“سوا منعمل فرق”.. اللبنانيون يحاربون الجوع بـ”المقايضة”

ولاء عدلان
كتبت – ولاء عدلان

تعصف بلبنان هذه الفترة أزمة هي الأسوأ منذ الحرب الأهلية، وسط انهيار غير مسبوق لقيمة العملة المحلية دفع اللبنانيين إلى الخروج مجددًا إلى الشارع للمطالبة بتحسين أوضاعهم المعيشية ومحاربة الغلاء الفاحش رغم خطر كورونا المستجد، لكن “كورونا” ليس أفتك من الجوع.

بالأمس تجاوز سعر صرف الدولار حاجز الـ8000 ليرة، وأول أمس رفعت الحكومة سعر رغيف الخبز “المدعوم” إلى 2000 ليرة من 1500 ليرة، لينضم إلى قائمة عريضة من المواد الغذائية ارتفعت أسعارها منذ نهاية أكتوبر 2019 بأكثر من 56%، ومنذ مارس شهدت بعض المواد الغذائية زيادة تتراوح ما بين 50% و72%، في وقت يعاني فيه اللبنانيون من زيادة البطالة وانخفاض الأجور على خلفية أزمة كورونا.

ويخشى البعض من تكرار سيناريو مجاعة 1915-1918 التي مات فيها نصف السكان، وسط توقعات بأن يصل عدد السكان الذين يعيشون على المعونات الغذائية إلى 75% من الشعب بحلول نهاية العام الجاري، ما لم تجد الحكومة حلا لأزمة انهيار الليرة وتراجع مؤشرات الاقتصاد.

بحسب تقديرات البنك الدولي قرابة نصف سكان لبنان يعيشون تخت خط الفقر، وفي أبريل الماضي توقع أن تزداد نسبة الفقر في لبنان إلى 60% من السكان، منهم 22% تحت خط الفقر المدقع، وسط توقعات بتراجع الناتج المحلي الداخلي إلى أكثر من 15%.

 برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة حذر في وقت سابق من أن معدل انتشار الفقر في لبنان سيرتفع إلى 45% خلال العام الجاري، وأن يعاني نحو 22% من السكان من انعدام الأمن الغذائي، مقارنة بـ16% في عام 2019، رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب في نهاية مايو الماضي قال: إن 50% من الأسر ستصبح عاجزة عن شراء الطعام بحلول نهاية 2020.

عودة المقايضة

خلال الأيام الماضية شهدت شوارع لبنان احتجاجات غاضبة وقطع للطرقات ومناشدات لوضع حلول سريعة، واعترافًا من الطبقة السياسية بكافة ألوانها الطائفية وتياراتها السياسية المتناقضة، بأن لبنان ينهار، الرئيس اللبناني ميشال عون قال خلال اجتماع طارئ دعا له الأسبوع الماضي: يمر وطننا بأسوأ أزمة مالية واقتصادية، ويعيش شعبنا معاناة يومية قلقا على المستقبل، ويأساً من فقدان وظائفهم ولقمة العيش الكريم.

أمام هذه الأوضاع المريرة، أصبح اللبناني يعيش كل يوم بيومه كما يقولون وباتت البرادات فارغة سوى من الماء أو فتات الطعام في أغلب المنازل، والغالبية العظمى من الأسر تعيش يومها بالاعتماد فقط على احتياجاتها الأساسية، ولم يكن مستغربا أن تغلق غالبية محلات اللحوم أبوابها وسط توقف شبه تام لحركة الشراء، على الرغم أنها لجأت للبيع بالجرام بعد أن ارتفع سعر كيلو اللحوم إلى أكثر من 33 دولارا.

وسط تآكل قدرتهم الشرائية بصورة هائلة ولتأمين الاحتياجات الأساسية لعائلاتهم لجأ اللبنانيون إلى عدة طرق ومبادرات كان آخرها العودة إلى نظام المقايضة –  وهو نظام للحصول على الأغراض والبضائع مقابل أغراض أو خدمات أخرى دون استخدام للنقود- وظهرت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي لهذا الغرض خصيصا، أحدثها تحمل اسم “لبنان يقايض”، وخلال شهر أو أقل جمعت أكثر من 14 ألف مشترك.

