سريلانكا تواجه أسوأ أزمة اقتصادية منذ 74 عامًا.. ومساعدات صندوق النقد قد لا تكفي

ولاء عدلان

منذ 2019 فقدت سريلانكا القدرة على الوصول لأسواق الدين الخارجية مع تخفيض تصنيفها الائتماني إلى مستوى غير مرغوب


احتشد الآلاف في شوارع سريلانكا، يوم أمس الأربعاء 20 إبريل 2022، بعد يوم من فتح الشرطة النار صوب متظاهرين، ما أسفر عن مقتل شخص وإصابة 13 آخرين، ودفع الحكومة للتعهد بفتح تحقيق عاجل لمعرفة ملابسات الحادث.

ويأتي هذا وسط موجة غضب شعبي اشتعلت نهاية مارس الماضي، احتجاجا على سوء إدارة الرئيس السريلانكي، غوتابايا راجاباكسا، وشقيقه رئيس الوزراء، ماهيندا راجاباكسا، للأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد منذ نحو عامين، وأسفرت عن نقص في كل شيء من الوقود إلى الغذاء والدواء.

“تخلف عن الديون”.. الحل الأخير

في محاولة لتوفير احتياطيات النقد الأجنبي لتمويل استيراد البلاد للمواد الغذائية الأساسية والتخفيف من حدة الأزمة، أعلنت حكومة راجاباكسا في 12 إبريل التخلف عن سداد ديون خارجية بقيمة 51 مليار دولار، خشية التعرّض لخطر التعثر المتكرر أو التخلف كليًّا عن السداد، وقال رئيس بنك سريلانكا المركزي، ناندال فيراسينغيـ في تصريح صحفي: “هذا تخلف وقائي ناقشناه مع الدائنين.”

وقالت وزارة المالية في بيان إن إعلان التخلف عن السداد هو حل أخير لتجنب مزيد من تدهور الأوضاع المالية، موضحة أنه بإمكان الدائنين رسملة الدفعات المستحقة أو اختيار الحصول عليها بالعملة السريلانكية، وتقدّر التزامات ديون سريلانكا للعام الحالي بنحو 7 مليارات دولار، في حين وصل احتياطي النقد الأجنبي للبلاد إلى 1.2 مليار دولار بنهاية مارس، وفق “فرانس برس“.

أسوأ أزمة منذ 74 عامًا

خفضت وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني في 18 إبريل تصنيف سريلانكا إلى “Ca” من “Caa2″، محذرة من إمكانية تخلف البلاد عن سداد ديونها الخارجية لأكثر من مرة، في ظل عدم قدرة مؤسساتها على معالجة التراجع الحاد في احتياطيات النقد الأجنبي، وقبل “موديز” خفّضت وكالتا “فيتش” و”إس آند بي” تصنيف سريلانكا إلى درجة غير استثمارية “c” و”cc” على الترتيب.

وحال فشل سريلانكا في الوفاء بمستحقات ديونها الخارجية هذا العام، ستترسخ أسوأ أزمة اقتصادية تعيشها البلاد منذ نحو 74 عامًا، وهذه الضبابية دفعت البنك الدولي لتخفيض تقديراته لنمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد هذا العام من 2.4% إلى 2.1%، وفق “بلومبرج“.

صندوق النقد يطلب ضمانات

بدأت حكومة راجاباكسا الثلاثاء الماضي، مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على حزمة إنقاذ عاجلة بنحو 4 مليارات دولار، وقال رئيس بعثة الصندوق في سريلانكا، ماساهيرو نوزاكي، في بيان أمس الأربعاء، إن المفاوضات لا تزال في مرحلة مبكرة، وإن أي اتفاق سيتطلب “ضمانات كافية” باتخاذ خطوات لاستعادة القدرة على تحمل الديون قبل أي قرض جديد، وفق “رويترز“.

وأضاف نوزاكي يجب تصميم برنامج يدعمه الصندوق لحل مشاكل ميزان المدفوعات الحادة في سريلانكا، وإعادة الاقتصاد إلى مسار النمو المستدام في أقرب وقت ممكن، ويتطلب استعادة سريلانكا القدرة على تحمل الديون إعادة هيكلة أو تصنيف جزء من ديونها، الأمر الذي يتطلب مساعدة من الصين باعتبارها أكبر دائني الدولة بحصة 10% من ديونها الخارجية، تليها اليابان والهند.

بداية الأزمة

تعيش سريلانكا البالغ عدد سكانها 22 مليون نسمة، أزمة اقتصادية وسياسية اختمرت أسبابها على مدار العقد الماضي، من جرّاء توسع الحكومة في الاقتراض الخارجي لتمويل الخدمات العامة، إلى أن أصبحت أكبر مُصدر للديون عالية العائد في آسيا، وتفاقمت هذه المشاكل بوصول جائحة كورونا في 2020 التي وجّهت ضربة لاقتصاد يعتمد على السياحة بحصة تصل إلى نحو 5% من الإيرادات العامة.

ومنذ 2019 فقدت البلاد القدرة على الوصول لأسواق الدين الخارجية مع تخفيض تصنيفها الائتماني إلى مستوى غير مرغوب، ما اضطر الحكومة إلى زيادة السحب من الاحتياطي النقدي ليهبط من 6.9 مليار دولار في 2018 إلى حدود 1.2 مليار دولار في مارس الماضي، وفق “سي إن إن“.

انهيار الروبية

قررت حكومة راجاباكسا في مارس الماضي تعويم الروبية في محاولة للتمهيد لموافقة صندوق النقد على قرض جديد، إلا أن الروبية تراجعت بـ60% بفعل التعويم، ما أسفر عن ارتفاع معدل التضخم 18.7% في مارس، مع ارتفاع أسعار غالبية السلع الأساسية والوقود، ومنذ مطلع العام على سبيل المثال، ارتفعت أسعار البنزين 90% والديزل بـ138%، وفق “سي إن إن”.

ولترويض التضخم المرتفع، قرر بنك سريلانكا المركزي رفع أسعار الفائدة بمقدار 700 نقطة أساس دفعة واحدة مطلع الشهر الحالي، وقال في بيان “الأمور صعبة وستزداد سوءًا قبل أن تتحسن، لذا نحتاج إلى اتخاذ إجراءات حاسمة”.

مساعدات صندوق النقد لا تكفي

قال مدير آسيا ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، كاني ويناراجا، في تصريح لـ”فاينانشيال تايمز“، إن سريلانكا تحتاج إلى مساعدة مالية فورية، والحصول على تمويل قصير الأجل من دول مثل الصين والهند، لتخفيف الآلام الاقتصادية قبل مساعدة صندوق النقد، إضافة إلى العمل على تقليل عبء الديون بدلا من إعادة هيكلتها.

وأضاف أن حزمة الإنقاذ من صندوق النقد ستكون بمثابة حزمة تقشف، لذا يتعين على حكومة راجاباكسا التفكير في دعم الأسر الأكثر ضعفًا عبر برامج حماية اجتماعية عاجلة، وقال وزير المالية السريلانكي، علي صبري، الاثنين الماضي: “لا يمكننا التخلف التام عن سداد الديون لأن العواقب ستكون مروّعة، علينا إعادة هيكلتها سريعًا، والحصول على مساعدات متعددة الأطراف لإدارة ميزان مدفوعاتنا.”

ربما يعجبك أيضا