الموت أولاً … تعرف على فلسفة الجهاديون الجُدد

أميرة رضا

ترجمة بواسطة – بسام عباس

كيف تمكن تنظيم داعش من حشد هذه الأعداد الكبيرة في العالم العربي واجتذاب عشرات الآلاف من المقاتلين الأجانب، فضلاً عن عدد لا يحصى من الأنصار والمؤيدين على الانترنت؟

في كتابه " الجهاد والموت"  يناقش عالم الاجتماع الفرنسي الشهير أوليفر روي أصول داعش وآفاق المستقبل، ويقول في حين أن الإرهاب والجهاد ظاهرتان مألوفتان، فإن السعي المتعمد لتنفيذ (عمليات انتحارية) تسبب في نشوء نوع جديد من العنف الراديكالي. وبعبارة أخرى، إننا لا نواجه التطرف الإسلامي، ولكن نواجه "أسلمة التطرف".

 فالعلاقة بين الجهاد والموت هي تشريح مختصر للسردية المتطورة للغاية التي روج لهه داعش، حيث أعاد صياغة أسطورة الخلافة من خلال قصة حديثة من البطولات والموت من أجل تحقيق تلك الأسطورة.

ووفقا لروي، فإن جمالية هذا العنف المعاصر أقل جذورًا في تاريخ الفكر الإسلامي، أكثر مما هو راسخ في ثقافة الشباب التي أصبحت عالمية وعنيفة.
وهنا قراءة سريعة واستعراض لهذا الكتاب الذي صدر في 6/4/2017 عن دار هارست للنشر
 
خلال العقدين الماضيين تبدل شكل الجهاديين بشكل كبير، فقديماً كان الشخص الإرهابي أو الجهادي يخطط لتفجير مكان ما ويترك قنبلة وراءه، دون أن يضحي بحياته، ولكن الإرهابيين الآن يتعمدون موتهم، باعتبار أن حصولهم على الموت جزء لا يتجزأ من شعورهم بنجاح عملياتهم. ما يهم حقاً هو أن هذه العقلية، التي ترسخ لها الجماعات الإرهابية، مثل: القاعدة وداعش، تجعل الإرهاب العالمي أكثر خطورة وفتكاً، فحرص الإرهابيين على حياتهم لم يعد موجوداً أصلا، وبالتالي فهم يحاولون زيادة عدد الوفيات التي يصطحبوها معهم في رحلة الموت بأكبر عدد ممكن.

هناك شيء جديد حول عنف الإرهاب الجهادي في العقدين الماضيين. فالإرهاب والجهاد موجودان منذ سنوات عديدة، كما أن أشكال الإرهاب "المعولم" – التي تستهدف مواقع رمزية للغاية أو مدنيين أبرياء، دون اعتبار للحدود الوطنية – تعود على الأقل إلى ما كانت عليه الحركة الفوضوية في أواخر القرن التاسع عشر. وما لم يسبق له مثيل هو الطريقة التي يتبعها الإرهابيون الآن في موتهم.

فجميع العمليات التي نفذت في فرنسا خلال العشرين عاماً الماضي من خالد كيلكال، زعيم الخلية الأولى التي خططت لتفجير مترو باريس عام 1995، إلى الهجوم القاتل على باتكلان عام 2015، انتهت بقتل المنفذين، إما بالأحزمة الناسفة أو المواجهات مع الشرطة. فالموت في العمليات الإرهابية لم يعد محتملاً أو نتيجة غير سعيدة للعملية، ولكنه هدف أو كما قال محمد مراح عام 2012 الذي قتل حاخام وثلاثة أطفال بعد مهاجمته مدرسة يهودية في تولوز "نحب الموت وتحبون الحياة"، وهي مقولة معروفة عن أسامة بن لادن "زعيم القاعدة" الراحل. والملاحظة نفسها يمكن رصدها لدى مقاتلي تنظيم داعش، فقد أصبحت الهجمات الانتحارية الهدف الأسمى لهم.

