أزمة الطاقة في أوروبا .. دلالات وتداعيات

authoraccount201

كتبت: أسماء فهمي

من المسلم به جيدًا أن ضمان إمدادات طاقة آمنة وموثوقة بأسعار معقولة ومستقرة أمر حيوي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وينبغي أن يشكل جزءًا لا يتجزأ من سياسة طاقة سليمة ومتسقة، وعزز الاعتماد المتزايد لأوروبا ككل على واردات الطاقة والزيادات المتوقعة في أسعار الطاقة من المخاوف بشأن تلبية الطلب على الطاقة، كما أنه كان للتحول إلى طاقة أنظف مثل الرياح والطاقة الشمسية تأثير في زيادة الطلب على الغاز، وهو الأمر الذي أدى إلى وقوع أوروبا بين شقي الرحى أزمة طاقة وسط ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي وزيادة الطلب على الوقود في الوقت الذي يقترب فيه موسم الشتاء الذي سيجعل الوصول إلى الوقود أكثر إلحاحًا.

دلالات الأزمة

نظراً لاعتماد الدول أكثر من أي وقت مضى على الغاز الطبيعي لتدفئة المنازل وصناعات الطاقة وسط جهود للإقلاع عن الفحم وزيادة استخدام مصادر الطاقة الأنظف، مع عدم وجود ما يكفي من الغاز لتغذية التعافي بعد الجائحة وإعادة ملء المخزونات المستنفدة قبل الأشهر الباردة، أدى ذلك إلى ارتفاع سعر الغاز الطبيعي في القارة بشكل حاد خلال العام الماضي حيث ارتفع المؤشر الأوروبي بنحو 500 في المائة، كما انخفضت المخزونات في منشآت التخزين الأوروبية، مما دفع الاتحاد الأوروبي إلى السعي لتحصيل المزيد من إمدادات الغاز من شركة الطاقة الروسية غازبروم، والتي تعد بالفعل أكبر مورد لأوروبا وتوفر 35 في المائة من احتياجات القارة، وتنذر الأزمة في أوروبا بالمتاعب لبقية العالم ، حيث أدى نقص الطاقة في القارة إلى تحذير الحكومات من انقطاع التيار الكهربائي وإجبار المصانع على الإغلاق، ويمكن متابعة تطور أسعار الغاز الطبيعي الأوروبية من خلال الشكل التالي:

شكل يوضح تطور أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا خلال العام الحالي 2021

image 1

يبين الشكل السابق الاتجاه التصاعدي لأسعار الغاز الطبيعي في أوروبا والذي ترك تأثيراً كبيراً على نواحي الحياة في القارة، حيث أثارت الأسعار القياسية تلك التي يدفعها الموردون في أوروبا ونقص إمدادات الغاز في جميع أنحاء القارة مخاوف من حدوث أزمة طاقة، وتواجه الأسر بالفعل فواتير أكثر حدة بينما بدأت بعض الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة في إبطاء الإنتاج، مما قلل من التفاؤل حول التعافي الاقتصادي بعد الوباء.

وأجبر الارتفاع المفاجئ للأسعار بعض منتجي الأسمدة في أوروبا على خفض الإنتاج، ومن المتوقع أن يتبع ذلك المزيد، مما يهدد بزيادة التكاليف على المزارعين وربما زيادة تضخم أسعار الغذاء العالمي، فعلى سبيل المثال في المملكة المتحدة، أجبرت أسعار الطاقة المرتفعة العديد من الموردين على التوقف عن العمل.

أهمية الغاز الروسي

تعد روسيا أهم عامل في التطورات التي تحدث نظراً لحصول قارة أوروبا على أكثر من ثلث إجمالي إمداداتها من الغاز من شركة غازبروم، مورد خطوط الأنابيب الاحتكاري المدعوم من روسيا، إلا أنه أدى شتاء 2020-21 الطويل إلى استنزاف مرافق التخزين في كل من روسيا وأوروبا القارية إلى مستويات منخفضة. ولم تفعل غازبروم الكثير لمساعدة أوروبا على إعادة الملء ، ورفضت شحن إمدادات إضافية عبر أوكرانيا بخلاف ما تم تأمينه بموجب عقود طويلة الأجل، وبالتالي يتوقع المحللون أنه وحتى صيف 2023 على الأقل فإن أٍعار الوقود لن تنخفض مرة أخرى إلى مستويات سنوات ما قبل كوفيد، خاصة مع وجود منافسة طويلة المدى على إمدادات الغاز حيث بدأت روسيا في إمداد الصين بالغاز عبر خط أنابيب “باور سيبيريا” قبل عامين.

وبالتالي نجد أن احتمالية تسريع تكاليف الطاقة، بالتزامن مع تقلص سلاسل التوريد واستمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية عند أعلى مستوياتها قد يجعل البعض يتسائل إلى متى ستطول أزمة الطاقة وهل ستطول بفترة موسم الشتاء ومدى احتمالية تحولها لأزمة عالمية!

ربما يعجبك أيضا