وقف استقطاع حصة الأجيال.. خطوة استثنائية أم مغامرة اقتصادية بالكويت!

حسام عيد – محلل اقتصادي

الظروف الاستثنائية التي فرضها وباء كورونا على الكويت تدفع الحكومة إلى مطالبة البرلمان بوقف استقطاع حصة الأجيال القادمة والبالغة 10% من إجمالي الإيرادات العامة للمرة الأولى منذ عام 1976 بهدف تقليل الضوط على صندوق الاحتياطي العام، على أن يكون الاستقطاع في زمن الرخاء فقط.

صندوق الاحتياطي العام يدفع حاليًا ثمن غياب قانون الدين العام، ففي خلال السنوات الخمس الماضية تم تحويل 14 مليار دينار إلى صندوق الأجيال القادمة رغم العجز التي سجلته الموازنة خلال تلك الفترة وبقيمة إجمالية بلغت 30 مليار دينار.

أمر قد يبرر لجوء الحكومة إلى الاستدانة خلال الفترة القادمة لسد هذه العجوزات، ولكن هناك رفض نيابي من قبل مجموعة كبيرة من أعضاء مجلس لرفض قانون يرمي إلى رفع سقف الدين العام.

وكان البنك الدولي قد توقع أن يسجل اقتصاد الكويت أكبر نسبة انكماش خلال العام الجاري.

خطة نحو التقشف

وقد شكّل فيروس كورونا ضربة قوية لاقتصادات جميع الدول تقريبا، وذلك بالنظر إلى إجراءات الإغلاق التي اتخذتها مختلف البلدان بسبب التخوف من تفشي الفيروس، والتي طالت معظم القطاعات.

وفي الكويت -التي لم تكن استثناء بين الدول- جاء التهاوي في أسعار النفط ليفاقم الضغط على الاقتصاد رغم الملاءة المالية القوية التي يتمتع به البلد الخليجي، والتي ربما ستساعده على امتصاص الأزمة وتجاوزها بشكل أسرع من غيره، لكنها لن تجعله بعيدًا عن اتخاذ إجراءات قاسية لعبور المرحلة بأمان، بحسب خبراء ومختصين.

ومنذ بداية أزمة كورونا أعلنت الحكومة الكويتية عن خطة للتقشف والتوقف عن الإنفاق السخي إلا على القطاع الصحي، وذلك في ظل توقعات بأن تخلّف الأسعار الحالية للنفط عجزا تاريخيا لم تشهده البلاد من قبل.

وتمثلت أولى خطوات الحكومة الكويتية في تعديل ميزانية الوزارات والإدارات الحكومية للسنة المالية الجارية 2020/ 2021 بزيادة مبلغ 500 مليون دينار كويتي (نحو 1.62 مليار دولار)، لتغطية الاحتياجات الطارئة اللازمة لمواجهة فيروس كورونا.

وفي ظل هذا التفاقم المحتمل للعجز في الميزانية تقف الحكومة أمام خيارات عدة.

مشروع قانون لوقف استقطاع حصة الأجيال

وتعتزم الحكومة الكويتية إرسال مشروع قانون إلى مجلس الأمة لوقف استقطاع حصة صندوق الأجيال القادمة من إجمالي الإيرادات الفعلية لموازنتها.

وتستقطع الكويت حاليا بحكم القانون ما لا يقل عن 10% سنويا من إيراداتها التي تتأتى في غالبيتها من الصادرات النفطية، لصالح احتياطي الأجيال القادمة، الذي تديره الهيئة العامة للاستثمار.

وقال مصدر حكومي، إن وقف الاستقطاع سيوفر أكثر من مليار دينار (3.25 مليارات دولار) في السنة المالية الحالية وحدها، والتي وصفها “بالاستثنائية” في ظل تفشي كورونا وهبوط أسعار النفط الخام.

وفي السياق ذاته، تحويل حصة صندوق الأجيال القادمة سيُربط مستقبلًا بتحقيق فوائض فعلية في الميزانية العامة، بدلا من الوضع الحالي الملزم بالتحويل بصرف النظر عن تسجيل فائض أو عجز.

