أشرسها التضخم.. تونس في قبضة أزمات قاسية

ولاء عدلان

البنك المركزي التونسي: ميزانية 2022 ستسجل عجزا بـ9.7% ارتفاعا من 6.7% في توقعات سابقة، بسبب ارتفاع الدولار وأسعار الحبوب والطاقة.


حذر محافظ البنك المركزي التونسي، مروان العباسي، من تداعيات ارتفاع معدلات التضخم على حياة المواطنين، بعد أن سجل أعلى مستوياته في 6 سنوات.

وقال العباسي، خلال مؤتمر صحفي، يوم الجمعة الماضية 20 مايو 2022، إن أكبر كارثة قد تواجه التونسيين هي ارتفاع معدل التضخم إلى رقمين، لذا اضطر البنك المركزي إلى استخدام أدواته عبر رفع سعر الفائدة هذا الشهر لأول مرة منذ 2019.

التضخم الأعلى منذ 2018

ارتفع معدل التضخم في تونس خلال إبريل 2022 إلى 7.5% على أساس سنوي، من 7.2% في مارس، مسجلًا أعلى مستوياته منذ 2018، بضغط من ارتفاع أسعار المواد المصنعة بـ9.3%، وارتفاع المواد الغذائية بـ8.7%، وأعرب المركزي التونسي في بيان بتاريخ 17 مايو ،عن قلقه إزاء المخاطر التصاعدية التي تحيط بآفاق التضخم.

وشدد المركزي على أهمية تنسيق السياسات الاقتصادية لتجنب أي انزلاق تضخمي قد يزيد من حدة مواطن الضعف، ويعيق انتعاشة النشاط الاقتصادي، مشيرًا إلى أنه قرر رفع سعر الفائدة 75 نقطة أساس من 6.25% إلى 7%، للمرة الأولى منذ فبراير 2019 عندما رفعها 1%، وتوقع المركزي استمرار التضخم عند مستويات مرتفعة قياسية خلال 2022 و2023.

Untitledسسساغ

مسار التضخم في تونس خلال 2022

تفاقم العجز

أوضح المركزي التونسي أن عجز الحساب الجاري أي الفرق بين الصادرات والواردات، بلغ -2.7% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي، مقارنة مع -1.7% خلال 2021، مشيرًا إلى أن احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي وصلت في 16 مايو إلى 23.655 مليار دينار أي نحو 7.76 مليار دولار، ما يعادل 124 يومًا من الواردات، مقارنة مع 133 يومًا من بنهاية 2021.

وتوقع محافظ المركزي في مؤتمر صحفي يوم الجمعة الماضية أن يتسع عجز الحساب الجاري إلى نحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي في 2022، في حين ستسجل ميزانية البلاد للعام 2022 عجزًا بـ9.7%، ارتفاعًا من 6.7% في توقعات سابقة بسبب ارتفاع الدولار والزيادة الحادة في أسعار الحبوب والطاقة، وتراجع الدينار منذ بداية 2022 بنحو 7% أمام الدولار، وفق “رويترز“.

حتمية الاتفاق مع صندوق النقد

تعيش تونس منذ 2011 في قبضة أزمات سياسية واقتصادية متلاحقة، وخلال العام الحالي اتعبت الحرب الروسية الأوكرانية اقتصاديات العالم واقتصاد تونس أيضًا، بحسب العباسي الذي أَوضح أن البلاد تحتاج إلى تمويل إضافي لميزانيتها هذا العام بنحو 1.6 مليار دولار، بسبب تداعيات الحرب على الاقتصاد العالمي وأسعار السلع الأساسية، وفق إذاعة “موزاييك أف أم.

وقدرت “رويترز” أن هذا التمويل الإضافي سيرفع الاحتياجات التمويلية للبلاد في 2022 إلى نحو 8.2 مليار دولار، ولتمويل عجز الموازنة وتجنب الانهيار المالي، بدأت تونس في فبراير الماضي محادثات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض يصل إلى 4 مليارات دولار مقابل التزامها بإصلاحات لا تحظى بشعبية واسعة مثل خفض الإنفاق والدعم، في اتفاق قال عنه العباسي إنه بات حتميًّا.

دعوات لإصلاحات عاجلة

شدد بيان المركزي التونسي على ضرورة الشروع بأسرع ما يمكن في الإصلاحات الهيكلية التي من شأنها إعادة النمو الاقتصادي إلى مسار تصاعدي، بهدف ضمان الاستقرار الاقتصادي الكلي، واستدامة الدين العام، وقال المتحدث باسم صندوق النقد، جيري رايس، خلال ندوة صحفية في 19 مايو، إنه نظرًا للوضعيّة الاقتصاديّة الكارثية لتونس فمن الضروري اتخاذ إجراءات حاسمة.

وأضاف أنه من المهم تنفيذ الإصلاحات دون تأخير، وأن تتبنّى كل الأطراف الداخلية برنامج الإصلاح لتتوافر له حظوظًا أوفر للنجاح، ويعتبر صندوق النقد تقليص عجز ميزانية تونس المقدر بـ 3.2 مليار دولار في 2022، من خلال زيادة الضرائب وخفض الإنفاق على كتلة الأجور، وإصلاح القطاع العام، ضرورة لتحسين مؤشرات الاقتصاد التونسي.

أزمة حقيقية

كشف وزير الاقتصاد التونسي، سمير سعيد في حوار مع “فرنسا 24” بتاريخ 19 مايو، أن مفاوضات بلاده مع صندوق النقد لم تتطرق بعد إلى قيمة القرض، مشيرًا إلى أن تونس تمر بأزمة حقيقية، وجودة الإصلاحات وضمان نجاحها أهم من توقيت المفاوضات، وأوضح أن خلاف الحكومة مع الاتحاد العام التونسي للشغل، ليس على جوهر الإصلاحات، إنما على آليات التنفيذ.

ويرفض الاتحاد التونسي للشغل، أكبر نقابة عمالية في البلاد، الإصلاحات المقترحة للحصول على قرض صندوق النقد، وتحديدًا خفض الإنفاق، ويقول إنها تهدد بحدوث انفجار اجتماعي في ظل تراجع حاد للقوة الشرائية وارتفاع التضخم، في حين حذر بنك مورجان ستانلي الأمريكي في مارس من احتمالية تخلف تونس عن سداد ديونها هذا العام ما لم تتوصل إلى اتفاق مع الصندوق.

 مفاوضات جيدة

وصفت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، المفاوضات مع الحكومة التونسية خلال إبريل الماضي بـ”الجيدة”، وقالت إن النقاشات الفنية متواصلة وتتقدم على نحو جيد، موضحة أن الصندوق يحتاج لوقت لفهم آليات برنامج الإصلاح التونسي للوصول إلى نتيجة نهائية، وفق “اندبندنت“.

وتوقعت “رويترز” بتاريخ 3 فبرير، عدم توصل تونس لاتفاق مع الصندوق قبل النصف الثاني من 2022، وهو إطار زمني قد يكون متأخرًا لتجنب مشاكل خطيرة، مثل انهيار العملة الوطنية، وتأخر دفع رواتب القطاع العام، وتوقف استيراد بعض السلع الأساسية، وفي وقت سابق، توقع صندوق النقد تراجع نمو اقتصاد تونس هذا العام إلى 2.2% من 3.1% المسجل في 2021.

ربما يعجبك أيضا