وهو تطور حديث مقارنة مع العمليات الإرهابية التي ارتكبت في فرنسا في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، سواء كانت لهم صلة بالشرق الأوسط أم لا، فقد خطط المهاجمون بعناية لهروبهم. فالدين الإسلامي، مع أنه يؤكد على قدر الشهيد الذي يموت في سبيل الله، إلا أنه لا يدعو إلى قتل النفس، لأن ذلك يتعارض مع إرادة الله. ولذلك، لماذا إذًا، طوال العقدين الماضيين، اختار الإرهابيون الموت؟ وماذا عن التشدد الإسلامي المعاصر؟ وماذا يكشف هذا عن طبيعة المجتمعات الغربية؟ 

والسؤال الأخير هو أكثر أهمية؛ لأن الخيارات المتعلقة بكون الحركة الجهادية في الغرب والمغرب العربي هي حركة شبابية تشكلت بشكل مستقل عن الممارسة الدينية للعائلة والثقافة ومغروسة أكثر في الثقافة الشبابية. وهذا الجانب أمر جوهري في الحركة الجهادية الحديثة.

وفي كل مرة يظهر فيها هذا الحقد الجيلي فإنه يأخذ شكل الثقافة التدميرية. فلا يتم تدمير بيوت العبادة والأيقونات والكتب فقط بل الذاكرة أي "بدء صفحة جديدة". وهذا هدف مشترك بين ماوتسي تونغ والخمير الحمر وتنظيم داعش. وكما كتب أحد الجهاديين البريطانيين "عندما ننزل إلى شوارعكم في لندن وباريس وواشنطن فلن نسفك دماءكم بل سندمر أصنامكم ونمحو تاريخكم ونحول أبناءكم عن ديانتكم ونجعلهم يدافعون عن اسمنا ويلعنون أجدادهم".

والتدمير ليس شأن كل الثورات التي تجذب عادة طاقة وحماس الشباب، فالثورة البلشفية قررت وضع التاريخ في المتاحف فيما لم تفكر الثورة الإسلامية في تدمير الآثار الفارسية.

وهذا البعد التدميري الذاتي ليس له علاقة بسياسة الشرق الأوسط. بل هو نتائج عكسية كاستراتيجية. فعلى الرغم من زعم تنظيم داعش إقامة "الخلافة" إلا أن عدميته تقف أمام التوصل لحل سياسي أو الدخول في مفاوضات أو بناء مجتمع مستقرن داخل حدود معترف بها.  

ومن هنا تبدو الخلافة كأسطورة واستحالة استراتيجية، قرر أتباعها الموت لأجلها بدلاً من تكريس وقتهم لتحسين حياة السكان المحليين، فلا مكان لأي منظور سياسي، ولا مستقبل مشرق، ولا حتى مكان للصلاة في سلام. ورغم كون الخلافة جزءًا من الخيال الديني الإسلامي، إلا أن الموت ليس كذلك.

كما أن الإرهاب الانتحاري لا يعتبر وسيلة فعالة من الناحية العسكرية، فرغم أن هناك قدر من العقلانية في الإرهاب "البسيط" – الذي يتسبب فيه عدد قليل من الأفراد في إلحاق أضرار جسيمة بعدو أقوى بكثير – إلا أن هذه العقلانية غائبة تماما في الهجمات الانتحارية. فاستخدام المقاتلين مرة واحدة فقط هو أمر خال من العقلانية. فالعلميات الانتحارية لن تجعل المجتمعات الغربية تستسلم بل ستؤدي لردة فعل أقوى منها. ولهذا السبب يقتل هذا الشكل من الإرهاب اليوم مسلمين أكثر مما يقتل غربيين.

إن الارتباط الممنهج بالموت هو أحد مفاتيح فهم التطرف الحديث: فالبعد العدمي هو أمر مركزي. والمثير في هذا هو فكرة الثورة النقية. فالعنف لم يعد وسيلة. بل أصبح غاية في حد ذاته.