ومن شأن وقف الاستقطاع الذي وافقت عليه الحكومة أن يقلل الضغوط على صندوق الاحتياطي العام، الذي ساء وضعه كثيراً بالفترة الأخيرة، في ظل غياب قانون الدين العام.

ويدفع صندوق الاحتياطي العام حالياً ثمن التباطؤ في إقرار قانون الدين العام الجديد، حيث قام خلال السنوات الأخيرة، وتحديداً منذ بداية عجز الموازنة في السنة المالية 2014-2015، وحتى نهاية السنة المالية 2019-2020، بتحويل ما يقدّر بـ13.8 مليار دينار (44.8 مليار دولار) تقريباً إلى صندوق الأجيال، في الوقت الذي حققت فيه الموازنة خلال تلك السنوات خسائر تبلغ قيمتها نحو 30 مليار دينار (97.4 مليار دولار).

هل هذا هو الإجراء الأنسب للمرحلة الراهنة؟

من جهته، أكد وزير التجارة والصناعة الكويتي السابق يوسف العلي أن خطوة إيقاف استقطاع حصص الصندوق لها ما لها وعليها ما عليها، فهي ستخفف الضغط على الميزانية، لكن هل هذا هو الإجراء الأنسب في هذا الوقت.

وبدأت الكويت بالادخار لـ”الأجيال” منذ عام 1976، إلا أنها تبدو أمام مرحلة جديدة قد تكون أبرز ملامحها دخول أسواق السندات لتمويل العجز المتفاقم على وقع صدمتَي النفط وكورونا.

ومنذ تأسيسه كان الهدف الرئيس هو الاستثمار في الأسهم العالمية والعقارات لمصلحة أجيال المستقبل في الكويت؛ بتحويل 50% من رصيد صندوق الاحتياطي العام الذي أنشئ عام 1953، إضافة إلى إيداع ما لا يقل عن 10% من جميع إيرادات الدولة السنوية في الصندوق لإعادة استثمار العائد من الإيرادات.

وهدفت الكويت من إنشاء الصندوق إلى تأمين مستقبل أجيال البلاد القادمة؛ لأن إيرادات النفط تمثل المصدر الأساسي للدولة، وتعد من الموارد القابلة للنضوب، لذا وجب على الدولة تأمين حياة أجيال المستقبل، وشرعت في تأسيس صندوق استثماري أطلقت عليه “صندوق الأجيال القادمة”.

وتقدر موجودات صندوق احتياطي الأجيال القادمة السيادي بنحو 490 مليار دولار يديرها عبر استثمارات طويلة الأجل في أصول مختلفة تتراوح بين الأسهم والسندات والملكيات الخاصة والعقارات والبنى التحتية.

ويتكون “صندوق الأجيال القادمة” من استثمارات تتم خارج الكويت على أساس استراتيجية معتمدة لتوزيع الأصول في فئات أصول مختلفة، في حين تستند عملية توزيع الأصول في الهيئة إلى مساهمات الناتج المحلي الإجمالي العالمي والرسملة السوقية، فضلاً عن عوامل مختلفة أخرى؛ مثل قوانين الاستثمار (ومن ذلك الأنظمة الضريبية)، وإمكانات النمو المستقبلية.

وختامًا، قد تعتبر خطوة وقف استقطاع حصة صندوق احتياطي الأجيال القادمة خطوة ضرورية بالكويت في ظل عدم وجود غطاء مالي، فالأمر كان منطقيًا وقت أن كانت الموازنة تحقق فوائض مالية، وذلك من أجل الاستثمار والادخار لمصلحة الأجيال المقبلة، أما الآن فالإيرادات لم تعد كافية للاستمرار في هذا الإجراء.

لكن قد تبدو تلك الخطوة غير حتمية وغير مستحقة في هذه المرحلة مع الأخذ بعين الاعتبار وجود خيارات عدة يمكن للحكومة أن تلجأ إليها ستكون أقل تكلفة، من بينها؛ الاقتراض الداخلي عبر طرح سندات دين من خلال البنك المركزي أو الاقتراض من البنوك المحلية، هذا فضلا عن استطاعة وزارة المالية أيضا تمويل الميزانية من خلال السندات، وبالتالي لن توجد استدانة دولية أو خارجية.

ربما يعجبك أيضا