النفط السعودي بالعملة الصينية.. كيف تتحكم الرياض بصراع الهيمنة على الاقتصاد العالمي؟

ولاء عدلان

الخطوة السعودية حال حدوثها ستدفع منتجين آخرين مثل العراق وروسيا لتسعير صادراتهم للصين باليوان، ما يمكن أن يهز هيمنة الدولار


أفادت تقارير إعلامية، يوم الثلاثاء 15 مارس، بأن السعودية تجري محادثات مع الصين لتسعير بعض مبيعاتها النفطية بـ”اليوان”.

هذه الخطوة في حال حدثت سيكون لها تأثير على هيمنة الدولار الأمريكي على سوق النفط العالمية، وستمثل تحولًا في استراتيجية التسعير التي تنتهجها السعودية منذ العالم 1947، وتلتزم فيها ببيع صادراتها النفطية بالدولار حصرًا.

محادثات لبيع الخام السعودي باليوان

ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن السعودية، أكبر مُصدر للنفط عالميًا، تجري محادثات مع بكين ثاني أكبر مستهلك للنفط بالعالم، لقبول الدفع باليوان مقابل بعض مبيعاتها النفطية، ونقلت عن مصادر مطلعة أن هذه المحادثات بشأن عقود النفط المسعرة باليوان توقفت منذ 6 سنوات لكنها تسارعت هذا العام.

ونقلت الصحيفة الأمريكية عن مسؤول سعودي قوله إن الصين، أكبر مستورد للخام عالميًا بواقع “10 ملايين برميل يوميًا”، تقدم حاليًا العديد من الحوافز المربحة للسعودية، سعيا لتسعير بعض وارداتها النفطية باليوان، في المقابل استبعد مسؤول أمريكي هذه الخطوة، وقال إن تحويل ملايين براميل النفط الخام من الدولار إلى اليوان كل يوم يمكن أن يضر باقتصاد السعودية لارتباط عملتها “الريال” بالدولار.

نفت شبكة “سي إن بي سي” نقلا عن مصادر سعودية، ما أوردته “وول ستريت  جورنال” بشأن قبول الدفع باليوان مقابل مبيعاتها النفطية للصين، إلا أن هذا النفي لم يمنع عملة الصين من التفاعل إيجابًا مع الخبر والارتفاع مقابل الدولار في جلسة أمس إلى مستوى 6.3867، بعد أن ترجعت بين 10 و14 مارس بنحو 1.1%، وفقًا لـ”بلومبرج“.

البحث عن بدائل للدولار

وخلال مارس الحالي، حذرت مؤسسات مالية كبرى مثل “كريدي سويس” من أن العقوبات الغربية على روسيا عقب العملية العسكرية في أوكرانيا فبراير الماضي، وتحديدًا تلك التي تمنعها من الوصول إلى احتياطياتها من الدولار واليورو، قدتدفع بلدانًا أخرى للحد من اعتماد الدولار كعملة للاحتياطيات، في وقت يهيمن الدولار على نحو 70% من احتياطيات البنوك المركزية حول العالم.

لكن وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين قالت يوم 12 مارس، إن الدولار الأمريكي لا يواجه خطر فقدان مكانته كعملة احتياطية مهيمنة عالميًا، مضيفة “لدينا أعمق أسواق رأس المال وأكثرها سيولة من أي بلد على وجه الأرض، ولدينا نظام اقتصادي ومالي يعمل بشكل جيد مع سيادة القانون، ولا توجد عملة أخرى يمكن أن تنافس الدولار كعملة احتياطية.”

هل يمكن التحرر من هيمنة الدولار؟

وبالنسبة للصين ثاني أكبر اقتصاد بالعالم بعد أمريكا، أصبح استخدام الدولار خطرًا أبرزته العقوبات الأمريكية على إيران بسبب برنامجها النووي، والآن العقوبات على روسيا، لذا سعت في العام 2018 لتقديم عقود النفط المقومة باليوان كجزء من جهودها لجعل عملتها قابلة للتداول عالميًا، لكنها لم تؤثر في هيمنة الدولار على سوق النفط، فحوالي 80% من المبيعات النفط العالمية تجرى باستخدام الدولار.

بالنسبة للسعودية التي تصدّر يوميًا نحو 6.2 مليون برميل، فهي تتداول النفط مقابل الدولار حصرًا منذ العام 1974 وفق اتفاقية وقعتها مع إدارة الرئيس الأمريكي الراحل ريتشارد نيكسون، وفي حال تمكنت من إبرام عقود لبيع صادراتها مقابل عملة أخرى غير الدولار فسيكون تحولًا عميقًا بالنسبة لاقتصادها، نظرًا لارتباط سعر صرف الريال بالدولار، وفقًا لـ”فوكس بيزنس“.

نمو العلاقات الصينية السعودية

أفادت وول ستريت جورنال في 14 مارس بأن السعودية وجهت دعوة للرئيس الصيني شي جين بينغ لزيارة الرياض، وسط تطلعها لتعميق العلاقات مع أكبر شركائها التجاريين “بكين”، لافتة إلى أن الزيارة قد تكون بعد شهر رمضان الذي سيبدأ مطلع أبريل المقبل، وأنها ستكون أول رحلة خارجية للرئيس الصيني منذ بدء جائحة كوفيد-19.

وتعد السعودية أكبر مورد للنفط الخام للصين، ففي 2021 صدّرت لها نحو 1.76 مليون برميل يوميًا، وعلى مدار أكثر من 30 عامًا شهدت العلاقات السعودية الصينية نموًا ملحوظًا، فعند تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1990، كان حجم التجارة الثنائية بينهما يبلغ نحو 500 مليون دولار، لكن في عام 2020 قفز هذا الرقم إلى 95.94 مليار دولار، وفقا لـ”بلومبرج” و”شينخوا“.

في 10 مارس الحالي، أعلنت شركة “أرامكو السعودية” الدخول في شراكة استثمارية لتطوير منشأة تضم مصفاة رئيسة ومجمعًا متكاملًا للبتروكيماويات في شمال شرق الصين، وسيمثل هذا المشروع المتوقع بدء تشغيله في 2024 فرصة لـ”أرامكو” لتوريد ما يصل إلى 210 آلاف برميل يوميًا من النفط الخام للمجمع.

لماذا قد تحاول السعودية تسعير نفطها باليوان؟

اعتبر مدير شركة “كيكسيليز” الأمريكية للاستشارات المالية فيكتور شينغ أنه في حال تحولت السعودية إلى اليوان لتسعير صادراتها من الخام للصين فهذا سيؤدي إلى زيادة احتياطاتها من اليوان ويقلل من حيازاتها للدولار بصورة تدريجية، وفقًا لـ”بلومبرج“، كما ستشكل هذه الخطوة دعمًا لمكانة “اليوان” فالصين تشتري أكثر من 25% من النفط الذي تصدره السعودية.

في المقابل اعتبرت “وول ستريت جورنال” أن هذه الخطوة السعودية حال حدوثها ستدفع منتجين آخرين مثل العراق وروسيا لتسعير صادراتهم للصين باليوان، ما يمكن أن يهز هيمنة الدولار، ونقلت عن الخبير الاقتصادي جال لوفت قوله إن أسواق النفط والسلع العالمية بمثابة بوليصة تأمين لوضع الدولار كعملة احتياطية، وإذا خُرقت هذه القاعدة ستبدأ مكانة الدولار في الانهيار.

ربما يعجبك أيضا