هل تصمد الحكومة الألمانية أمام حظر واردات الغاز من روسيا؟

جاسم محمد

تدور نقاشات بين الأوروبيين والأمريكيين حول حظر واردات الطاقة الروسية وفرص توفير بدائل لها. وفيما أبدت ألمانيا تحفظها على حظر فوري، يرى خبراء أن تحقيق أوروبا للاستقلال في الطاقة ممكن لكن ليس في المستقبل القريب.


جدد المستشار الألماني أولاف شولتس يوم 09 فبراير 2022 رفضه فرض حظر على واردات الطاقة من روسيا على غرار ما فعلته الولايات المتحدة.

وقال شولتس، إن الولايات المتحدة تصدر الغاز والنفط، وهو ما لا يمكن قوله بالنسبة لأوروبا بوجه عام. “ولهذا السبب فإن الأشياء التي يمكن القيام بها مختلفة أيضًا”. وإذا لم تعمل العلاقات الاقتصادية في هذا المجال كما في السابق فإن ألمانيا ستواجه على المدى القصير تحديات يجب التغلب عليها.

فرض حظر على الغاز الروسي

ترفض الحكومة الألمانية فكرة فرض حظر فوري على الغاز والنفط الروسيين، هذا ما أكده المستشار شولتس أكثر من مرة. بيد أنّ هذا الموقف لا يحظى بإجماع في البلاد؛ حيث يرى البعض أن الحظر ضروري أخلاقيًا ويمكن إدارته اقتصاديًّا.

وسبق أن أخبر شولتس المراسلين في 22 فبراير 2022 أنه طلب تعليق عملية المراجعة من قبل جهة تنظيمية ألمانية لخط الأنابيب الذي تبلغ تكلفته 11 مليار دولار، والذي يهدف إلى توصيل الغاز الطبيعي إلى ألمانيا من روسيا عبر بحر البلطيق.

هل تحظر روسيا تدفق الغاز إلى ألمانيا؟

تدور نقاشات بين الأوروبيين والأمريكيين حول حظر واردات الطاقة الروسية وفرص توفير بدائل لها، وفيما أبدت ألمانيا تحفظها على حظر فوري، يرى خبراء أن تحقيق أوروبا للاستقلال في الطاقة ممكن لكن ليس في المستقبل القريب. وتطالب أصوات متزايدة بفرض حظر كامل على واردات الطاقة الروسية، لاكتساب القدرة على التأثير على الكرملين لإنهاء الهجوم على جارته.

وحذرت روسيا من أنها ربما تُقدم على وقف تدفق الغاز عبر خطوط الأنابيب من روسيا إلى ألمانيا ردًّا على قرار برلين خلال شهر فبراير 2022 وقف افتتاح خط أنابيب نورد ستريم 2 الجديد المثير للجدل. وتصدر روسيا تقريبًا 40% من الغاز الذي تستهلكه أوروبا، فيما يشكل أكثر من 50% من الغاز الطبيعي المستهلك في ألمانيا، وتبلغ حصة الفحم الصلب الروسي في توليد الطاقة في ألمانيا نحو 50%.

ما مصير مشروع نورد ستريم 2؟

دافع شولتس، كما فعلت الحكومات السابقة، في البداية عن المشروع باعتباره مشروعًا اقتصاديًا فقط، على الرغم من الضغوط طويلة الأمد من الحلفاء التي رفضتها برلين. قالت ألمانيا إن مستقبل نورد ستريم 2 كان مطروحًا على الطاولة إذا غزت روسيا، لكنهم لم يلتزموا، أي حتى نشرت روسيا قوات لما يسمى بعمليات “حفظ السلام” في شرق أوكرانيا. وأوقف شولتس عملية الموافقة على المشروع.

هل تستطيع أوروبا استبدال الغاز الروسي بإمدادات من أفريقيا؟ يسعى الاتحاد الأوروبي إلى التخلص التدريجي من اعتماده على الطاقة الروسية قبل عام 2030 لضمان عدم مواجهة الكتلة المكونة من 27 دولة لقرارات صعبة بشأن إلحاق الضرر باقتصاداتها في الأزمات الجيوسياسية مثل غزو أوكرانيا.

ألمانيا ثورة في سياستها الخارجية والأمنية

أحدثت ألمانيا ثورة كبيرة في سياستها الخارجية والأمنية بعد أن “علقت” مشروع خط أنابيب نورد ستريم 2، والتزمت بإنفاق 100 مليار يورو إضافية على الدفاع، وإرسال أسلحة إلى أوكرانيا. ومع ذلك، فإن اعتماد ألمانيا على النفط والغاز الروسي، 55% من وارداتها من الغاز من روسيا، سيجعل من المستحيل على برلين قطع الإمدادات تمامًا.

نظرًا لتاريخ ألمانيا والماضي النازي، لطالما كانت برلين خائفة بشأن تبني سياسة خارجية عسكرية والمشاركة في المهام القتالية، كان المستشار الألماني أولاف شولتس واضحًا في منطقه لهذا التحول، حيث أعلن أن تصرفات بوتين أدت إلى “واقع جديد” أدى إلى تجديد الالتزام بأخذ دور قيادي في الأمن الأوروبي.

أزمة أوكرانيا والتوقيت الصعب

إن توقيت “أزمة أوكرانيا” مثير للاهتمام، خاصة وأن ألمانيا تتكيف مع  المستشار الجديد شولتس بعد 17 عامًا لأنجيلا ميركل. فتخطط ألمانيا لاستثمار مبالغ كبيرة في المعدات العسكرية بما في ذلك الطائرات المقاتلة والدبابات والغواصات والمروحيات والذخيرة، ولكن أيضًا في الدفاع عن الأمن السيبراني وتجهيزات الحرب الحديثة، بما في ذلك أجهزة الاستشعار والرادارات.

لا تزال الحرب مصدر قلق حيوي لأوروبا بأسرها، ونتائجها بعيدة كل البعد عن الوضوح. مهما كانت نتائجه، فقد أثبت بالفعل أن “أزمة أوكرانيا” هي لحظة فاصلة، ما أجبر الأوروبيين على إعادة التفكير في النظام الأمني الأوروبي. إن الطريقة التي تعامل بها الأوروبيون مع الأمر حتى الآن تعطي لمحة عن مستقبل التعاون الأمني في أوروبي.

سولتش يدرك حجم الكارثة

يبدو أن المستشار الألماني أدرك حجم “الكارثة” الاقتصادية إلى ألمانيا فقط بعد 3 أسابيع من الحرب في أوكرانيا، بارتفاع أسعار الغاز والنفط والطاقة، وما يعقد الأمر، أنه لا يمكن إيجاد بديل للغاز الروسي في الوقت الحاضر ولا في المستقبل القريب. التطورات هذه ممكن أن تغير موقف ألمانيا وكذلك فرنسا، وربما بعض دول أوروبا إزاء دعمها إلى أوكرانيا في مجالات الدفاع.

من المرجح أيضًا أن تعمل ألمانيا جهودًا مكثفة لإيجاد مخرج سياسي للأزمة الأوكرانية، في ظل تأخر الجيش الروسي في السيطرة على العاصمة الأوكرانية كييف، وزيادة العقوبات الاقتصادية، بالتوازي مع رغبة الرئيس الأوكراني بالجلوس مباشرة مع الرئيس الروسي بوتن، يلوح في الأفق بوادر الخيار السياسي.

ربما يعجبك أيضا