في إيطاليا.. سوبر «ماريو دراجي» يقود مسيرة الإنقاذ وسط رياح الجائحة

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

بعد أزمة سياسية استمرت نحو شهر، احتفلت إيطاليا مطلع هذا الأسبوع، بتسلم الاقتصادي المخضرم ماريو دراجي،  لرئاسة الحكومة، خلفا لجوزيبي كونتي الذي انهارت حكومته منتصف شهر يناير الماضي عقب انسحاب حزب “إيطاليا فيفا”، إثر خلافات بشأن خطة إنفاق أموال مساعدات الاتحاد الأوروبي الخاصة بالتعافي من جائحة كورونا.

السبت الماضي أدى “سوبر ماريو” – كما يحلو لوسائل الإعلام الأوروبية أن تسميه منذ مساهمته في إنقاذ اليورو  من أزمة الديون عام 2010- اليمين الدستورية كرئيس للوزراء، وخرج أمام وسائل الإعلام ليعلن عن التشكيلة الحكومية التي أبقت على بعض الوجوه القديمة مثل وزير الخارجية لويجي دي مايو، ووزير الصحة روبرتو سبيرانزا، فيما ضمت وجوها جديدة من السياسيين والتكنوقراط مثل مارتا كارتابيا رئيسة المحكمة الدستورية السابقة التي وقع عليها الاختيار لحقيبة العدل، وعالم الفيزياء روبرتو تشيولاني لحقيبة إعادة الهيكلة البيئية، والنائب الأول لمحافظ البنك المركزي الإيطالي دانييلي فرانكو لحقيبة الاقتصاد.

من هو ماريو دراجي؟

-ولد دراجي عام 1947 في روما، لعائلة ميسورة الحال ووالده كان مصرفيا، وتلقى تعليمه الأساسي في مدرسة دينية.

– عام 1970 حصل على شهادة في الاقتصاد من جامعة لاسبييزنا في روما.

-حصل على درجة الدكتوراه عام 1976 من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا المرموق في الولايات المتحدة.

-خلال الفترة من 1975 إلى 1994 قام بتدريس الاقتصاد في العديد من الجامعات الإيطالية.

– في 1983، تم تعيينه مستشارًا لوزير الخزانة آنذاك جيوفاني جوريا.

– شغل منصب المدير التنفيذي للبنك الدولي  من 1984 إلى 1991.

-خلال الفترة من 1991 إلى 2001 قاد وزارة الخزانة الإيطالية.

-في عام 2002 ، انضم دراجي إلى إدارة بنك جولدمان ساكس، قبل أن يتم تعيينه بعد ثلاث سنوات لقيادة المركزي الإيطالي.

-خلال الفترة من 2011 إلى 2019 قاد البنك المركزي الأوروبي بمهارة يشهد لها الجميع.

– في العام 2014 وضعته مجلة فوربس في المركز الثامن في قائمة أكثر الشخصيات تأثيراً في العالم.

– حصد دراجي العديد من الأوسمة والجوائز تقديرا لجهوده في القطاع المصرفي والعمل العام، منها على سبيل المثال وسام الاستحقاق الإيطالي عام 1991، وجائزة الفارس الكبير الإيطالية عام 2000.  

الآن ماريو دراجي هو رئيس الوزراء رقم 30 لإيطاليا منذ تأسيس جمهوريتها في عام 1946، وينتظر منه أن يقدم معجزة لإنقاذ شعبه المحاصر بفعل تداعيات الوباء الذي حصد أرواح أكثر من  93 ألف إيطاليا، في حين تجاوزت إصابات كورونا سقف الـ2.7 مليون حالة.

