جنين ومخيمها.. تاريخ من الصمود الفلسطيني

محمود سعيد

شهد مخيم ومدينة جنين معارك عنيفة بين الاحتلال وفصائل المقاومة انتهت بارتكاب مجزرة اسرائيلية


تعد مدينة جنين رمزًا مهمًا للصمود الفلسطيني الممتد عبر عقود، لهذا تعمد إسرائيل على وأد الحراك المقاوم فيها من آن لآخر، خوفًا من تمدده خارجها.

وأحيا جيش الاحتلال الإسرائيلي يوم 10 مايو في مقبرة جنوده بالقدس المحتلة، ذكرى العشرات من عناصره الذين قتلوا خلال محاولة احتلال مدينة جنين في العام 1948، على أثر معركة عنيفة مع الجيش العراقي والمتطوعين الفلسطينيين.

جنين.. المدينة المقدسة

يقطن مدينة جنين التي تقع شمال الضفة الغربية نحو 40 ألف نسمة، وهي تبعد عن مدينة القدس مسافة 75 كيلومترًا، وتعَد أكبر مدن المثلث الواقع بين جنين ونابلس وطولكرم.

وهي خامس الأماكن المقدسة عند المسيحيين، لمرور المسيح عليه السلام بها وعلاجه عدد من المصابين بالبرص، وكذلك يقع فيها جامع جنين الكبير العثماني الذي أنشأته فاطمة خاتون، ابنة محمد بك بن السلطان الملك الأشرف قنصوه الغوري في القرن السادس عشر الميلادي.

مخيم جنين

أُقيم المخيم في العام 1953، غرب مدينة جنين، لاستيعاب سكان منطقة الكرمل في حيفا وجبال الكرمل، وقرى تابعة لجنين احتلت عام 1948، وبحسب “الأونروا” تأسس المخيم فوق قطع من الأرض استأجرت من الحكومة الأردنية.

ويطل المخيم على سهل مرج بن عامر من جهة الشمال، وتحده من الجنوب قرية برقين، وبلغت مساحة المخيم عند الإنشاء 372 دونمًا، واتسعت الآن إلى حوالي 473 دونمًا، وبسبب قرب المخيم من القرى الأصلية لسكانه، فإن العديد منهم لا يزالون يحافظون على روابط وثيقة بأقاربهم داخل الخط الأخضر.

وحسب تقديرات “الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني” بلغ عدد سكانه عام 1967 نحو 5 آلاف و19 نسمة، وفي العام 2007 ارتفع لـ 10 آلاف و371 نسمة، وبلغ عدد سكانه اليوم نحو 11 آلفًا و674 لاجئًا، ويعمل العديد من سكان المخيم في القطاع الزراعي، ويعاني نحو ربع سكان المخيم من البطالة.

اقتحام المخيم 2002

تعرض المخيم لهجوم الاحتلال الإسرائيلي في إبريل عام 2002 وقاد العملية العسكرية رئيس وزراء الاحتلال آنذاك، أرئيل شارون، الذي قال حينها إن الهدف منها “كبح جماح المقاومة ووقف عملياتها”، وأشرف رئيس أركان جيش الاحتلال، شاؤول موفاز، على الهجوم.

وحاصر الاحتلال الإسرائيلي المخيم 10 أيام، ومنع عنه المياه والكهرباء والطعام والعلاج، وقصفت الطائرات من طراز إف-16 المخيم وقصفته القوات البرية بالمدفعية. وشهد مخيم ومدينة جنين معارك عنيفة بين الاحتلال وفصائل المقاومة انتهت بارتكاب مجزرة اسرائيلية استشهد فيها 63 فلسطينيًّا وهدم الاحتلال 400 منزل كاملًا و800 منزل جزئيًّا، وتشريد المئات من العائلات.

اعترافات الاحتلال

عقب معركة جنين، اعترف الاحتلال بمقتل 32 جنديًا وإصابة العشرات عقب وقوع جنوده في الكمائن في عدة أحياء ومنازل، أهمها كمين انتهى بمقتل 13 جنديًّا حاصرتهم المقاومة في أحد المنازل، واشتبكت معهم حتى تفجر المنزل، وطلب الاحتلال هدنة حتى تمكن من إخلاء جنوده آنذاك.