وجد العديد من اللبنانيين ضالتهم في هذه الصفحة التي تعج بمنشورات لتبادل أغراض كالملابس أو الأجهزة الصغيرة أو الأثاث أو حتى بعض ألعاب الأطفال مقابل أغراض أساسية أبرزها المواد الغذائية وحليب الأطفال والحفاضات، فبالنسبة لحليب الأطفال ارتفع سعره إلى الضعف خلال الشهرين الماضيين، فيما ارتفع ثمن كيس الحفاضات من نحو 10 آلاف ليرة إلى 23 ألف.

الصفحة أيضا تتضمن حالات لأشخاص لا يمتلكون ما يقدمونه ثمنا للحصول على الطعام أو تأمين حاجات أطفالهم، وفي المقابل تتضمن عروضا للمساعدة من أناس قادرين أو يملكون فائضا من بعض الأساسيات التي يمكنهم التخلي عنها لغيرهم كصورة من صور التضامن الاجتماعي.

 مبادرات للتضامن

يعمل اللبنانيون وقت الأزمات تحت شعار “سوا منعمل فرق”، فحتى دون مقايضة، بادر العديد منهم لوضع اليد فوق اليد من أجل إنقاذ الأسر الفقيرة ومساعدتها، فخرجت من عباءة الأزمة العديد من صفحات التواصل الاجتماعي المخصصة لمساعدة غير القادرين وعلى أرض الواقع أطلق العديد من الشبان والجمعيات الأهلية مبادرات عدة لاحتواء الأزمة الراهنة بقدر الإمكان.

في طرابلس أطلقت مجموعة من الشباب حملة تحت عنوان “ساعد لنساعد”، داعية الأسر القادرة للتبرع لصالح المحتاجين ولو بربطة خبز، إحدى المشاركات في الحملة رينا الشعراوي تقول في تصريحات لصحيفة “الإندبندنت”: الحملة بدأت بفيديو على مواقع التواصل يدعو للتبرع بالقليل من “مونة” البيت، لمساعدة الأسر الأكثر فقرا، وتركزت أغلب المساعدات على التبرعات العينية.

وأوضحت الشعراوي أن المشاركين في الحملة يلعبون دور الوسيط بين المتبرع والأسر الفقيرة التي جرى تحديدها بجهود فردية، إذ يقوم المشاركون في تنظيم الحملة بالبحث عن الأسر الأكثر احتياجا ضمن محيطه الاجتماعي ومنطقته، ومن ثم تحديد حجم المساعدة والأسر المستهدفة.

كما انطلقت حملات لجمع المساعدات المالية وإعادة توزيعها سواء بشكل مباشر أو على هيئة سلع وحليب للأطفال، وانطلقت أيضا حملات لجمع الأدوية غير المستغلة وإعادة توزيعها لمن هم في حاجة إليها، وحتى أزمة كورونا كانت حاضرة في ذهن البعض عندما فكر في تقديم يد العون بدلا من انتظار الحلول الحكومية، فانطلقت حملات للتخفيف عن الكوادر الطبية ومساعدتهم في ظل وجودهم في الخطوط الأمامية للجائحة، فعلى سبيل المثال قامت نقابة أصحاب مكاتب تأجير السيارات بتأمين خدمة التوصيل المجاني للكوادر الطبية والممرضين.

لبنان يستورد أكثر من 80% من احتياجاته الأساسية، ولديه دين عام يتجاوز الـ86 مليار دولار، وكانت الحكومة أعلنت في مارس الماضي عدم قدرتها على الوفاء بالديون المستحقة في موعدها.. وكما قال وليد جنبلاط رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي قبل أيام: حياة الرفاهية انتهت، احنا رايحين على حالة كمان أسوأ.. أهم شيء سيكون التضامن وقد يشهد لبنان أزمة وقود وكهرباء خلال الأيام القادمة.

 

ربما يعجبك أيضا