بالونات غزة.. رسائل حارقة لفرض الاتفاقات‎

محمود

رؤية – محمد عبد الكريم

غزة – العناية الإلهية هي التي حالت دون انفجار صاروخ أطلقته طائرة حربية إسرائيلية داخل مدرسة ابتدائية بمخيم الشاطئ، خلال قصفها أهداف في قطاع غزة فجر اليوم.

إرادة القدر لم تخالف إرادة طرفي الصراع (المقاومة والاحتلال) فرغم تبادل الرسائل بين الطرفين بالنيران إلا أنهما لا يرغبان في أن تزداد حدة الرسائل إلى حرب أشد ضراوة.

وعلى الرغم من تهديدات رئيس وزراء العدوّ بنيامين نتنياهو، ونائبه وزير الأمن بيني غانتس، بالردّ بقوة على قطاع غزة إن لم تتوقّف عمليات إطلاق البالونات الحارقة باتجاه مستوطنات غلاف القطاع، إلا أن البالونات المنطلقة من القطاع واصلت نشر حرائقها في مستوطنات غلاف غزة، لتزيد عن الـ90 حريقا خلال اليومين الماضيين.

فصائل المقاومة تسعى لفرض الاتفاقيات لتخفيف الحصار

على إثر تنصّل العدو من التزاماته بموجب التفاهمات المبرمة مع فصائل المقاومة في غزة، عادت الفصائل إلى تفعيل أدوات الضعط ضد الاحتلال، مُبلغةً الوسطاء أنه لا هدوء مع استمرار التضييق على أهالي القطاع، بعد أسابيع من الهدوء المتبادل، تزامنا مع اقتراب موعد انتهاء المنحة القطرية، وسط غياب أيّ بوادر إلى نيّة القطريين تجديدها لستّة أشهر أخرى كما جرت العادة خلال العامين الماضيين.

وتنتهي المنحة أواخر نهاية الشهر الجاري، بعد تجديدها – مع تقليصها – من قِبَل أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، في مارس الماضي.

طلبت من الوسطاء ممارسة مزيد من الضغوط على سلطات الاحتلال من أجل إرغامها على رفع الحصار عن غزة، والالتزام بتفاهمات التهدئة التي لم يطبّق منها سوى أشياء ضئيلة تتعلّق أساساً بالمنحة القطرية. وفي هذا الإطار تحديداً، ذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية أن طائرة إسرائيلية أقلعت باتجاه الدوحة لجلب الدفعة الأخيرة من المنحة.

لكن مصادر فصائلية أوضحت، أن التصعيد الأخير لا يستهدف الضغط في اتّجاه استكمال صرف المنحة القطرية، بل تطبيق كامل بنود تفاهمات التهدئة، وأهمّها تجديد المنحة وجعلها دائمة ورفع قيمتها، وتنفيذ المشاريع الدولية التي وعدت بها الأمم المتحدة من أجل تحسين الواقع الاقتصادي في القطاع، وإيجاد وظائف لآلاف العاطلين من العمل هناك.

وتتواصل المباحثات بين الفصائل الفلسطينية والوسطاء وخاصة القطريين للعودة إلى حالة الهدوء في القطاع، إلا أن الموقف القطري غير الواضح في شأن تجديد المنحة، وغياب أيّ أفق لتنفيذ باقي تفاهمات التهدئة، بما في ذلك المشروعات الكبرى، يبقيان الوضع معقداً ومرشّحاً لمزيد من التصعيد.

وفقاً لبعض المصادر، فإن “القطريين لم يحسموا أمرهم بخصوص استمرار المنحة، ويتحدّثون عن أن قرار تجديدها من عدمه سيكون بعد آخر دفعة من المنحة السابقة، والتي ستصل إلى غزة خلال 10 أيام، فيما تصرّ الفصائل الفلسطينية على استمرار المنحة، إضافة إلى تنفيذ المشاريع التي تمّ الاتفاق عليها مع الوسطاء، والمتعلّقة بالتشغيل المؤقت والكهرباء والبنية التحتية والمستشفى الميداني”.

وفرض الضغط الذي ولّدته البالونات الحارقة على دولة الاحتلال المبادرة إلى إجراء مباحثات مع قطر لتجديد مساعداتها لغزة. إذ قالت �القناة 11� العبرية إن �سلطات الاحتلال أجرت اتصالات مع كبار المسؤولين القطريين لحثّهم على مواصلة الدعم المالي لغزة�.

