التجارة، أن الأبحاث الاقتصادية تثبت أن القرب الجغرافي من بين أهم العوامل التي تشكل محددا للتبادل التجاري، ما يعني أنه من المرجح أن تظل دول الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأكثر طبيعية لبريطانيا، كما يشيرون أيضًا إلى أن العديد من دول الكومنولث تتمتع باقتصادات تتمتع بحماية عالية، وأن تخفيض الحواجز التجارية قد يكون أكثر صعوبة مما يتوقعه مؤيدو بريكست، وهناك مثال على ذلك هو فشل الاتحاد الأوروبي حتى الآن في تأمين صفقة تجارة حرة مع الهند، وبناء عليه يرى المحللون أنه لا يوجد سبب يجعل بريطانيا وحدها أفضل حالاً.

ومن المقرر أن تخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في مارس 2019، وبالطبع ستسعى إلى إبرام اتفاقيات تجارية جديدة خارج السوق الأوروبية الموحدة، وتنظر بعين الأمل إلى دول امبراطوريتها السابقة للتعويض عن أي تراجع محتمل.

ربما يعجبك أيضا