محمد بن إدريس الشافعي.. ثالث الأئمة ومؤسس علم أصول الفقه

ضياء غنيم
الإمام الشافعي

أسس الشافعي علم أصول الفقه، وسلك نهجًا مغايرًا جمع بين مدرستي الرأي والحديث، وأعاد النظر في كثير من فتواه عند انتقاله من العراق إلى مصر.

يصدق في سيرة الإمام ام الشافعي الوسطية الحقة، فقد درس على يد الإمام مالك ومدرسة أهل الحديث بالمدينة المنورة، وتأثر برحلته إلى العراق، من جذور مدرسة أهل الرأي التي غرس بذورها الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود، فكيف تأثر المذهب بأسفار وتجارب الإمام الشافعي؟

نسبه وعصره

بحسب بوابة الحركات الإسلامية، ولد محمد بن إدريس الشافعي في شهر رجب بمدينة غزة 150 هـ ونشأ بمكة، وينتسب إلى الرسول الكريم محمد بن عبد الله، حفظ القرآن الكريم وموطأ الإمام مالك في سن مبكرة وأجيز للفتوى قبل بلوغه 20 عامًا، وانتقل للمدينة المنورة ولزم الإمام مالك حتى وفاته 179 هـ. ثم درس على يد القاضي محمد بن الحسن الشيباني، تلميذ الإمام أبي حنيفة، فقه العراق، أهل الرأي، بانتقاله إلى بغداد 184 هـ.

وأثرت تلك النشأة في فكر الشافعي، فعاد إلى العراق 195 هـ- وكانت وجهة فقهاء الرأي والحديث بعد وفاة الإمام مالك- وفيها وضع كتاب الرسالة في نسخته الأولى، الذي أسس قواعد علم أصول الفقه، فاحتوى أحكام الاستنباط وضوابط الاجتهاد واستخراج الأحكام في ما لم يرد في القرآن والسنة النبوية، بحسب الشيخ محمد أبو زهرة في كتاب «الشافعي.. حياته وعصره وآراؤه الفقهية».

محنة الشافعي في العراق

ارتبطت رحلته الأولى إلى العراق بعداء العباسيين لأتباع العلويين، أبناء علي بن أبي طالب، وخوفهم من بناء كيان موازٍ يستند إلى نفس الرابطة، ولتمسك الشافعي برفع ظلم والي نجران عن الناس وشى الأخير إلى الخليفة العباسي هارون الرشيد، بوجود أشخاص من أتباع العلويين، منهم الشافعي، إلا أن حجة الشافعي وشهادة القاضي محمد بن الحسن، بما له من العلم والفقه نجحتا في إخراجه من تلك المحنة.

وكان لتمسك الإمام الشافعي بإقامة العدل وتحري الحقائق دور في اتهامه مرة بالتشيع وأخرى بمناصبة العلويين العداء، وهو ما رد عليه بالأبيات التالية، وفقًا لكتاب “الشافعي.. حياته وعصره وآراؤه الفقهية”:

إذا نحنُ فَضَّلنا عليًّا فإننا .. روافضُ بالتفضيلِ عندَ ذوي الجهل

وفضلُ أبي بكرٍ إذا ما ذكرتُهُ .. رُميتُ بِنَصبٍ عندَ ذِكْريَ للفضلِ

فلا زلتُ ذا رفضٍ ونصبٍ كلاهما .. بحُبيهما حتى أُوَسدَ في الرملِ

في مصر مذهب جديد ينسخ القديم

ارتحل الشافعي من العراق إلى مصر عام 199 هـ لعدة أسباب، منها تولِّي المأمون الخلافة وتقريبه المعتزلة على حساب الفقهاء، ما أنتج لاحقًا فتنة خلق القرآن. وأضاف عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ومفتي الجمهورية السابق، د.علي جمعة، في إحدى حلقات برنامجه «مصر أرض الصالحين» أن مجيئة إلى مصر كان طلبًا لعلم الليث بن سعد، إمام مصر وصاحب أحد المذاهب الفقهية المندثرة، من تلاميذه.

مسجد الإمام الشافعي

وفي مصر أعاد الإمام الشافعي النظر في كثير من فتاواه، وأعاد تصنيف كتاب الرسالة، وعدّ العلماء ذلك تطورًا منهجيًّا للمذهب وليس تبنيًا لمذهبين في ذات الوقت. والدليل على ذلك نهيه عن الأخذ بالمذهب القديم، فكانت فتاواه في مصر أكثر احتياطًا في المعالجة، في حين أنه كان في العراق أقرب إلى التيسير، بحسب موقع الدرر السنية.

وفاته

توفي الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي في أواخر رجب 204 هـ بمصر عن عمر 54 عامًا، كانت مليئة بالأسفار والتجارب، ونال ما ذكره في شعره من المكانة ونهاية رحلته:

لَقَد أَصبَحَت نَفسي تَتوقُ إِلى مِصر .. وَمِن دونِها أَرضُ المَهامَةِ وَالقَفرِ

فَـوَاللَهِ لا أَدري أَلِلـفَـوزِ وَالغِنى .. أُسـاقُ إِلَيها أَم أُساقُ إِلى القَبرِ

ضريح الإمام الشافعي

ورغم ما تعرض إليه من المحن اعتز الإمام الشافعي تكريس حياته لطلب العلم وتحمل مشاق السفر والارتحال، فأنشد يقول من شعره:

سَأَضرِبُ في طولِ البِلادِ وَعَرضِها .. أَنـالُ مُـرادي أَو أَمـوتُ غَـريبا

فَـإِن تَــلِفَــت نَـفـسـي فَلِلَّهِ دَرُّهــا .. وَإِن سَـلِمَـت كانَ الرُجوعُ قَريبا

ربما يعجبك أيضا