وهو ما أكّده السفير القطري في الأراضي الفلسطينية، محمد العمادي، بقوله إن “الاتصالات مع جانب الاحتلال الإسرائيلي ليست شيئاً جديداً، بل هي إجراء مستمرّ، وتأتي في إطار تسهيل دخول المساعدات إلى القطاع”.
من جهتها، أشارت صحيفة “هآرتس” العبرية إلى أن المؤسسة العسكرية والأمنية في دولة الاحتلال تتعامل مع استمرار إطلاق البالونات الحارقة على محمل الجدّ، ولكنها تحاول تجنب ردّ عسكري شديد القسوة قد يؤدي إلى التصعيد، وتُفضّل توفير فرصة للاتصالات من خلال الوسطاء، مثل قطر ودول أوروبية أخرى، لتحقيق الهدوء في المنطقة.

نتنياهو يحاول الظهور بمظهر المنتصر

ومنذ بدء التصعيد الأخير عبر استئناف إطلاق البالونات المتفجّرة على المستوطنات، بدا أن العدو الإسرائيلي يحاول تثبيت قواعد اشتباك جديدة، وخصوصاً لناحية قصف مواقع المقاومة مقابل البالونات.

وفي هذا الاتجاه، سُجّلت عمليّتا قصف على المواقع المذكورة خلال الأيام الثلاثة الماضية، فيما نقلت “القناة الـ 12” العبرية تحذير وزير الأمن بيني غانتس ورئيس هيئة الأركان أفيف كوخافي، عقب اجتماعهما، من أن استمرار إطلاق البالونات سيؤدي إلى ردّ عنيف، ولو كلّف الأمر تصعيداً كبيراً.

المستوطنون ضجّوا من سياسة حكومتهم، مطالبين باستخدام “قوة رادعة” حيال القطاع.

وفي هذا السياق، وجّه رئيس بلدية سديروت، ألون دفيدي، انتقاداً لاذعاً إلى حكومته، متّهماً إياها بـ”العجز”، داعياً إلى “شنّ حملة عسكرية في غزة على غرار حملة السور الواقي في الضفة عام 2002، واستئناف سياسة الاغتيالات”.

فيما اعتبر رئيس مجلس “سدوت نيغف”، تمير عيدان، أن �هجمات الجيش في غزة ليست فعالة، وتثير رعب أطفال الغلاف أكثر مما تخيف التنظيمات في القطاع�، حاضّاً على �العودة إلى سياسة الاغتيالات حتى لو كان الثمن خوض جولة تصعيد، نحن أصلاً في داخلها”.

في المقابل، برزت أصوات داخل دولة الاحتلال تتحدّث عن صعوبة الخيار العسكري تجاه غزة، وضرورة التوجّه إلى اتفاق مع القطاع. إذ قال وزير الزراعة، ألون شوستر، إنه “لا يوجد حسم عسكري مع غزة، لنُلغِ هذا الأمر من جدول أعمالنا”، مضيفاً أن ثمة “حاجة إلى إظهار الحزم وتعزيز إرادة سكان وقيادة الغلاف، وإيجاد طريقة ناعمة وذكية لضرب أهداف حماس بمعزل عن سكان القطاع المدنيين”.
ورأى رئيس مجلس “أشكول” المحاذية لغزة، غادي يركوني، أن “الحلّ يكمن في إبرام اتفاق سياسي مع حماس”، معتبراً أن جولات التصعيد المتكرّرة هي نتيجة الجمود السياسي مع القطاع.

وفي محاولة لتهدئة مستوطني غلاف غزة، أعلن ناطق بلسان جيش الاحتلال، أمس، نشر منظومة “ليزر” لمكافحة البالونات الحارقة في أجزاء من مناطق الغلاف، مشيراً إلى أن المنظومة التي تُدعى “لاهاف أور” قادرة على إسقاط البالونات عبر توجيه أشعة “الليزر” باتجاهها، إضافة إلى القدرة على إسقاط الطائرات الصغيرة.

وكان العدو قد قصف، فجراً، عدداً من مواقع المقاومة وسط القطاع وجنوبيّه، وأطلق نيران الرشاشات الثقيلة تجاه مراصد المقاومة، فيما توغّلت 4 جرافات عسكرية إسرائيلية بشكل محدود في أراضي المواطنين في المنطقة الشمالية لبلدة بيت لاهيا شماليّ غزة، وسط إطلاق نار كثيف تجاه أراضي المزارعين، لم يؤدِّ إلى وقوع إصابات. في المقابل، تَسبّبت البالونات بحرائق ضخمة في عدد من مستوطنات غلاف غزة، أبرزها حريق بين “كيبوتس أور هنِر” و”سديروت”، الأمر الذي استدعى وجود قوات كبيرة من الإطفاء في المكان، توازياً مع إغلاق الشرطة عدّة طرق داخل “سديروت” وقرب المنطقة.

ربما يعجبك أيضا