ماسبيرو (1).. رؤية للتطوير

هيثم البشلاوي

كتب – هيثم البشلاوي

بدايةً ودون الاستطراد في مقدمات مستهلكة عن ضرورة إعادة النظر في صياغة منظومة الإعلام الرسمي “اتحاد الإذاعة والتلفزيون” اجعلونا نشر إلى مجموعة من الدوافع التي سوف نبني عليها رؤية التطوير المقترحة.

1 – ماسبيرو يمتلك بنية تحتية لتفعيل للرؤية المطروحة.
2 – مقترح التطوير يعمل على استثمار البنية الحالية لماسبيرو وليس الإحلال كامل لها.
3 – الحفاظ على حقوق العاملين وتحفيزهم للتطوير أولوية.
4 – امتلاك مصر لوكالة أخبار دولية هدف رئيسي للتطوير.
5 – دمج القنوات وعدم تشتيت الإمكانيات هو آلية تنفيذ الطرح.

ربما يعتقد البعض أن هذا الطرح هو تحامل على المنظومة الإعلامية القائمة أو استغلال للزخم القائم حول ضرورة تطويرها، ولكن حقيقة الأمر أننا نحاول توصيف وضع الإعلام الرسمي بهيئته الحالية بهدف طرح رؤية لإعادة صياغته من خلال تقديم مشروع مغاير، وليس بهدف وضعه على طاولة الانتقاد المستهلك الشعارات والوسائل وعلى هذا سنعمل على وضع ضوابط لهذا الطرح تحافظ على حقوق العاملين وخصوصية المؤسسة المستهدف هيكلتها.

وبرغم حساسية اللفظ (إعادة الهيكلة) بالنسبة للعاملين بماسبيرو شأنهم شأن أي مؤسسة حكومية إلا أنهم كانوا الدافع وراء طرح تلك الرؤية ليس بغية التخلص منهم بل بهدف توظيفهم كقوة بشرية قادرة على إيجاد كيان إعلامي على قدر وزن وتحديات مصر.

وبذلك فهذا الطرح يمكننا أن نعتبره رؤية معاونة لتطلعات العاملين ولا يستهدف الوقوع في تعارض أو جدلية الأضرار بأوضاعهم المالية والإدارية. وعلى تلك الخلفية يمكننا أن نستعرض رؤية التطوير بتسلسل يبدأ بنشأة وتكوين الإعلام المسموع والمرئي للدولة المصرية “اتحاد الإذاعة والتلفزيون” كضرورة لمعرفة الخلفية التاريخية للمقترح لنصل إلى المنهج والتوجه الذي تولد مع تلك النشأة والذي سيصل بنا دون أدنى مجهود إلى الفجوة بين الأداء الإعلامي والإدارة المنظمة له، لنقف قبل النهاية على دوافع التطوير من منطق العلم المجرد وليس بمنطلق النقد المسيس.

لننتهي بالطرح المستهدف لإعادة صياغة كل من منظومة الأداء الإعلامي والإداري لهذا الكيان الذي كان دومًا صوت ريادة مصر وهكذا ينبغي له أن يكون دومًا.

أولاً: نشأة وتكوين الإعلام الرسمي: 

1-  الإذاعة.. هنا القاهرة

في الساعة الخامسة والنصف من مساء یوم ٣١ مایو ١٩٣٤ انطلقت الإذاعة المصرية الرسمية في أول بث لها لتعبر عن توجهها بأول كلمات على أثيرها: “هنا القاهرة .. هنا افتتاح الإذاعة اللاسلكية للحكومة المصرية الرسمية”، ولكن الحقيقة أن تلك النشأة الصريحة لإعلام الدولة المصرية سبقته عدد من الاجتهادات الأهلية لطرح إذاعات تعبر عن الحراك الثقافي والسياسي الذي شهدته عشرينيات القرن الماضي، وتزامنا مع هذا الحراك وفي محاولة لوضعه تحت السيطرة، تم إصدار مرسوم ملكي في 10 مايو 1926 لاستخرج التراخيص الخاصة باستخدام الأجهزة اللاسلكية طبقاً للاتفاقيات الدولية، ومن المحطات الأهلية الموجودة آنذاك إذاعة مصر الجديدة عام 1925، إذاعة “سابو” الأوروبية عام 1927، إذاعتي راديو الأمير فاروق ومصر الملكية عام 1932 والتي كانت تعبر عن توجهات القصر، ثم انتقلت التجربة للأقاليم، وبدأت عدد من الإذاعات بالإسكندرية وهي “راديو سكمبري”، “راديو فيولا”،” ثم تبعتها إذاعات أخرى مثل “القاهرة، صايغ، الأميرة فوزية، ماجستيك، المحطة الدولية، نفرا”.