وهذه ليست القصة كلها: فمن الممكن تصور أن هناك أشكال أخرى من الإرهاب "العقلاني" ربما تظهر قريبا على الساحة. ومن الممكن أيضًا أن يكون هذا الشكل من أشكال الإرهاب حالة مؤقتة.

ولا يعني فصل أسباب نشوء ظاهرة تنظيم داعش عن السياسات في الشرق الأوسط، ولن يؤدي تغييرها إلى تغيير العناصر الأساسية للوضع. فهو لم يبتدع الإرهاب، فالتنظيم خرج من الإرهاب الموجود بالفعل، إلا أن عبقريته تكمن في أنه منح المقاتلين والمتطوعين رؤية ترضي تطلعاتهم. ومن يهمه هم الذين يتطلعون للموت حتى يصبحوا جزءًا من السردية الجهادية العالمية.

ولهذا فنحن في حاجة إلى نهج جديد للتعامل مع ظاهرة داعش لمحاولة فهم العنف الإسلامي المعاصر إلى جانب أنواع أخرى من العنف والراديكالية والتي تشبه الثورات الجيلية والتدمير الذاتي، والانفصال الراديكالي مع المجتمع، والمؤمنون بجمالية العنف ونهاية العالم.

ينسى الكثيرون أن الإرهاب الانتحاري ومنظمات مثل القاعدة وداعش هي أمور جديدة في تاريخ العالم الإسلامي، ولا يمكن تفسيرها بظهور الأصولية، يجب أن نفهم أن الإرهاب لا ينشأ عن التطرف الإسلامي ، وإنما من أسلمة التطرف.
وتدفعنا " أسلمة التطرف" إلى تساؤل مهم حول فهم الكيفية التي وجد فيها شباب متمردون في الإسلام نموذجًا لثورتهم الكاملة، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه لا يذكر أن الأصولية الإسلامية قد تطورت لأكثر من 40 عامًا.

كان هناك انتقاد صريح لهذه الفرضية وأن هناك من اتهمه بتجاهل الأسباب الأساسية التي أدت للتشدد وهي الإرث الاستعماري والتدخل العسكري الغربي في الشرق الأوسط والاستبعاد الاجتماعي للمهاجرين وأطفالهم. ومن جهة أخرى، اتهمت بتجاهل عوامل مثل السلفية ودورها في دفع الظاهرة. وإنني أدرك تماما كل هذه الأبعاد؛ إنني ببساطة أقول إنها غير كافية لحساب الظواهر ، لأنه لا توجد صلة سببية يمكن العثور عليها على أساس البيانات التجريبية المتاحة لدينا.

إن التطرف العنيف ليس نتاجًا للتشدد الديني، حتى لو أخذ الشكل والمسار نفسه في كثير من الأحيان. فالأصولية الدينية موجودة، وتطرح مشاكل اجتماعية كبيرة، لأنها ترفض الخيارات الشخصية والحرية الفردية، لكنها لا تقود بالضرورة إلى العنف السياسي.

إن الاعتراض على أن الراديكالية جاءت بدافع "المعاناة" التي يعاني منها المسلمون الذين تم استعمارهم من قبل، أو ضحايا العنصرية أو أي نوع آخر من التمييز والقصف الأمريكي والطائرات بدون طيار والاستشراق وما إلى ذلك، وهو ما يعني أن الثورة يقودها في المقام الأول هؤلاء الضحايا. لكن العلاقة بين الراديكاليين والضحايا أكثر "وهمية" من الواقعية.

 فمن يقوم بالهجمات ضد أوروبا ليسوا من سكان غزة أو ليبيا أو أفغانستان، وليسوا بالضرورة هم الأفقر أو المهانين أو الأقل اندماجاً. فحقيقة أن نسبة 25% هم مسلمون جدد يكشف أن الربط بين الراديكاليين «وشعوبهم» هي أيضًا بناء وهمي إلى حد كبير.

