كيف نفهم الموقف الخليجي من الحرب الروسية الأوكرانية؟

أحمد الباز

بدأت العملية العسكرية التي تجري حاليًّا على الأراضي الأوكرانية تترك صداها في حركة العلاقات الدولية، في أوروبا وفي الولايات المتحدة أو الشرق الأوسط وخصوصًا منطقة الخليج العربي.


تبدو الحرب الروسية الأوكرانية الحالية فرصة مناسبة تستثمرها دول خليجية في الوصول إلى صيغ مفيدة للعلاقات مع روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.

وشهدت العلاقات الأمريكية الخليجية، منذ عهد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، حالة من الابتعاد والفتور التدريجي، ورغم الاقتراب الذي حدث في عهد الرئيس التالي دونالد ترامب، عادت إدارة الرئيس الحالي جو بايدن الحالية لنفس عقيدة أوباما، أي اختيار الابتعاد عن دول الخليج.

علاقات الخليج – أمريكا قبل الحرب الروسية الأوكرانية

في حوار الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، مع صحيفة “ذي أتلانتيك” الأمريكية في أبريل 2016، وعند حديثه عن أولويات بلاده، وصف دول الخليج بــــ “الراكب المجاني free rider” أي إنها تعتمد كليًّّا على الولايات المتحدة في إدارة شؤونها الخارجية، وهو الأمر الذي يرهق واشنطن ويجعلها تتحمل كلفة لا تريدها.

في نفس المقابلة التي أخذت عنوان “عقيدة أوباما Obama doctrine” طرح المحاور سؤالًا هامًّا على أوباما نصه: “أليس السعوديون أصدقاءك؟” فكانت إجابة أوباما: “الأمر معقد”. ويمكن اعتبار هذه الإجابة سابقة من نوعها بين ما تتلفظ بها الإدارة الأمريكية عند الحديث عن أهم الحلفاء في أهم مناطق العالم، وقد تُرجمت منذ ذلك الوقت بأن “الخليج لم يعد صديقًا لواشنطن”

استمر ذات النهج الأمريكي تجاه دول الخليج، وهو ما تمكن ملاحظته مع إدارة الرئيس بايدن، التي تتخذ موقفًا يوصف بالبارد ومعدوم الحماسة، تجاه الحلفاء التقليدين في منطقة الخليج الاستراتيجية والهامة للمصالح الأمريكية.

بدء التحول الخليجي عن الولايات المتحدة

رغم أن نهج إدارة بايدن وعقيدة أوباما تعكسان “استدارة أمريكية” عن الخليج وقسوة لفظية غير معتادة، كانت هذه الاستدارة والإشارات الأمريكية مفيدة لدول الخليج، التي التقطتها وعملت على اختبار قدرتها وشجاعتها في ذات الوقت لإعطاء الظهر نسبيًّا للولايات المتحدة، وتنويع التحالفات مع المنافسين التقليدين لواشنطن، أي بكين وموسكو.

التحول السعودي على المستويين العسكري والاقتصادي بات يسير بشراكة صينية كاملة، فأول مشروع سعودي لصناعة وقود نووي جاء عبر شراكة مع الصين، التي ستقدم التكنولوجيا المطلوبة إلى السعودية لاستخراج خام “الكعكة الصفراء” من مناجم المملكة التي تحوي خام اليورانيوم، الأمر  الذي دفع الديمقراطيين في الكونجرس لطلب إيضاحات من الخارجية الأمريكية لهذا الشأن.

شراكات متزايدة مع الصين وروسيا

في وقت سابق، نشرت CNN صور أقمار صناعية لمنشأة صينية لتصنيع الصواريخ الباليستية في السعودية. وكشف العام 2017 عن بناء مصنع لتصنيع الطائرات الصينية المسيرة طراز CH-4 على الأراضي السعودية. ثم في عام 2019 انعقد المنتدى السعودي الصيني للاستثمار في بكين، وبلغت حصيلته  35 مليار دولار.

أيضًا توجد شراكة إماراتية صينية في إنشاء محطة “نور أبوظبي” على مساحة 8 كيلومترات لإنتاج 1.2 جيجا واط، بالإضافة إلى الحصص التي حصلت عليها شركات صينية في امتيازات بحرية لإنتاج النفط والغاز في الإمارات، والشراكة الإماراتية الروسية في تطوير حقول نفط سيبيريا، وإنشاء صندوق الاستثمار السعودي الروسي عام 2019، فضلًا عن المناقشات السعودية الروسية للحصول على نظام الدفاع الروسي S-400.

كيف نفهم موقف الخليج من الأزمة الروسية الأوكرانية؟

بالإشارة إلى التحولات السابقة يمكن فهم الموقف الخليجي عبر عدة محاور، وهي:

  • توجد مساحة من العلاقات الوطيدة على المستويين الشخصي والرسمي تشكلت بين دول خليجية وموسكو خلال الفترة الماضية، فكل برود أمريكي تجاه السعودية كان يقابله تواصل مباشر بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ما شكل حالة من الود بين الطرفين.
  • هذه المساحة متوافرة في الحالة الإماراتية أيضًا، فقد حصل وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف على وسام زايد الثاني، أرفع الأوسمة الإماراتية. وزيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى روسيا في الوقت الذي تدور فيه رحى الحرب يثبت هذه المساحة التي استقبلت قيادة عربية في وقت أزمة مستعصية.
  • الأطراف الروسية والإماراتية والسعودية مستفيدة من أي ارتفاع في أسعار النفط بسبب الحرب الدائرة، على عكس الخسائر التي تطال الولايات المتحدة. وسيكون سعر النفط هو الاختبار التالي لبحث مدى جدية الاستدارة الخليجية عن الولايات المتحدة، التي قد تطلب من السعودية رفع الإنتاج على أمل انخفاض أسعار النفط.
  • الرياض ستثتثمر في الأزمة للقيام بما يشبه معاقبة واشنطن وتوطيد العلاقات مع روسيا الراغبة في أسعار نفط مرتفعة، رغم الإشارات الغربية والأمريكية إلى رفع معدلات الإنتاج.
  • الموقف التصويتي للإمارات في مجلس الأمن الممتنع عن إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، يمكن فهمه أيضًا في إطار إدارة المصالح التي باتت مرتبطة بالعلاقات الوطيدة بين روسيا والإمارات، سواء أكان في سوريا حيث يوجد نفوذ كبير لموسكو، أم في إيران حيث للعلاقات الروسية الإيرانية دور في إدارة العلاقات الإماراتية الإيرانية.
  • الأولوية السعودية حاليًّا هي الحفاظ على اتفاق أوبك بلس، وليس التدخل مباشرة في إدارة الأزمة، بقدر الاستثمار فيها وجلب ممثل لواشنطن إلى الرياض ولو كان مستواه أقل من الرئيس.

لا تخفي روسيا ولا الصين نيتهما أن تحركاتهما تستهدف الوصول إلى “عالم متعدد الأقطاب”، وهو ما سبق التطرق إليه في لقاء جمع وزير الخارجية الصيني مع نظيره السعودية عام 2021، لبحث الدور الذي تلعبه الأسواق الناشئة بالخليج في عملية التعددية القطبية في العالم. هذه التعددية مفيدة لدول الخليج بعد الابتعاد الأمريكي، وقد تبدو الحرب الروسية الأوكرانية مفيدة لتحقيق هذا المسعى المشترك للطرفين الخليجي، والروسي الصيني.

ربما يعجبك أيضا