“خصخصة” سكك حديد مصر.. بين مخاوف المواطنين ونفي الحكومة

سهام عيد

كتبت – سهام عيد

عقب إعلان موافقة الحكومة المصرية، أمس الأربعاء، عن مشروع تعديل قانون إنشاء الهيئة القومية لسكك حديد مصر، وأن الدولة ستتحول إلى مراقب مع إعطاء حق التشغيل إلى القطاع الخاص، آثار الخبر حالة “فزع” بين المواطنين، لكن سرعان ما نفت الحكومة، وأكدت أنه لا يوجد أي اتجاه لخصخصة السكك الحديدية، وأن هذا المرفق مِلك للدولة، والحديث عن خصخصته لا أساس له من الصحة.

رغم أن برنامج الخصخصة المصري انطلق لأول مرة في تسعينيات القرن الماضي وحقق نجاحاً لعدد كبير من الشركات التي تم بيعها للقطاع الخاص، إلا أن كلمة “خصخصة” لا تزال تثير الرعب لدى المصريين، وتتعامل الحكومة مع هذه المخاوف بالنفي السريع.

وأعلنت أمس، الحكومة المصرية عن إعداد مشروع قانون جديد ينهي لأول مرة احتكار الحكومة ويسمح للقطاع الخاص بالدخول والمشاركة في مشروعات وخدمات السكك الحديدية‏ وسيتم عرضه على مجلس الوزراء قريبًا، أثار هذا الإعلان مخاوف المصريين من خصخصة السكك الحديدية، وهذا ما دفع المهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء إلى نفي الموضوع تمامًا مشيرًا إلى أن مشاركة القطاع الخاص ستكون في القطاعات الخدمية فقط.

الغريب في الأمر أن سكك حديد مصر تعاني من الإهمال لعقود طويلة مما أدى إلى تدهور وضعها وتكرار الحوادث التي تودي بحياة الركاب وتحتاج إلى استثمارات ضخمة لا يمكن للحكومة أن تتحملها في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية.

بحسب “العربية نت”، كانت الدولة المصرية قد اتجهت خلال حقبة الخمسينات والستينات من القرن الماضي اتجاهًا اقتصاديًا اشتراكيًا حيث أبقت على مساحة ضئيلة للقطاع الخاص واحتكرت باقي السوق دون منازع أو منافس، فقد قامت الدولة بتأميم ومصادرة الأملاك الخاصة للمواطنين المصريين ولم يتغير هذا المشهد إلا مع نهاية الثمانينات حين بدت ملامح الضعف على معدلات نمو الاقتصاد المصري، وبالتحديد في العام 1987 توقفت مصر عن دفع ديونها الخارجية ودخلت مع البنك الدولي برنامج تثبيت مدته 18 شهرا وأعقبه جدولة ديونها ولم يحقق ذلك نتائج إيجابية وتوقفت مصر مرة ثانية عن سداد ديونها في العام 1991 مما أدى إلى دخول مصر في اتفاقية مع البنك الدولي مدتها ثلاث سنوات تمر بمرحلتين مرحلة سياسات التثبيت والأخرى برنامج سياسات التكييف الهيكلي وكان ذلك هو بداية برنامج الخصخصة المصري في العام 1991.

أسباب مخاوف المصريين من “الخصخصة”؟

يرجع د. إيهاب الدسوقي مدير مركز البحوث بأكاديمية السادات مخاوف المصريين من الخصخصة إلى ما تم من تطبيق خاطئ خلال فترة التسعينيات مما أضر ببعض الشركات التي تم بيعها لمستثمرين من حيث التقييم واختيار المستثمر القادر على تعظيم العائد من هذه الشركات مما أدى إلى تسريح عمالة إضافة إلى مشاكل في البيع أدت إلى توقف بعض الشركات مثل قها للأغذية وعمر أفندي وغيرها الكثير.

وأضاف أن هناك حالة خوف من خصخصة المرافق العامة مثل السكك الحديدية نظرًا لأنها تخدم ملايين المصريين يوميًا بأسعار معقولة وفي حال دخول القطاع الخاص سيتم رفع الأسعار.

وأكد أن الخصخصة في حد ذاتها ليست مشكلة ولكن المشكلة الرئيسية تكمن في التطبيق الخاطئ لها وسوء التقييم، ولكن إن طبقت بشكل سليم ستحقق استثمارات كثيرة لمصر.

كيف نجحت خصخصة السكة الحديدية في اليابان وبريطانيا والأردن؟

بالرغم أن كلمة “خصخصة” سيئة السمعة في مصر، إلا أنها نجحت في بعض الدول مثل اليابان وبريطانيا والأردن، فما سبب ذلك؟

التجربة البريطانية .. خصخصة على مراحل

 لم تكن بريطانيا أول دولة تعرف السكك الحديدية في العالم فقط، بل أنشأت السكك الحديدية المصرية تحت رعاية الاحتلال البريطاني أيضا، لتكون أول سكك حديدية عربية، وفي الشرق الأوسط، ومع تشابه المنحنيات في المشروعين، إلا أنه بدأ التدرج بالسكك الحديدية البريطانية نحو الخصخصة، والتي تمتلكها الدولة منذ عام 1984، فمنذ بداية 1989، حيث تم بيع مبنى القطارات المسمى بـ “هندسة السكك الحديد”، في ظل حكومة “مارجريت تاتشر”، والتي أثارت غضب حزب العمل البريطاني في حينها.

