رمضان عند تتار القرم ليس مجرد مناسبة دينية، بل هو مساحة زمنية تعيد ترتيب العلاقات الاجتماعية، وتبعث في النفوس روح التضامن والارتباط بالجذور الإسلامية.
وسط التحديات التي تواجههم، يتحوّل الشهر الكريم إلى رمز للصمود والتمسك بالهوية، حيث يجتمع الأهل والجيران حول موائد الإفطار، وتمتلئ المساجد بالمصلين رغم القيود، ويجد الأطفال فيه فرصة لاكتشاف معاني الصيام والانتماء لجماعة صامدة عبر التاريخ.
العائلة والمجتمع.. رمضان كحاضن للتقاليد
في القرم، لا يزال رمضان يحافظ على دوره كمحور للحياة العائلية، حيث تجتمع العائلات بعد يوم من الصيام على موائد مليئة بالأطعمة التقليدية مثل “تشيبوريكي” (فطائر مقلية محشوة باللحم) و”شوربا” (الحساء التتاري).
هذه اللحظات تتجاوز مجرد تناول الطعام، فهي تذكّر العائلات بقيمهم وتاريخهم وتعزز الروابط بينهم، خاصة في ظل ضغوط الحياة اليومية والتحديات السياسية التي أثّرت على وحدة المجتمع التتاري.
كما تُعتبر الليالي الرمضانية فرصة لإحياء العادات القديمة، حيث يجتمع الكبار والصغار بعد التراويح للاستماع إلى القصص عن ماضي التتار، وتجارب الأجداد الذين عاشوا في ظل ظروف قاسية، بدءًا من تهجيرهم في عهد ستالين وحتى التحديات الحديثة التي تواجههم اليوم.
التكافل الاجتماعي.. رمضان كفرصة للعطاء
رغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة، يبقى التكافل الاجتماعي عنصرًا أساسيًا في رمضان، وتسعى العائلات الموسرة إلى تقديم المساعدات للمحتاجين، سواء من خلال توزيع الطعام أو التبرع بالمال.
كما تُنظم بعض المساجد، رغم القيود المفروضة، موائد إفطار جماعية، تجمع الفقراء وعابري السبيل، وتعيد للأذهان مشاهد رمضان التقليدية التي تعود لقرون مضت.
وحتى مع التضييقات التي فرضت على الأنشطة الإسلامية، وجد التتار حلولًا بديلة للحفاظ على روح رمضان، مثل تبادل الطعام بين الجيران، وتنظيم دروس دينية داخل البيوت بدلًا من المساجد، حيث يتدارسون القرآن والأحاديث النبوية في جلسات عائلية حميمية.
المساجد والروحانية.. ملاذ المسلمين رغم القيود
المساجد في القرم ليست مجرد أماكن للصلاة، بل هي مراكز للهوية والتلاحم الاجتماعي. خلال رمضان، يمتلئ مسجد “جامع كيبير” في سيمفيروبول بالمصلين الذين يؤدون التراويح في أجواء تجمع بين الخشوع والمقاومة الصامتة.
ورغم الرقابة المشددة، يحرص الناس على حضور الخطب والدروس، فيما يتناقل الشباب تعاليم الإسلام عبر الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، تعويضًا عن نقص الموارد الدينية المتاحة محليًا.
التحديات التي تواجه مسلمي القرم في رمضان
بعد ضم روسيا للقرم عام 2014، واجه مسلمو القرم قيودًا مشددة على أنشطتهم الدينية، حيث حظرت السلطات “مجلس تتار القرم”، وهو الهيئة التمثيلية الرئيسية للمسلمين، ما جعل تنظيم الفعاليات الرمضانية أكثر تعقيدًا.
كما فرضت الحكومة الروسية رقابة صارمة على الخطب في المساجد، وأغلقت بعض المدارس الإسلامية، ما حدّ من قدرة المسلمين على ممارسة شعائرهم بحرية.
القيود على الإفطارات الجماعية والعمل الخيري
أصبح الحصول على تصاريح لإقامة موائد الإفطار الجماعية في الأماكن العامة أمرًا صعبًا، ما أجبر الكثيرين على الاكتفاء بالتجمعات الصغيرة في المنازل.
وتراجعت المساعدات الخارجية التي كانت تقدمها دول مثل تركيا بسبب التشديد الروسي على التمويل المرتبط بالمسلمين ما أدى إلى تقلص مشاريع الإغاثة الرمضانية.
التحديات الاقتصادية وتأثيرها على رمضان
يعاني القرم من تدهور اقتصادي منذ 2014، حيث ارتفعت الأسعار، وزادت البطالة، ما جعل بعض العائلات غير قادرة على تأمين احتياجات رمضان الأساسية.
وأدى تراجع الموارد المالية إلى انخفاض مستوى الأنشطة الرمضانية التي كانت تعتمد على دعم التجار المحليين والجمعيات الخيرية.
تراجع التواصل مع العالم الإسلامي
قبل 2014، كان تتار القرم يسافرون إلى تركيا ودول إسلامية أخرى للدراسة الدينية، لكن بعد الضم، أصبح الحصول على تأشيرات أصعب، ما أدى إلى نقص في الكوادر الدينية المدربة.
الرقابة المشددة على الإنترنت ووسائل الإعلام الإسلامية جعلت من الصعب على المسلمين في القرم الحصول على مصادر دينية متنوعة، ما اضطرهم للاعتماد على جهودهم الذاتية في التعلم ونشر الوعي الديني.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=2160065