ركود في الأفق.. لماذا تعطلت ماكينات الاقتصاد الألماني عن العمل؟

ولاء عدلان

خفض صندوق النقد الدولي هذا الشهر توقعاته لنمو الاقتصاد الألماني في 2022 بنحو 0.9% إلى 1.2%، فيما قلص توقعاته للعام المقبل إلى 0.8%.


دخل الاقتصاد الألماني دائرة الركود، خلال الربع الثاني من العام الحالي، في أحدث إشارة على انزلاق دول الاتحاد الأوروبي تجاه مزيد من الانكماش.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، توقع صندوق النقد الدولي تراجع أكبر اقتصاد في أوروبا إلى أقل من 2% خلال العام الحالي 2022، وإلى نحو 0.8% في العام المقبل 2023، بضغط من عدة عوامل، أهمها تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، التي دخلت شهرها السادس.

الاقتصاد الألماني.. صفر نمو

استقر الاقتصاد الألماني، خلال الفترة من إبريل إلى يونيو 2022، دون تغيير “0%” مقارنة بالربع السابق الذي شهد نموًّا قدره 0.8%، ومقابل توقعات بنمو قدره 0.1%، وعلى أساس سنوي ارتفع الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا في الربع الثاني 1.5%، مقارنة بالفترة المماثلة من 2021.

وقال المحلل ببنك “هاوك أوفهوزر لامبي” ألكسندر كروجر لـ”رويترز”: “حتى الآن الاقتصاد الألماني لم يتعاف كاملًا من الركود الناجم عن جائحة كورونا، ولا يزال يتراجع، من جانبه رأى المحلل بالبنك الألماني للتنمية، فريتسي كوهلر غيب، أن الركود يخيم على سماء الاقتصاد الألماني، في ظل تراجع الأداء وهبوط مؤشر مناخ الأعمال هذا الشهر إلى أدنى مستوياته في عامين، 88.6%.

im 592663

اقتصاد ألمانيا لم يصل بعد لمستويات ما قبل الجائحة

ظروف صعبة

قال مكتب الإحصاء الألماني، في بيان بتاريخ 29 يوليو الحالي: “لم يتغير الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني 0%، بعد تعديل الأسعار والتغيرات الموسمية، بدعم من نمو الإنفاق الاستهلاكي والإنفاق الحكومي، في حين كان لعجز الميزان التجاري تأثير هبوطي في النمو الاقتصادي”.

وأضاف: “انعكست الظروف الصعبة في بيئة الاقتصاد العالمي، بما في ذلك استمرار جائحة كوفيد -19 وانقطاع سلاسل التوريد من جراء الحرب الروسية الأوكرانية، التي اندلعت فجر الخميس 24 فبراير الماضي، على نحو ملحوظ وواضح، على الوضع الاقتصادي لبلادنا قصير المدى”.

gdp index quarter

مسار نمو الاقتصاد الألماني

روسيا تهدد اقتصاد ألمانيا

الظروف في ألمانيا مهيأة للركود أكثر بفعل اعتماد ألمانيا الشديد على روسيا التي تمثل مصدرًا لنحو 55% من الواردات الألمانية السنوية من الغاز و40% من واردات النفط و50% من الفحم، وبحسب كبير اقتصاديي “كوميرس بنك” يورج كرايمر تعتمد الطريقة التي يتحرك بها الاقتصاد الألماني على شحنات الغاز الروسي، حال توقفها في أي وقت، فهذا سيدفع ألمانيا تجاه ركود عميق.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، خفضت موسكو إمدادات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي، عبر خط أنابيب نورد ستريم 1 إلى 20%، ليصل إجمالي التخفيضات، منذ بداية الحرب إلى 60%، وحذر صندوق النقد الدولي في 20 يوليو من أن وقف تدفقات الغاز الروسي سيؤثر لسنوات مقبلة في ألمانيا، وسيجعلها عرضة لفقدان نحو 4.8% من ناتجها المحلي.

Untitledييي

ألمانيا أكبر مستورد للغاز الروسي

عوامل تضغط على الاقتصاد الألماني

اقتصاد ألمانيا مثَّل، على مدار 20 عامًا، محركًا أساسيًّا لقوة أوروبا المالية والاقتصادية، والآن يتجه بقوة نحو فقدان عوامل قوته، ليس فقط لشدة اعتماده على مصادر الطاقة الروسية بنسبة تتجاوز 50%، وإنما أيضًا لاعتماده الواضح على سلاسل التوريد العالمية التي تعاني اختناقات شديدة، نتيجة الحرب في أوكرانيا، إضافة إلى اختناقات سابقة، بدأت مع العام الأول للوباء 2020.

وكذلك تعتمد ألمانيا على الطلب القادم من الصين، أكبر شركائها التجاريين، وحاليًّا تظهر علامات الانكماش بوضوح في الاقتصاد الصيني تحت ضغوط تفشٍّ جديد لكورونا وأزمة القطاع العقاري وغيرها من العوامل، فخلال الربع الثاني، على سبيل المثال، سجل الاقتصاد الصيني نموًّا بـ0.4% فقط مقابل توقعات بنمو قدره 1.6%، وفق “وول ستريت جورنال” و”فرانس برس”.

تضخم قياسي

تعاني ألمانيا حاليًّا معدلات تضخم قياسية لم تشهدها منذ عام 1974، فخلال الشهر الحالي بلغ معدل التضخم 7.5% بتراجع طفيف مقارنة بالشهر السابق 7.6%، بضغط من ارتفاع أسعار الطاقة بأكثر من 35% وأسعار المواد الغذائية بـ14.8%، وفق بيانات مكتب الإحصاء الألماني.

وتوقع صندوق النقد، في وقت سابق من هذا الشهر، ارتفاع التضخم في ألمانيا خلال 2022 إلى 7.7% و4.8% في 2023 بضغط من زيادة تكاليف الطاقة، وكشف مسح لغرفة الصناعة والتجارة الألمانية، مطلع الأسبوع الحالي، أن واحدة من كل 6 شركات صناعية تخفض أو تتخلى عن التصنيع استجابة لتكاليف الطاقة المرتفعة، وفق “وول ستريت جورنال”.

توقعات قاتمة

خفض صندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي، توقعاته لنمو الاقتصاد الألماني بنحو 0.9% إلى 1.2% هذا العام، في حين خفض توقعاته للعام المقبل بوتيرة أكثر قسوة 1.9% إلى 0.8%، في ظل استمرار ارتفاع معدلات التضخم وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على العالم كله.

وفيما توقع البنك المركزي الألماني في يونيو أن يسجل الاقتصاد الوطني نموًّا بـ1.9% و2.4% في 2022 و2023 على الترتيب، حذر أيضًا من انكماش قدره 3% خلال العام المقبل، حال قررت موسكو وقف إمدادات الغاز نهائيًّا، في المقابل حذر “دويتشه بنك” من أن الاقتصاد الألماني سيواصل الركود خلال النصف الثاني من 2022، وسيتقلص بنحو 1% العام المقبل.

ربما يعجبك أيضا