فلا يظهر الثوريون من بين الطبقات المسحوقة وعادة ما لا يكشف الإرهابيون عن قصصهم بل يتحدثون عن قصص ومعاناة الآخرين. فالفلسطينيون ليسوا من أطلق النار على مسرح باتكلان.

فحتى منتصف التسعينيات من القرن الماضي جاء معظم الجهاديين الدوليين من الشرق الأوسط وممن قاتلوا في أفغانستان قبل سقوط النظام الشيوعي هناك في عام 1992. وبعد ذلك عادوا إلى بلادهم وشاركوا في النزاعات داخل بلادهم. وكان هذا هو الجيل الذي شن أول الهجمات "المعولمة" (أول محاولة لمركز التجارة العالمي في نيويورك في عام 1993 ، وضد السفارات الأمريكية في شرق أفريقيا في عام 1998، والمدمرة البحرية الأمريكية كول في عام 2000 ). وكان هذا الجيل تحت إشراف جهاديين مثل أسامة بن لادن ورمزي يوسف وخالد شيخ محمد. ولكن منذ عام 1995، جاء بعدهم سلالة جديدة متطورة والتي عرفت في الغرب باسم "الإرهابي المحلي".

 فمن هم هؤلاء الجهاديون الجدد؟ نعرف الكثير من أسمائهم بسبب اكتشاف الشرطة لمرتكبي تلك الهجمات في أوروبا والولايات المتحدة، ولدينا أيضًا جميع المعلومات عن السيرة الذاتية التي جمعها الصحفيون. فليست هناك حاجة للشروع في العمل الميداني المضني لمعرفة مسارات الإرهابيين. فجميع بياناتهم وملامحهم متوفرة.
 
ولدينا بالتأكيد معلومات كثيرة عن الإرهابيين الذين يعملون في أوروبا أكثر من الذين يذهبون للقتال في الشرق الأوسط ولا يعودون أبداً. ولكن كما أظهرت الدراسات التي أجريت حول الجهاديين الفرنسيين الذين لقوا مصرعهم في سوريا، هناك أوجه تشابه كثيرة بين هذه الجماعات. وسأركز في المقام الأول على الفرنسيين البلجيكيين، الذين يزودون معظم صفوف الجهاديين الغربيين. ومع ذلك فلدى ألمانيا وبريطانيا والدنمارك وهولندا أيضًا أعداد كبيرة على الخطوط الأمامية.
ليس هناك ملف إرهابي قياسي، ولكن هناك خصائص متكررة، فالاستنتاج الأول الذي يمكن استخلاصه هو أنه لم يطرأ أي تغير في السير الذاتية والتجارب، منذ خالد كيلكال أول إرهابي محلي إلى الأخوين كواشي منفذي هجوم تشارلي إيبدو عام 2015. فهم من الجيل الثاني مندمجون ومروا بتجربة جريمة وتشدد ومن ثم قاموا بهجمات قتلوا فيه.

ومن السمات الأخرى التي تشترك فيها جميع الدول الغربية، أن المتطرفين هم تقريبًا من "المسلمين التائبين" الذين عاشوا حياة من الشرب والنساء والمخدرات ثم اكتشفوا دينهم عن قصد او غير قصد من خلال السجن أو بتأثير من الجماعة ـ أصدقاء، إخوة أو أقارب أو معارف من السجن. وهناك ملمح آخر يتسم به هؤلاء وهو أنهم إما يتامى أو من عائلات محطمة.

وهم لا يثورون على العائلة ولكن على المجتمع وما تعرضوا له من إهانات والتنازلات المقدمة للمجتمع، وما يعتبرونه جهلهم الديني. ومعظم الجهاديين المحليين يعرفون الثقافة الشبابية ـ نساء، خمر ومخدرات ونوادٍ ليلية، و ما يقرب من 50٪ من الجهاديين في فرنسا، وفقا لقاعدة بياناتي، لديهم تاريخ في الجريمة.
وكما كتب الجهادي السابق ديفيد فالات ، يمكن تلخيص خطاب الدعاة الراديكاليين أساسًا على النحو التالي: "إن أبي والده هو ما تركه المستعمرون وراءه، وإسلام أولئك الذين ينزلون ويطيعون. إسلامنا هو الإسلام المقاتلين والدم والمقاومة".

