2021.. عام سقطت فيه آخر أقنعة «حزب الله» اللبناني

مي فارس

رؤية – مي فارس

عندما دوى انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس 2020 ونكب العاصمة بحجرها وبشرها، شعر اللبنانيون بأن ما حصل هو الأسوأ في تاريخ هذا البلد الذي عرف الحروب الأهلية وحروب الآخرين وغزوات إسرائيلية وهيمنة سورية وأزمات لا تعد. اعتقد كثيرون أنه مهما حصل بعد الرابع من أغسطس، لن يكون أفظع من تلك الفاجعة التي هزت العالم وعرّت سلطة  فاشلة عرضت شعبها لإبادة. 

في حينه، أصر محللون على أن بيروت افتدت لبنان مجدداً، وأن “جريمة العصر” لا يمكن أن تمر بلا عقاب، وأن رؤوساً كبيرة ستطير، وسيتخلص اللبنانيون أخيراً من طبقة حاكمة أطبقت على صدور مواطنيها منذ انتهاء الحرب ونهبت مؤسسات الدولة وأثرت على حساب مواطنيها.

ولكن ما حصل ويحصل فظيع ولا يقل دماراً عن الانفجار نفسه. فتلك الجريمة لا تزال حتى اليوم بلا محاسبة. ولم يتم توقيف أي شخصية يمكن أن تكون مسؤولة حقاً عما حصل، و”كبش المحرقة” الصغار الذين أوقفوا رهن التحقيق، خرجوا في ليالي لا ضوء قمر فيها. أما مذكرة  الاعتقال الصادرة أخيراً في حق وزير المالية السابق حسن خليل المقرب من رئيس البرلمان نبيه بري، في تحقيقات انفجار مرفأ بيروت، فستبقى على الأرجح حبراً على ورق .

منذ نحو تسعة أشهر تقريباً يحقق القاضي طارق بيطار لكشف الضالعين في واحد من أسوأ الانفجارات غير النووية في العالم والذي نجم عن انفجار 2750 طنًا من نترات الأمونيوم خزنت في مرفأ بيروت سبع سنوات، ولم يعرف حتى اليوم سبب إيداعها هناك كل هذه المدة، والجهات المتورطة في وصولها إلى لبنان وحمايتها كل تلك الفترة.

أصبح اسم البيطار معروفا في جميع أنحاء البلاد. وليس أقارب ضحايا رفأ بيروت وحدهم من يراهنون عليه، فهو بات بمثابة بارقة أمل للبنانيين كثر مرهقين ويائسين ويبحثون عمن يفضح ممارسات حكامهم .

ولكن القاضي الذي يعتقد أنه وصل إلى خيط يمكن أن يكون إلى شي ما، استفز “حزب الله” وصار المطلوب الرقم واحد لحزب أخذ لبنان رهينة، ووضع الحكومة أمام خيارين، إما كف يد القاضي عن التحقيق أو الاستمرار في تعطيل جلساتها وشل البلد المنهار، إلى أجل غير مسمى.

ذهب “حزب الله” بعيداً في تحدي القضاء والمؤسسات وتقويض هيبة الدولة. كشف عن وجهه الحقيقي بمطالبته بإقصاء قاض “تجرأ” على طلب الاستماع لوزراء مقربين منه ومن حلفائه. هذا القاضي الذي لا انتماء سياسيا له ولا هدف آخر إلا كشف المجرمين المسؤولين عن تدمير العاصمة.

 لم يسبق للحزب الذي شهر سلاحه سابقاً بوجه اللبنانيين، أن وضع نفسه في مواجهة مكشوفة مع الدولة بهذه الطريقة. أظهر الحزب أنه مستعد لتوجيه سلاحه مجددا إلى اللبنانيين ومؤسسات الدولة إذا تجرؤوا على تحديه وفضحه.