ولكن هذا لم يمنع توسع الفكرة، في عام 1993، حينما تم خصخصة السكك الحديدية بشكل قانوني، منذ عام 1993، عبر قانون هيئة النقل والسكك الحديدية الجديد، حيث تم بيع شركات الصيانة لـ 13 شركة، ونقلت ملكية القطارات إلى 3 شركات، وتم منح حق الانتفاع لشركة تشغيل القطارات تحت إشراف الدولة، كما انتقلت ملكية قطارات الشحن إلى شركتين، وهو ما كانت نتائجه، انخفاض تكلفة الضرائب، وانخفاض الأسعار، وتحسين خدمة العملاء، وتنشيط المزيد من الاستثمارات.

 وعلى الرغم من انخفاض عدد العاملين بشكل تدريجي في السكك الحديدية البريطانية منذ بداية الخصخصة، إلا أن أجور العاملين زادت أيضا بشكل ملحوظ عن كل ساعة.

ارتفعت أسعار الرحلات على خطوط السكك الحديدية البريطانية، مع بداية خصخصة جميع التخصصات بشكل رسمي منذ 1993، بينما عاودت الانخفاض في عام 2001، بعد انهيار خط “رايت تراك”، التي انتقلت أصوله فيما بعد إلى الدول.

ومع ذلك ظل هناك زيادة ملحوظة في عدد ركاب القطارات في لندن منذ بداية الخصخصة وحتى الآن.

يشجع البنك الدولي مشاركة القطاع الخاص في مشاريع البنية التحتية، ووفقا لبياناته فإن 26 دولة من الدول النامية قامت بترسية 72 مشروعا من مشروعات البنية التحتية حتى الآن، كما عقد البنك الدولي مقارنة لأوضاع أبرز التجارب الدولية من حيث استخدام الأصول، والإنتاجية، ونسبة تكاليف العمالة من الإيرادات قبل وبعد خصخصة السكك الحديد، في الجداول التالية.

التجربة اليابانية .. من شركة حكومية إلى 200 شركة خاصة

بعد أن كانت السكك الحديدية اليابانية تقتصر على شركة واحدة وطنية، تم خصخصتها في عام 1978، وأصبحت هناك 200 شركة خاصة وشبه خاصة تنافس في تشغيل السكك الحديدية اليابانية، والتي كانت تتكبد خسائر تزيد عن تريليون ين ياباني سنويا، وفقا لبيانات البنك الدولي.

 تنافس شركات السكك الحديدية اليابانية جعلها تدخل خدمات جديدة وسريعة، وخلقت مناخا أكثر مرونة للاستثمارات، واليوم، تمثل الإيرادات من الأعمال غير المتعلقة بتسيير القطارات، مثل العقارات وتشغيل المنشآت التجارية في محطات القطار، والتى أصبحت تمثل حوالي 60% من إجمالي الأرباح في شركات السكك الحديد الخاصة، وهو ما انعكس أيضا على عدد الركاب، وفقا لبيانات البنك الدولي قبل وبعد الخصخصة.

بحسب موقع “مصراوي”، يقول الخبير الاقتصادي معتصم الشهيدي: إن المرافق العامة بمعظم دول العالم تدار عبر القطاع الخاص، لقدرته على الارتفاع بمستوى الخدمة، عبر تقديمها بسعر عادل يحقق له هامش ربح، ويعينه على تكاليف الصيانة والتطوير، وهو ما تعجز عنه الحكومات التي عادة ما لا يكون لديها مخصصات مالية كافية.

 وهناك أشكال مختلفة للخصخصة يتم اللجوء إليهم بحسب ما يناسب طبيعة المشروعات، هم خصخصة الإدارة، والبيع المباشر، وبيع الأسهم في الأسواق المالية، والبيع للعاملين والإدارة، ونظام القسائم، ويوضح الجدول التالي الفرق بينهم.

يفضل الخبير الإقتصادي، تطبيق الخصخصة على المشروعات حديثة الإنشاء، مثل المدن الجديدة، وما بها من طرق ومياه وخدمات كهرباء، ويرى أن الشعب المصري لا يفضل خصخصة السكك الحديدية لتخوفه من زيادة سعر الخدمة بعد الخصخصة، ناهيك عن فزاعة تصفية العاملين بذلك القطاع.

ويؤكد الشهيدي، أن الخصخصة ليست الهدف في حد ذاته، بينما الهدف هو رفع كفاءة الأصول، لهذا يصاحب عملية الخصخصة دائما، تيسير الخدمة، وتقليص عدد العاملين، ورفع الكفاءة التكنولوجية للخدمة.

 ويرى المحلل الاقتصادي محمد بهاء، أن التجربتين الألمانية والماليزية هم أفضل تجارب خصخصة السكك الحديدية في العالم، حيث أن التجربة الألمانية امتدت إلى صناعة السكك الحديدية نفسها، بينما اشترطت الحكومة الماليزية على المستثمر عدم الاستغناء عن العمالة، مقابل بيع السكك الحديدية مقابل سعر زهيد.

ويؤكد بهاء أنه على الرغم من الإصلاحات التي قد تعود على خصخصة السكك الحديدية في مصر من حيث رفع مستوى الخدمة، إلا أن مفهوم الخصخصة في مصر مازال سيء السمعة، بسبب ارتباط الخصخصة برفع سعر الخدمة، وتسريح العمالة، لهذا لابد من مد جسور الثقة بين الحكومة والمواطن، عبر تفسير معنى وأسباب وفوائد الخصخصة، بالإضافة إلى تشجيع المستثمرين الذين عادة ما يكون لديهم رهبة الخسارة في مثل هذه المشروعات الضخمة.

ربما يعجبك أيضا