كما أنهم ارتبطوا بحروب العصابات في أحيائهم ويتحدثون بالضرورة لغة الحي الذي نشأوا فيه ولا علاقة لهم بالحياة الدينية في مجتمعاتهم ولا يعرف عنهم ارتياد المساجد ولم يكن أي منهم عضواً في جماعة الإخوان المسلمين او عمل بجماعات خيرية ولا انضم لحركة التضامن مع الشعب الفلسطيني كما أن أياً منهم لم يشارك في أحداث الشغب عام 2005 في فرنسا.وفي المحصلة لم يميلوا نحو التشدد أولًا من خلال جماعة قبل تحولهم للإرهاب.

ويناقش روي فكرته عن اختيار هؤلاء الجهاديين العنف الراديكالي والسبب الذي ربطوه بالإسلام. وقاموا بعمل هذا ليس لعدم فهم الدين أو تم التلاعب بهم بل لأنهم يريدون أن يكونوا كذلك.

وبعيدًا عن الخصائص المشتركة التي نوقشت أعلاه، لا يوجد لمحة اجتماعية واقتصادية نموذجية للمتطرف. وهناك تفسير شعبي وبسيط جدا يرى أن الإرهاب كان نتيجة للاندماج غير الناجح– وبالتالي نذير حرب أهلية قادمة – متجاهلاً جماهير المسلمين الملتزمين دينيًّا واجتماعيا. على سبيل المثال، فهناك حقيقة لا يمكن تصديقها وهي أن في فرنسا الكثير من المسلمين المسجلين في سجلات قوات الشرطة والأمن أكثر من المشاركين في الجهاد.

ومن المهم جدًا التمييز هنا بين نسخة الإسلام التي يعتنقها داعش، والتي تخالف التقاليد المنهجية في تفسير كلمات النبي محمد، وتستند ظاهريا على عمل "علماء" وبين نسخة إسلام الجهاديين الذين يدَّعون الولاء لداعش، والتي تدور حول رؤية البطولة والعنف في العصر الحديث.

فالمفاهيم الكتابية التي تملأ صفحات مجلتي دابق الإنجليزية ودار الإسلام الفرنسية، التي يصرهما داعش، ليستا سببًا للتطرف. فهي تساعد على توفير مبرر ديني لعنف المتطرفين. وعندما يتحدث الجهاديون الشباب عن "الحقيقة"، فهم لا يتحدثون أبدًا عن المعرفة الخطابية. بل عن يقينهم، وأحيانا يدعمون حديثهم بمقولات لشيوخ لم يقرأوها أبدًا.

كذلك لا يتحدث المتطرفون صراحة حول الحقبة الاستعمارية. فهم يرفضون أو يتجاهلون جميع الحركات السياسية والدينية، ولا ينسجمون مع نضال آبائهم. ولا يعود أي منهم تقريبا إلى بلدانهم الأصلية من أجل الجهاد. ومن الجدير بالذكر أن جميع الجهاديين، سواء الذين ولدوا مسلمين أو اعتنقوا الإسلام في كبرهم، وفق دراستي، لم يكونوا جزء من أي حركة مؤيدة للفلسطينيين أو ينتمون إلى أي نوع من جمعيات مناهضة الإسلاموفوبيا، أو حتى منظمة غير حكومية إسلامية. ويقرأ هؤلاء الشباب المتطرفون النصوص الدينية باللغتين الفرنسية أو الإنجليزية التي يتم تداولها عبر الإنترنت، ولكنهم لا يستطيعون القراءة باللغة العربية.