ومع هذا الزخم بين الإذاعات التي بدأت تأخذ طابع مناهض للاستعمار، سعى الاحتلال البريطاني إلى إلغاء المرسوم الملكي بقرار في ١٣  یولیو عام ١٩٣٢، يلزم أصحاب الإذاعات بوقف البث تمام.

وكان تأثير تجربة الإذاعات الأهلية مقنع تمام للدولة المصرية لضرورة تنظيمه ووضعه تحت مظلتها، وكان هذا إلى حد كبير على توافق مع سلطات الاستعمار البريطاني، وعلى ذلك تم التعاقد مع شركة ماركوني البريطانية والتي قامت بإدارة وإنشاء برامج الإذاعة لمدة 10 سنوات لينتهي عقد الشركة مع الحكومة المصرية في ٣٠ مایو ١٩٤٤م واتفق الطرفان على مد العقد لمدة خمس سنوات أخرى، إلا أنه في عام ١٩٤٧ وصل الخلاف المصري البريطاني توتر بسبب المماطلة في الجلاء عن منطقة القناة، فقررت الحكومة المصرية إلغاء التعاقد، لتنتقل إدارة الإذاعة إلى مجلس الوزراء وفقا للقانون رقم 98 لسنة 1949.

وبهذا يكون هذا التاريخ هو بداية التمصير للإعلام الرسمي المتمثل في الإذاعة المصرية  لتكون بداية  لإطلاق إذاعة ركن السودان في 1947 لاستهدف أفريقيا وجنوب القطر المصري وهو ما مهد بقوة لتجربة عبد الناصر في أفريقيا.

ومرت سنوات قليلة ودخل الإعلام الرسمي للدولة المصرية أهم محطاته في عهد ثورة 1952 حيث أذيع أول بيان للثورة من خلال الإذاعة  وتبدأ الدولة المصرية بتسخير الإذاعات الموجهة للخارج لدعم حركات التحرر من الاستعمار رفعة شعار “سلام بين الأمم واستقلال كريم للجميع” لتدعم في البداية كفاح الشعوب الأفريقية والعربية ضد الاستعمار ومن بعدها دعم علاقات مصر التاريخية بالشعوب الأفريقية .

وقد تجسدت مهمة الإذعات بالنسبة للقائمين على ثورة يوليو كوسيلة للتعريف بها والتعبئة السياسية لأهدافها على مستوى القطر المصري والإطار الإقليمي بل والدولي، وكتفعيل لهذا تم إصدار إذاعة صوت العرب 1953 كممهد للتوجه القومي. ولإدارة تلك المهمة تم إرجاء إدارة الإذاعة المصرية لوزارة الإرشاد القومي بموجب قرار  جمهوري رقم 183 لسنة 1958 باعتبار الإذاعة المصرية مؤسسة عامة ذات شخصية اعتبارية.

وعلى ما سبق  يتضح لنا مدى أهمية الإعلام الرسمي للدولة المصرية منذ نشأته فمن أداة لمحاربة الاستعمار محليا إلى أداة لمحاربته إقليميا، فمصر بلا مبالغة من أوائل الدول التي وظفت الإعلام ببراعة للتأثير المحلي والإقليمي والدولي، وتحركت الدولة المصرية للتوسع في نشاطها الإعلامي كقوة ناعمة خارجيا، ليتم بذلك انطلاق البث التليفزيوني ليدعم مهمة الإذاعات القائمة .

2- التليفزيون.. ميلاد ماسبيرو

ربما حاولنا الفصل بين نشأة الإذاعة ونشأة التليفزيون لكون الثاني نتيجة لنجاح وتأثير الأولى علاوة على عدم تزامن كلا منهم كوسيلة للإعلام الرسمي للدولة، ومع ذلك فتشابك الأحداث وتشابه الأدوار والادوات المنظمة لكليهما، جعل كلا منهم يتكاملا الأدوار ليجسدوا رؤية الدولة المصرية منذ انطلاق الاعلام الرسمي بوجهية المسموع والمرائي .