عام 2021 سقطت آخر الاقنعة عن وجه الحزب، وصار عدوا واضحاً للبنانيين بمختلف طوائفهم، لا رصيد شعبياً حقيقياً له إلا بين أبناء طائفته الذين قرروا الانتماء إلى الحزب بدل الدولة. استفز حزب الله الدروز عندما أطلق صاروخاً من منطقة حاصبيا على الحدود مع إسرائيل، فتصدى لمسلحيه أهل المنطقة الذي خافوا من هجمات انتقامية لإسرائيل على قراهم وأرزاقهم. واستفز السنة عندما تكررت تعديات عناصره على أبناء عرب وادي خالد، فدارت مواجهات بين الجانبين سقط فيها للحزب قتلى وجرحى. واستفز المسيحيين عندما تعمد تسيير تظاهرة ضد القاضي بيطار في الطيونة، المنطقة التي تشكل رمزاً للحرب الأهلية، فوقعت مواجهات سقط فيها أكثر من 6 قتلى للحزب. واتهم الحزب “القوات اللبنانية” مباشرة بما حصل.

تزداد النقمة الشعبية في الأوساط كلها ضد فائض القوة التي بات يتباهى بها الحزب، وهي بلغت مستوى قياسياً مع محاولاته الأخيرة تقويض مسار العدالة لضحايا الانفجار، فضلاً عن وقوفه خلف وزير الإعلام جورج قرداحي بعد تصريحه المعادي للسعودية ودول الخليج والذي أثار أزمة غير مسبوقة بين بيروت ودول خليجية.

 بدأ صلف الحزب يثير تذمراً لدى بعض من حلفائه وخصوصاً من التيار الوطني الحر الذي وفر له غطاء مسيحياً. ويعول البعض على الانتخابات النيابية المقررة في الربيع المقبل لتحجيمه.

ومع ذلك ليس الآمال كبيرة بتغييرات كبيرة في موازين القوى. فالتيار الوطني الحر الذي خسر كثيراً من شعبيته هذه السنة في ظل الأداء السيئ لرئيس الجمهورية ميشال عون والمأساة الاقتصادية التي حلت في عهده، يعرف جيداً أن فك تحالفه مع الحزب يفقده المكاسب السياسية التي حققها منذ ما سمي و”وثيقة تفاهم مار مخايل”.

باتت “القوات اللبنانية” المعارض الحقيقي الوحيد للحزب، وثمة من يراهن عليها لانتزاع أصوات التيار المسيحي الخصم لها في الانتخابات المقبلة لإضعاف سطوة الحزب على الحكومة.

حتى الآن، لا تظهر الاستطلاعات تغييرات حاسمة في ميزان القوى،  غير أن النقمة الواسعة السائدة في لبنان على جميع الأحزاب والتيارات التي شاركت في الحكم منذ اتفاق الطائف، قد تساهم في كسر هذه الهيمنة.

عندما يتوجه اللنانيون إلى مراكز الاقتراع السنة المقبلة لاختيار نوابهم، إذا لم تؤجل الانتخابات، لن تغيب عن أذهانهم على الأرجح صور الطوابير ومشاعر الذل الذي أحسوا بها هذه السنة. أمام الأفران، المصارف، محطات الوقود، الصيدليات، والمصارف ووقف اللبنانيون ساعات انتظار طويلة سنة 2021. توسلوا الوقود وربطة الخبر والدواء وأموالهم التي تحولت مجرد أرقام في المصارف التي امتنعت الدولة عن سداد ديونها لهاـ فوضعت يدها على مدخرات الشعب.

مشاهد لم ير مثلها اللبنانيون منذ الحرب الأهلية تكررت في يومياتهم محولة إياها جحيماً مفتوحاً لا نهاية قريبة له في الأفق.

 عام 2021، افتقر اللبنانيون إلى كل شيء تقريباً.الكهرباء والسيولة والماء والماء والأدوية. وفي هذا العام أيضاً، كشفت الأمم المتحدة أن 74% من سكان لبنان يعانون من الفقر .ووفقاً لمراكز بحثي، هاجر  230 ألف مواطن هاجروا من لبنان خلال الشهور الأربعة الأولى من العام الجاري.

كان 2021 عاماً قاسياً على لبنان واللبنانيين. إنه عام السقوط الحر الذي لا قاع له.

ربما يعجبك أيضا