أول الغيث قطرة .. ما بعد مسبار«الأمل »

كتبت – علياء عصام الدين

خلال أطول مرحلة من مراحل التاريخ الإنساني كانت قيمة أو عدم قيمة أي عمل تأتي من نتائج هذا العمل وكانت تلك هي الفضيلة، فضيلة النجاح أو الفشل، التي تجعل الناس يحكمون على عمل ما بالجودة أو الرداءة، وكما أن الفشل طريق للنجاح، تأتي كثير من النجاحات في ذلك التأثير الذي يخلفه العمل على المجتمع وأفراده.

ففي أفقر البقع من بقاع الوطن العربي، سوريا، العراق، الصومال، اليمن، تلك التي يئن أطفالها تحت وطأة الحروب والدماء يُنصت الصغار ويسمعون ويشاهدون عن إنجاز لم يعتادوا أن يسمعوا عن مثله، في وطنهم العربي فينصتون بانبهار واستغراب.

هؤلاء الأطفال الذين ألفت آذانهم أصوات القصف والقنابل والانفجارات والحديث عن وعود لا تنتهي لنهاية الحروب وتوفير أبسط موارد العيش، شاهدوا بترقب بثًا حيًا لبعثة مسبار الأمل الإماراتي إلى المريخ، وكل واحد فيهم يشتاق لأن يصبح مهندسًا أو عالم فضاء على “استحياء” فها هو المستحيل قد أضحى ممكنًا لا بالكلام بل بالفعل.

إن الوصول إلى نفوس هؤلاء النشء هو الهدف “الأبعد” والأسمى في اعتقادي والأكثر جوهرية لمشروع مسبار “الأمل” فالإلهام الذي بعثه هذا النجاح في نفوس كثير من الشباب العربي المحبط واليائس والذي فقد كل آماله في التقدم مادام حبيس المنطقة العربية المشحونة بكل ما هو سلبي، ها هو اليوم ينجلي شيئًا فشيئًا ليعيد من جديد إضاءة طريق من النور وسط العتمات المتوالية.

فنحن بطبيعة الحال نخشى النجاح في عالم يعاني من الفشل وقد كسر الإنجاز الإماراتي هذا الخوف ليفتح طريقًا جديدًا لكل العرب إلى أين إلي الفضاء!

فبعد نجاح وصول مسبار الأمل لمدار الكوكب الأحمر، فإن أحلام الشباب العربي ارتفعت من جديد، فنحن قادرون أن نصبح في مصاف الدول العظمى في مجال الفضاء واستكشافه وها هو الدليل بين أيدينا.  

وبعيدًا عن أكليشيهات الصحف حول الإنجاز التاريخي للمسبار، فاستعادة الثقة التي منحها هذا النجاح لنفوس الشباب هو الإنجاز الحقيقي والمحفز الأول والدافع الأساسي نحو مزيد من الإنجازات.  

فهو بمثابة الحجر الذي حرك المياه الراكدة لسنوات، وسيعزز دون شك من الحراك العلمي العربي في المستقبل، وسيثير غيرة كثير من الدول العربية لخوض التجربة وسيعزز أيضًا التنافسية العلمية العربية.

لقد حول أبناء الإمارات الحلم إلى واقع، وليس هذا هو المهم فالأكثر أهمية أنهم بعثوا في نفوس كل العرب أملًا في إمكانية خوض غمار المستقبل وبلوغ المستحيل.

إن نجاح مسبار” الأمل الإماراتي هو أول الغيث، إنه تلك القطرة التي تبعث الأمل في فيض من أمطار مقبلة تزهر بعدها الثمار وتشرق الشمس من جديد.

ربما يعجبك أيضا