العملات المشفرة.. ملاذ رائج أم سراب كبير؟

سارة كريم

ارتفعت عملة "بتكوين" بنسبة 305% في عام 2020 وحققت صعوداً بنسبة 60% أخرى في عام 2021، ليحقق سعرها رقماً قياسياً بلغ 69 ألف دولار تقريباً في أوائل نوفمبر 2021


ساعد انخفاض أسعار الفائدة للغاية وضّخ تريليونات الدولارات عبر حزم التحفيز الحكومية على زيادة أسعار الأصول الرقمية، فهل يمكن للسوق أن تصمد من دونها؟

مع تحوّل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى تشديد سياسته النقدية، انخفضت العملة المشفرة “بتكوين” بنحو 40% من أعلى مستوياتها. واتسع نطاق تداول العملات المشفرة بعد مارس 2020، عندما أطلق مجلس الاحتياطي الفيدرالي والكونجرس برامج تحفيز نقدية بقيمة تريليونات الدولارات لتخفيف الصدمة الاقتصادية الناجمة عن الوباء. سلكت حزمة من تلك الأموال طريقها إلى الأصول الرقمية، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار.

وجهات نظر

يعتبر المدافعون عن اقتناء “بتكوين” أنها المخزن النهائي للقيمة، وأقوى وسيلة تحوّط ضد التضخم المتفشي الناجم عن عدم انضباط تحركات البنوك المركزية وطباعتها للنقود.

بالنسبة إلى المشككين، فإنّ عالم التشفير ككل بمثابة سراب، وكانت قيمته الهائلة التي تجاوزت تريليونَي دولار مجرد نتيجة للمضاربة باستخدام الأموال الرخيصة، التي تتدفق في الاقتصاد العالمي. ونتيجة لذلك فإنّ العملات المشفرة عبارة عن فقاعة كبيرة، وفق رأيهم. فكلتا النظريتين على وشك مواجهة أكبر اختبار لها حتى الآن.

ظهور “بتكوين”

ظهرت “بتكوين”، العملة المشفرة الأصلية، منذ أكثر من عقد من الزمان من بين أنقاض الأزمة المالية العالمية، لتتجاوز البنوك والوكالات الحكومية الغارقة في الكارثة الكبيرة التي ضربت “وول ستريت” في ذلك الوقت.

الحصول على “بيتكوين” يكون باستخدام بطاقات الائتمان عبر مواقع عالمية شهيرة مثل موقع «اندكوين»، الذي يمتلك خاصية استخدام اللغة العربية، وموقع «باكسفول»، الذي يتيح استخدام طرق متعددة للدفع، مثل “التحويلات البنكية” وبطاقات الهدايا من “أمازون وآي تيونز” و”ويسترن يونيون”، إضافة إلى موقع كوينماما.

واكتسب الرمز الرقمي أتباعًا بشكل مطرد، وألهم سلسلة من الطامحين إلى الثراء الذين تحمّلوا بعض المراحل الخطرة، لكن لم تنطلق السوق حقَا إلا بعد نشوب الأزمة الكبيرة، وهي تفشي “كوفيد-19”.

وقت الازدهار

وارتفعت عملة “بتكوين” بنسبة 305% في عام 2020 وحققت صعوداً بنسبة 60% أخرى في عام 2021، ليحقق سعرها رقمًا قياسيًا بلغ 69 ألف دولار تقريبًا في أوائل نوفمبر 2021. منذ ذلك الحين، ظلت في حالة هبوط لا هوادة فيه، إذ أثقلها إلى حد كبير توجّه البنك المركزي نحو تشديد السياسة النقدية.

مع تزايد احتمالات بأن يبدأ صانعو السياسة سلسلة من زيادات أسعار الفائدة في مارس المقبل -وهي خطوة من بين عدة خطوات لسحب السيولة من السوق- يبقى أن نرى ما إذا كان نظام العملات المشفرة يمكنه الصمود دون تلك السيولة أم لا.

وتعرضت لهبوط قوي العملات المشفرة بالفعل أخيرًا، بعد انخفاض سعرها إلى نحو 44 ألف دوار حاليًا، وخسارة 40% من أعلى مستوياتها، فيما عانت العملة إيثريوم وغيرها من “العملات الرقمية البديلة” أيضًا انخفاضات حادّة. لكن خلال معظم تاريخها البالغ 13 عامًا، تمتعت “بتكوين” ببيئة من السياسة النقدية التيسيرية ومعدلات فائدة صفرية أو سلبية.

آثار مضاعفة

على الرغم من عدم وجود خط مباشر بين خزائن الاحتياطي الفيدرالي وأوامر شراء “بتكوين” في البورصات، فإنّ ثمة علاقة ترابط وفقًا لرئيس “بروشين كابيتال”، صندوق تحوط للعملات المشفرة، ديفيد تاويل.

فمن ناحية، يمكن أن يكون لشراء بنك الاحتياطي الفيدرالي أي نوع من الأصول آثارًا مضاعفة ويرفع أسعار الاستثمارات الأخرى. وقال تاويل: “كل القوة الشرائية والقوة القابلة للاستثمار الموجودة يجب أن تذهب إلى أصل ما”. من ناحية أخرى، مع انخفاض أسعار الفائدة إلى أدنى مستوياتها، اضطرّ المستثمرون إلى البحث في السوق عن فرص ذات عوائد أعلى، وتحوَّل كثيرون إلى العملات المشفرة لقدرتها على تحقيق مكاسب ضخمة.

القيمة العادلة

كانت المرة الأخيرة التي رفع فيها البنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة في ديسمبر 2018، وجاءت الخطوة في إطار سلسلة من عمليات الرفع. في ذلك الوقت، كان يجري تداول “بتكوين” مقابل نحو 3 آلاف و700 دولار، وكانت مفاهيم مثل “التمويل اللامركزي” و”الرموز غير القابلة للاستبدال” على بُعد سنوات من استخدامها في القاموس أو في الحديث بين الناس.

واتضح في نهاية الأمر أنه كان عامًا صعبًا بالنسبة إلى العملة المشفرة الأصلية، عندما خسرت “بتكوين” أكثر من 40% خلال الشهرين الماضيين، وهي الفترة التي تزامنت أيضًا مع تذبذب حادّ للأسهم الأمريكية. وتظهر هذه الديناميكية مرة أخرى حالياً مع تراجع “بتكوين” والأسهم ذات القيمة العالية، قبل جولة جديدة متوقعة من التشديد النقدي لدى الاحتياطي الفيدرالي.

على الرغم من ذلك، لا تزال “بتكوين” أداة تشهد تحولات بقدر كبير. ومثلت أشياء عدة لكثير من الناس لما يزيد على عقد حتى الآن، وستستمر في التطور. بعد كل ذلك، جرى شطبها مراراً وكأن لا وجود لها، وجرى استنكارها، وانتقادها، واعتبارها فقاعة فقط، لتعود أقوى في كل مرة.

ربما يعجبك أيضا