مهمة شاقة لإنقاذ الاقتصاد والإنسان

منذ أن كلفه الرئيس سيرجيو ماتاريلا في الثالث من فبراير الجاري بتشكيل الحكومة، حاول دراجي التواصل مع جميع ممثلي الأحزاب في محاولة للخروج بحكومة متوازنة سياسيا وأيضا تضم عددا كافيا من الخبراء للمساعدة في حلحلة الأزمة  الراهنة، وكانت المفاجئة أن الرجل حصل على تأييد واسع من الأحزاب السياسية بما فيها تحالف رئيس الوزراء السابق كونتي من يسار الوسط من المعارضة اليمينية، وبحسب استطلاع عبر الإنترنت أيد نحو 59% من أعضاء حركة “خمس نجوم” الشعبوية رئيس الحكومة الجديدة، ما يضمن تصويت البرلمان في وقت لاحق لصالح حكومة دراجي الوليدة.

الأمر الأهم الذي يعكسه هذا التأييد من تيار المعارضة الإيطالية لـ”دراجي” هو حجم الآمال المنعقدة على الخبير الاقتصادي -الذي لم يكن يوما طرفا في أي صراع سياسي-  لإنقاذ ثالث أكبر اقتصاد أوروبي من براثن الركود وإدارة الاستجابة الحكومية حيال أزمة كورونا على نحو أفضل، وسط زيادة في الإصابات وتباطؤ في عمليات توزيع اللقاحات على الصعيد الوطني.

تحت وطأة الجائحة سجل الاقتصاد الإيطالي أسوأ ركود له منذ الحرب العالمية الثانية، إذ انكمش خلال 2020 بأكثر من 8%، وارتفع عجز الموازنة إلى أكثر من 10%، وبلغت نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي نحو 158%، وفقد أكثر من 420 ألف شخص وظائفهم بصفة دائمة، وهناك المئات مهددون بفقد وظائفهم في ظل استمرار قيود كورونا بما فيها حظر التجوال الجزئي وإغلاق المطاعم والأنشطة السياحية بشكل تام.  

سيكون أمام دراجي خلال أيامه الأولى في رئاسة مجلس الوزراء، مهمة شاقة تتمثل في وضع خطط دقيقة لعدة أمور أبرزها:

– تسريع حملة اللقاح، فمن أصل 60 مليون إيطالي لم يحصل على اللقاح سوى 1.2 مليون فقط.

– وضع خطة للحصول على 220 مليار يورو من أموال صندوق الإنعاش الأوروبي الذي تأسس في يوليو الماضي لدعم التعافي الاقتصادي في الدول الأوروبية، هذه الخطة ينبغي أن تقدم إلى بروكسل بحلول أبريل المقبل لشرح أوجه إنفاق هذا المبلغ الضخم.

– وضع خطة للتحفيز الاقتصادي على المدى القصير، وهي مهمة يرى البعض أنها لن تكون سهلة فالحكومة  السابقة  أطاحت بها خلافات تتعلق بإنفاق حزمة إنقاذ بنحو 32 مليار يورو تمت الموافقة عليها في يناير.  

يقول رئيس الوزراء الأسبق إنريكو ليتا -في تصريح لـ”بي بي سي”- دراجي شخص تكنوقراط يتمتع بحس سياسي جيد ودعم قوي من الأحزاب واتصالات ممتازة ببروكسل وكافة الدوائر الأوروبية، وإذا كان هناك شخص واحد يمكنه رأب الانقسامات السياسية العميقة في إيطاليا، فسيكون هو.. إن ميزته الخاصة تكمن في جمعه بين التحدث والإنصات”.

عندما كان وزيرا للخزانة تمكن دراجي من إنقاذ إيطاليا من أزمة ديون طاحنة، وعندما قاد المركزي الأوروبي تمكن من إنقاذ العملة الموحدة من تداعيات أزمة الديون، وقال كلمته الشهيرة عام 2012 “سنفعل كل ما يلزم للحفاظ على اليورو” وأوفى بها بالفعل ونجحت سياساته في دفع تكاليف الاقتراض لدول الاتحاد نحو التراجع تدريجيا وإنقاذ منطقة اليورو من التفكك.. فهل يعيد الكرة وينقذ بلاده هذه المرة أيضا ويحافظ على ابتسامته المعهودة في وجه تحديات أبرزها أزمة كورونا والحاجة إلى إصلاحات اقتصادية وهيكلية قاسية؟

ربما يعجبك أيضا