الميتافيرس.. مضمار المنافسة الجديد بين عمالقة التكنولوجيا

كتبت – علياء عصام الدين

يبدو أن نبوءة “اختفاء الواقع” التي طرحها الفيلسوف الفرنسي جان بودريار في كتابه المصطنع والاصطناع باتت قريبة التحقق، شكل جديد من العبودية للشاشات التي تخفي الواقع ويختفي خلفها اللاعبون الجدد، تلك الصورة المزيفة والخادعة والمثيرة والتي ستصل لحدها الأقصى لما بعد عصر الإنترنت إلى ما يعرف اليوم بالميتافيرس.

قبل 1995 كان العالم شيئا وأصبح بعد هذا التاريخ شيئا آخر تمامًا، فالشبكة العنكبوتية تلك التكنولوجيا التي غيرت شكل الحياة كليًا على وجه كوكبنا منذ ظهورها قبل 35 عامًا وانتشرت بسرعة النار في الهشيم أصبحت اللبنة الأولى لطفرة شهدها عالمنا في كافة المجالات السياسية والتجارية الألعاب والترفية وحتى أسواق المال والأسهم والعملات.

قد نتصور أننا وصلنا لنهاية المطاف إلا أن سوقًا جديدًا لم يكن في الحسبان بات قاب قوسين أو أدنى من التحقق، فما هذا السوق وما التحديات التي تواجهنا لاستيعابه وما مدى إمكانية الانخراط فيه؟

ميتافيرس

ما هو الميتافيرس ؟

استُخدم مصطلح ميتافيرس metaverse اختصارا لـ meta-universe والتي تعني كونا من الأكوان يكون عددًا لانهائيًا منها.

المعنى التكنولوجي للمصطلح مستوحى من رواية “سنو كراش ” للكاتب نيل ستيفنسون والذي عرَّف الميتافيرس بأنه مساحة افتراضية مشتركة عملاقة .

يعرفها مارك زوكربيرغ إنها “واقع أكثر انفتاحا وترابطا واستمرارية، وهو واقع بديل عالمي”.

والميتافيرس باختصار هو سلسلة من العوالم الافتراضية، التي ستصبح المنصة التقنية الأهم منذ ظهور شبكة الإنترنت والويب، فنحن بصدد ابتكار جديد قد يغير شكل الحياة كليًا مرة أخرى وعلى نطاق أوسع من الإنترنت وسيكون أثره أكثر عمقًا وتأثيرًا .

أتى مفهوم الميتافيرس فيما يبدو من عالم الخيال العلمي، وقد طرح فعليا في كثير من أفلام الخيال العلمي واستقطب الكثير من المعجبين لاسيما المحبين للتكنولوجيا والذين يعملون ليل نهار لتصبح هذه الأحلام واقع من خلال استغلال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وتطويعها على الوجه الأمثل.

هذا العالم الذي بدأ بالفعل في شكلة الأبسط والأقل تعقيدًا بألعاب الفيديو والبلاي ستيشن والنظارات ثلاثية الأبعاد لكنه حسب مراقبين سيتطور ليصبح أكثر شمولًا، فبدلاً من الجلوس أمام حاسبك الآلي ستحتاج إلى نظارة توضع على الرأس كي تتمكن من دخول عالم افتراضي يربط بينك وبين البيئات الرقمية على اختلافها.

ترى شركات التكنولوجيا ومسوقوها أن “الميتافيرس” هو الحدث التقني الأبرز الذي يترقبه العالم، وهو الثورة القادمة في عالم الواقع الافتراضي واستخداماته.

باختصار لن نحتاج إلى البحث عن التطبيقات التي نريدها عبر الهاتف المحمول بل سندخل بأنفسنا إلى عالمنا الافتراضي وكأنه منزلنا، يمكننا زيارة الأماكن حول العالم في دقائق معدودة ونحن في غرفتنا، ولن نحتاج بالتالي إلى الأموال الحقيقية بل سيتم استبدالها بالعملات الرقمية التي بها سنتمكن من ممارسة كل ما يحلو لنا في هذا العالم.

التسوق الدراسة الشراء والبيع لقاء الأصدقاء، حضور المحاضرات والندوات عن بعد، بناء عوالم كاملة والتحكم بها والمشاركة فيها والانخراط داخل تفاصيلها افتراضيًا هكذا سيكون المستقبل خلال العقد المقبل شئنا ذلك أم أبينا .