ومن الغريب أن المدافعين عن تنظيم داعش لا يتحدثون أبدًا عن الشريعة ولا عن المجتمع الإسلامي الذي سيقام تحت رعاية داعش. أولئك الذين يقولون أنهم ذهبوا إلى سوريا لأنهم يريدون "العيش في مجتمع إسلامي حقيقي" هم عادة من العائدين الذين ينكرون المشاركة في العنف أثناء تواجدهم هناك، كما لو كانت الرغبة في الجهاد والرغبة في العيش وفقًا للشريعة الإسلامية غير متوافقتان. وهم، بطريقة ما، ولأن العيش في مجتمع إسلامي لا يكترث له الجهاديون، لا يذهبون إلى الشرق الأوسط للحياة، بل للموت. وهذا هو التناقض، فهؤلاء الشباب المتطرفين ليسوا مثاليين، بل هم عدميون.

وللأسف فالقاتل الجماعي الانتحاري أصبح شخصية معاصرة عامة. والمثال النموذجي على ذلك هو ذلك الانتحاري الذي يذهب إلى مدرسته مدججًا بالسلاح، ويقتل عشوائيا أكبر عدد ممكن من الناس، ثم يقتل نفسه أو تقتله الشرطة. وحدث في الولايات المتحدة نحو 50 هجوما أو محاولة من هذا النوع بين عامي 1999 و 2016.

والحدود بين القاتل الجماعي الانتحاري من هذا النوع والمقاتل في تنظيم داعش حدود ضبابية مفهومة. فعلى سبيل المثال، وصف قاتل نيس بأنه مريض عقليًّا، وفي وقت لاحق وصف بأنه متشدد داعشي الذي خطط لجريمته. ولكن هذه الأفكار ليست مقصورة علىه.

والهدف هنا ليس الخلط بين كل هذه الفئات. فكل منها محدد، ولكن هناك خيط مشترك لافت للنظر يمر عبر عمليات القتل الجماعي التي يرتكبها الشباب الساخطون الانتحاريون. فما تقدمه التنظيمات المتطرفة مثل تنظيم القاعدة وداعش هو النص.

تكمن قوة داعش في اللعب على مخاوفنا. والخوف الرئيسي هو الخوف من الإسلام. التأثير الاستراتيجي الوحيد للهجمات هو تأثيرها النفسي. فهي لا تؤثر على القدرات العسكرية الغربية؛ بل إنها تعززها، بمنع تخفيض الميزانية العسكرية. ولهذه الهجمات أثر اقتصادي هامشي، ولا تعرض مؤسساتنا الديمقراطية للخطر. والخوف كل الخوف من أن تنهار مجتمعاتنا وتندلع حرب أهلية بين المسلمين و "غير المسلمين".

ولنسأل أنفسنا ماذا يريد الإسلام، ما حقيقة الإسلام، كما أن الصراعات هي قبل أي شيء تدور بين المسلمين أنفسهم؛ أن مفتاح هذه الصراعات هو سياسي في الأساس، وأن القضايا الوطنية تظل مفتاحًا للشرق الأوسط، والقضايا الاجتماعية هي مفتاح التكامل.

ومن المؤكد أن داعش، مثل تنظيم القاعدة، قد وضع نظاما وهميا هائلا يصور نفسه بأنه سيغزو الغرب ويهزمه. وهذا مجرد خيال ضخم، مثل كل الأيديولوجيات "المليارية ".

ولكن، على عكس الأيديولوجيات العلمانية الرئيسية في القرن العشرين، فالجهادية لديها قاعدة اجتماعية وسياسية ضيقة جدا. وكما رأينا، فإنه لا يحشد الجماهير، بل يستميل فقط أولئك المهمشين.

هناك رغبة أن نرى في الإسلام أيديولوجية متطرفة تحشد الجماهير في العالم الإسلامي، تماما كما كانت النازية قادرة على حشد قطاعات كبيرة من الألمان. ولكن الواقع هو أن ادعاء داعش بإقامة الخلافة العالمية هو ادعاء وهمي، وهذا هو السبب في أن التنظيم الإرهابي الشباب العنيف الذي لديه أوهام العظمة.

للاطلاع على الموضوع الأصلى اضغط هنا

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا