رغم الاشتباك السياسي.. واشنطن وبكين تأملان الاستقرار تجاريًا

حسام عيد – محلل اقتصادي

وسط تصاعد حالة الشد والجذب في العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية على خلفية تفاقم جائحة كورونا الوبائية، وتوجيه واشنطن اتهامات لبكين بتخليق فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” بأحد معاملها في مدينة ووهان، مرورًا بمشروع القانون الذي أعده البرلمان الصيني لـ “حماية الأمن القومي لهونغ كونغ”، والذي تعتقد واشنطن أنه يهدف إلى القضاء فيها على الحكم الذاتي الموسع، وحتى إغلاق القنصليات، وتصريح دونالد ترامب بأنه لا يستبعد أن تتوقف الولايات المتحدة في مرحلة ما عن التعامل مع الصين تمامًا. غير أن الاتفاق التجاري كان وعدًا قطعه ترامب للمزارعين الأمريكيين الذين عانوا كثيرًا من الحرب التجارية ولا سيما مع خفض بكين استيراد منتجات مثل الصويا.

فاجأت القوتان الاقتصاديتان، العالم، بمساعيهما الحثيثة نحو تنفيذ اتفاق المرحلة الأولى التجاري الثنائي الذي تم التوصل إليه في وقت سابق من هذا العام.

تعهدات بإنجاح اتفاق المرحلة 1

فقد أعلنت كل من الولايات المتحدة والصين التوافق على العمل لإنجاح الاتفاق التجاري الذي توصلتا إليه في وقت سابق.

وقال ممثل التجارة الأمريكيروبرت لايتهايزر في بيان صدر في ختام محادثات هاتفية جرت بينه ونائب رئيس الوزراء الصيني ليو هيه إن الطرفين يلمسان تقدمًا ومصممان على أخذ الإجراءات اللازمة لضمان نجاح الاتفاق.

وأضاف البيان أن وزير الخزانة الأمريكي شارك أيضا في هذه المحادثات الهاتفية.

وقال مكتب الممثل التجاري الأمريكي إن المحادثات الهاتفية الثنائية تطرقت إلى “الخطوات التي اتخذتها الصين لتنفيذ تغييرات هيكلية حيز التنفيذ” بشأن مسائل من بينها حماية حقوق الملكية الفكرية وإزالة العوائق أمام الشركات الأمريكية في قطاعي الخدمات المالية والزراعة وإنهاء عمليات النقل القسري للتكنولوجيا.

وأضاف “ناقش الطرفان أيضا الزيادات الكبيرة في مشتريات الصين من المنتجات الأمريكية وكذلك الإجراءات المستقبلية اللازمة لتنفيذ الاتفاق”.

بدورها رأت بكين بأن الحوار كان بناء ويدعم تعزيز وتنسيق سياسات الاقتصاد الكلي للبلدين.

وأضافت أن الطرفين اتفقا على تهيئة الظروف والأجواء لمواصلة دفع تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق الاقتصادي والتجاري بينهما.

ما هو الاتقاق؟

وكانت الولايات المتحدة والصين قد أبرمتا اتفاق التجارة “المرحلة 1” في يناير الماضي، في خطوة هدأت من الحرب التجارية الدائرة بينهما وتعهدت بموجبها بكين باستيراد سلع أمريكية إضافية بقيمة 200 مليار دولار على مدى عامين، إلا أن تأجيل مراجعة الاتفاق التي كانت مقررة الأسبوع الماضي دون تحديد موعد جديد، وتصريحات الرئيس ترامب المشككة بمتابعة هذه المحادثات، أثارت مخاوف عودة النزاع بين الطرفين، إلى منطقة الصفر.

وكان من المقرر أن يدخل اتفاق المرحلة الأولى التنفيذ منتصف فبراير الماضي، وهو ما يعني مضاعفة الجانب الصيني مشترياته من السلع الأمريكية بنحو 76.7 مليار دولار بشكل مبدئي، ثم 123 مليار دولار إضافية خلال العام المقبل.