وتعد مصر من أوائل الدول العربية التي قامت بأول تجربة بث تلفزيوني عام 1951 حيث تم استقدام شركة فرنسية لتنفيذ محطة إرسال باب اللوق، وتعود فكرة المشروع إلى وزارة الإرشاد التي أوصت بإنشاء تلفزيون وإقامة محطة إرسال فوق جبل المقطم في ديسمبر 1954 ، ليتم بذلك اعتماد 108 آلاف جنيه لمبنى الإذاعة والتلفزيون على مساحة 12 ألف متر مربع بارتفاع 28 طابقاً ليكون في نسقه المعماري شبيهًا بالتلفزيون الفرنسي.

وبدأ التنفيذ الفعلي للمشروع عام 1959 ببناء مبنى التلفزيون وقيام شركة الأمريكية “RCA”بإنشاء شبكة التلفزيون لتنطلق في أغسطس 1959 تنفيذا  لقرار رئيس مجلس إدارة هيئة الإذاعة رقم 2 لسنة 1959 بإنشاء الإدارة العامة للتلفزيون، حيث بدأ الإرسال المنتظم 21 يوليو 1960 ليغطي القاهرة والمناطق المحيطة بها حتى 100 كيلو متر، ثم توالت بعد ذلك تغطية باقي مناطق الجمهورية وبدأ الإرسال بقناة واحدة ثم وصل عدد القنوات إلى ثلاثة قنوات.

ثم بعد ذلك إنشاء المؤسسة المصرية العامة لتنظيم شئون الإذاعة والتلفزيون وفقا للقانون رقم 63 لسنة 1963، ثم صدرت قرارات رئيس الجمهورية لعام 1966 منها قرار رقم 76 لتقوم وزارة الإرشاد القومي بالإشراف على الإذاعة والتلفزيون، قرار رقم ٧٧ خاص بـ تنظيم المؤسسة المصرية العامة للهندسة الإذاعية، قرار رقم ٧٨ بشأن تنظيم الإذاعة، القرار ٧٩ بشأن تنظيم التليفزيون، ثم بعد ذلك إلغاء هذه القرارات من قبل الرئيس السادات وإنشاء اتحاد الإذاعة والتلفزيون طبقا لقرار رئيس الجمهورية الصادر 13 أغسطس 1970 وفقا للقانون  رقم 62 لسنة 1970.

وأجريت أولى إعادة الهيكلة للمؤسسات القائمة بـ إلغاء وزارة الإرشاد واستبدالها بوزارة الإعلام، ودمج الكيانات القائمة “الإذاعة، التلفزيون، الهندسة الإذاعية واستبدالها بـ اتحاد للإذاعة والتلفزيون” وفقا للقانون رقم 1 لسنة 1971، والذي حدد اختصاصات الاتحاد بتولي شؤون الإذاعة المسموعة والمرئية في مصر وتبعيته لوزارة الإعلام وبعد ذلك إلغاء القانون رقم 1 لسنة 1970، والعمل بالقانون رقم 13 لسنة 1979، بهدف إعادة هيكلة الاتحاد لكنها إعادة هيكلة شكلية من خلال تغيير مسميات الأجهزة الإدارية وإلغاء بعض المجالس واستبدالها بمجالس أخرى، وأدخلت تعديلات في أحكام القانون رقم 13 لسنة 1979 بالقانون رقم 223 لسنة 1989، ثم صدور قرار رئيس الجمهورية رقم 44 لسنة 1982 والذي أصبح بموجبه وزير الدولة للإعلام المختص بشؤون الإذاعة والتلفزيون، والقرار رقم 310 لسنة 1986 ينص على اختصاصات وزارة الإعلام، لنصل إلى إلغاء وزارة الإعلام عام 2011 من قبل رئيس الوزراء أحمد شفيق ثم العودة إليها، وإلغائها مرة ثانية من قبل رئيس الوزراء إبراهيم محلب تحديدا في 16 يونيو2014، وإسناد مهامها إلى ثلاث جهات بموجب دستور 2014 لتنظيم شؤون الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب وهي “المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام, الهيئة الوطنية للصحافة، الهيئة الوطنية للإعلام”.
 
وختاما: كان من الضرورة عرض تلك الخلفية التاريخية لندرك الدور التاريخي للإعلام المصري، ونقف على مراحل تطوره لنصل إلى حقيقة أن هيكلة ماسبيرو التي تسعي إليها الدولة ليست الهيكلة الأولى في تاريخ ماسبيرو، ثم ننتقل بتسلسل ممنهج عرض الهيكل القائم  لماسبيرو ومن ثم  طرح رؤية التطوير والهيكلة.
يتبع

ربما يعجبك أيضا