سيغزو السوق الجديد كل مناطق وتركيبات حياتنا ليصبح محل استخدام الصغير قبل الكبير فيما يوازي ما يشهده عالم الإنترنت والهواتف المحمولة الآن.

لقد بدأت شركات التكنولوجيا في بناء مشاريع قريبة من الميتافيرس على أرض الواقع فقامت شركة “هورايزن ورك رومز” بإطلاق مكتب افتراضي على فيسبوك مؤخرًا يمكن المستخدم من التفاعل مع زملاء العمل والتعاون ومعرفة ما يفعله زملاؤك على شاشاتهم .

 وإن كان الآن الميتافيرس مجرد رؤية جسدتها أفلام الخيال العلمي، ولم تتوج إلا ببدايات بسيطة فإن شركات التكنولوجيا وعلى رأسها فيسبوك ستسعى جاهدة لجعلها حقيقة وأمر واقع .

يقول مؤسس فيسبوك أن الشركة تتصور الميتافيرس على أنه إنترنت مجسد ثلاثي الأبعاد يمكن للناس فيه الوجود المستمر والانتقال اللحظي إلى أماكن مغايرة.

f61d5d3d 17bc 4dee baaa 63fc6152eea8

فيسبوك والتخطيط للمستقبل

لاشك أن مشروعًا كبيرًا وأرباحًا طائلة تنتظر شركة فيسبوك العملاقة التي لن ترمي أموالها في الهواء دون أن تكون أكيدة من النتائج التي ستحققها فشركة بحجم فيسبوك لن تشتري السمك في الماء.

جعل فيسبوك تصميم عالم الميتافيرس على رأس أولوياته، ونظرًا لاقتناع مارك زوكربيرج مؤسس الشركة بأن الميتافيرس هو المستقبل القادم بلا ريب،  فقد أعلنت الشركة  الأسبوع الفائت عن استراتيجية الخمس السنوات المقبلة لتطوير قطاع “الواقع الافتراضي” أو الميتافيرس وذلك  عبر توظيف 10 آلاف أوروبي بداخل دول الاتحاد فقط من ذوي الخبرات في مجال الذكاء الاصطناعي وبرمجيات الواقع الافتراضي.

واستثمرت الشركة العملاقة أموالاً طائلة في مجال الواقع الافتراضي من خلال نظارات “أوكيولاس”، ما جعلها أرخص ثمناً من منافساتها، كما استثمرت فيسبوك أموالها طائلة بغية السيطرة على السوق المقبلة قبل أن تبدأ، والمتابع لأغلب استحواذات الشركة في الآونة الأخيرة سيجد أنها تركزت على شركات الذكاء الاصطناعي والبرمجيات وكل ما هو متعلق بأبحاث الواقع الافتراضي، وذلك لتتمكن من منافسة كل من مايكروسوفت، ألفابيت وسوني في مجال البرمجيات والأبحاث والكفاءات المتوفرة للسيطرة على هذا السوق القادم بقوة والمربح بلا شك .

هذا المستقبل الذي سيصبح فيه التشيئ أكثر من أي وقت مضى، لن يكون للإنسان فيه قيمة وجودية لا مفر منه ولا مخرج اللهم إلا بمواجهة مؤامرة الشركات الكبرى التي تسعى لجني الأرباح ولا تتوانى عن سلخنا من إنسانيتنا سلخًا يومًا بعد يوم، الرهان معقود الآن على المشرعين وجماعات الضغط المعنية بالصحة النفسية وأمن المجتمعات لاسيما أن وحوش التكنولوجيا لن تتراجع قيد أنملة للانخراط ودمجنا كليًا في الماتريكس الجديد لتجني الأرباح ولتذهب إنسانيتنا إلى الجحيم.

لا يدخل شيء ضخم حياة البشر دون لعنة (سوفكليس) وأشد اللعنات سحرًا هي سحر التكنولوجيا

إن لم تدفعوا حق المنتج.. فأنتم (المنتج) مجرد فئران تجارب في متاهة منظمة بدقة تدون سلوكياتنا وردود أفعالنا لتجني المال.

ربما يعجبك أيضا