ويتوزع حجم المشتريات الصينية لسلع أمريكية بالعام 2020 بين 32.9 مليار دولار منها تذهب لمنتجات قطاع الصناعة، و18.5 مليار دولار لقطاع الطاقة، و12.8 مليار دولار للخدمات، ومنتجات زراعية بقيمة 12.5 مليار دولار.

وفي عام 2021، ستقوم الصين بشراء سلع صناعية أمريكية بقيمة 44.8 مليار دولار، وبما يعادل 33.9 مليار دولار لمنتجات قطاع الطاقة، و25.1 مليار دولار كخدمات، و19.5 مليار دولار موجهة للمنتجات الزراعية الأمريكية.

وبحسب بيانات رسمية، فإن مشتريات الصين من السلع الأمريكية تقل كثيرا عن الوتيرة المطلوبة لتلبية زيادة في العام الأول تبلغ 77 مليار دولار المحددة في الصفقة.

وبينما كثفت الصين في الآونة الأخيرة شراء سلع زراعية منها فول الصويا، فإنها لا تزال بعيدة عن الوفاء بالتزامها بشراء ما قيمته 36.5 مليار دولار من السلع الزراعية الأمريكية بموجب الاتفاق، وهي المشتريات التي اعتمد عليها ترامب لتعزيز دعمه في الولايات الزراعية التي أيدته في انتخابات عام 2016.

وصدّرت الولايات المتحدة سلعا زراعية إلى الصين في النصف الأول من العام بقيمة 7.274 مليار دولار فحسب، وفقا لمكتب الإحصاء الأمريكي.

فيما اشترت الصين خمسة بالمئة فقط من منتجات الطاقة المستهدفة البالغة 25.3 مليار دولار من الولايات المتحدة في النصف الأول من عام 2020. وقد حجزت شركات النفط الصينية المملوكة للدولة ناقلات لنقل ما لا يقل عن 20 مليون برميل من الخام الأمريكي لشهري أغسطس وسبتمبر.

من المستفيد الأكبر؟

قد تكون شركات التكنولوجيا الأمريكية أكثر المستفيدين من اتفاق المرحلة 1 بحكم الانكشاف الكبير على السوق الصيني، وخصوصًا الشركات العاملة بقطاع أشباه الموصلات، ودعم الملكية الفكرية.

وكان سهم كوالكوم شديد الحساسية للمفاوضات التجارية، وتراجع 1.7% مع بدايات التوترات التجارية وحتى منتصف يوليو 2019.

وهناك أيضًا شركات أخرى تعمل في هذا القطاع ستستفيد مثل شركة مايكرون.

إذًا، ستكون الاستفادة بالنسبة للشركات الأمريكية العاملة في قطاعات محددة، كبيرة، من التوقيع على الاتفاق التجاري.

وبالنسبة لشركات الطاقة الأمريكية، سوف يكون لديها مشاركة كبيرة في هذا الاتفاق بحكم أن الصين تعهدت بتخصيص 50 مليار دولار لشراء سلع الطاقة الأمريكية.

وهذا سينعكس إيجابًا على شيفرون، وإكسون موبيل التي تكبد سهمها خسائر بنسبة 17% من يوليو 2018 وحتى نوفمبر من العام ذاته، فيما شهد تذبذبات كبيرة خلال عام 2019 لتأثره بشكل أكبر بالتقلبات الحاصلة على أسعار النفط.

هبوط الدولار

ودفعت أنباء الاتصال الأسهم العالمية والعملات الآسيوية إلى الصعود، في تعاملات جلسة اليوم الثلاثاء الموافق 25 أغسطس، بينما هبط الدولار.

ويؤكد هذا مجددا ثقة المستثمرين في أنه وحتى إذا ما توترت العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن وبكين، يمكن أن تنأى العلاقات التجارية بين البلدين بنفسها عن هذا التوتر.

وارتفع سعر الدولار الأسترالي على وقع تلك الأنباء بنسبة 0.2% إلى 0.7172 دولار، كما زاد سعر اليوان الصيني إلى 6.9007.

ونزلت العملة الأمريكية مقابل اليورو 0.2 بالمئة إلى 1.1813 دولار، وبالنسبة ذاتها مقابل الجنيه الاسترليني إلى 1.3088 دولار.
 

ربما يعجبك أيضا