وأما الأرقام الفلسطينية فتتحدث عن مقتل 50 جنديًّا للاحتلال وإصابة العشرات، ما جعلها من أكثر المعارك التي دفع الاحتلال فيها ثمنًا باهظًا. وخلال الفترة الأخيرة، تصدت المقاومة لقوات الاحتلال في اشتباكات مسلحة عنيفة، وصفت بأنها شبيهة بمعركة المخيم، ما يشير إلى أن الاحتلال فشل في القضاء على المقاومة في المخيم.

شهادات عن معركة جنين

الروائي البرتغالي الراحل والحائز على جائزة نوبل للأدب، خوسيه ساراماغو، قال بعد زيارته للمخيم إبّان المعركة: “كل ما اعتقدت أنني أملكه من معلومات عن الأوضاع في فلسطين تحطم، فالمعلومات والصور شيء، والواقع شيء آخر، يجب أن تضع قدمك على الأرض لتعرف حقاً ما الذي جرى هنا”.

وقال حينها رئيس البرلمان العالمي للكتاب، راسل بانكس: “إن الساعات التي قضيتها في فلسطين حتى الآن حفرت في ذاكرتي مشاهد لن أنساها أبداً.. عندما اجتزنا الحاجز أحسست بأن الباب أغلق خلفي وأني في سجن. يجب أن نرفض هذا النوع من الإرهاب الثقافي الذي يدعي أن توجيه الانتقادات للجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين نوع من معاداة السامية”.

شهادة أممية

منسق الأمم المتحدة في الشرق الأوسط حينها، تيري رود لارسن، قال: “إن الوضع في مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين مذهل ومروع لدرجة لا تصدق، إن الروائح الكريهة المنبعثة من الجثث المتحللة تحوم في أنحاء المخيم”.

وأضاف: “يبدو كما لو أن المخيم تعرض لزلزال، شاهدت فلسطينيين يخرجون جثثًا من بين حطام المباني المنهارة، منها جثة لصبي في الثانية عشرة من عمره، أنا متأكد بأنه لم تجر عمليات بحث وإنقاذ فعلية”.

محطات في تاريخ جنين الحديث

ـ عام 1799: قاوم سكان جنين زحف القوات الفرنسية بقيادة، نابليون بونابرت، بحرق بساتين الزيتون التي يقتاتون منها، فأتى الرد الفرنسي على مقاومتهم بحرق المدينة ونهبها.

– عام 1886: تأسيس أول مجلس بلدي في جنين تابع للإدارة العثمانية.

ـ سبتمبر 1918: في أثناء الحرب العالمية الأولى، وقعت جنين تحت الاحتلال البريطاني مع بقية الأراضي الفلسطينية، لكن المحافظة لم تستسلم.

ـ عام 1935: نظمت أول مقاومة مسلحة ضد الاحتلال البريطاني آنذاك، بقيادة السوري عز الدين القسام، ومن بعده فرحان السعدي.

1938: استطاعت المقاومة في جنين اغتيال قائدًا بريطانيًّا كبيرًا داخل مكتبه في جنين.

1948: مع النكبة الفلسطينية تمكن الاحتلال من دخول مناطق من جنين، لكنها سرعان ما حررت بعد دفاع المتطوعين الفلسطينيين أنصار الحاج عبدالقادر الحسيني والجيش العراقي.

1951: دخلت المدينة مع سائر مدن الضفة الغربية في اتحاد مع المملكة الأردنية الهاشمية.

1953: إنشاء مخيم جنين لإيواء مهجري النكبة من بعض المناطق الفلسطينية، وسرعان ما أصبح معقلًا للمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، في السبعينيات والثمانينيات.

1964م: أصبحت مدينة جنين مركزًا للواء جنين التابع لمحافظة نابلس، وبقيت تحت الحكم الأردني حتى احتلالها في حرب 1967.

1995: باتت المدينة خاضعة للسلطة الوطنية الفلسطينية وأصبحت مركزًا لمحافظة جنين، ووقعت معظم أراضي المحافظة ضمن تصنيف أ وب حسب اتفاق أوسلو.

2002: اقتحم جيش الاحتلال مخيم المدينة بقوات غفيرة من الجيش والمشاة والدبابات بعد تطويقه بالكامل.

 

ربما يعجبك أيضا