الصراع على إفريقيا.. بكين تقلب الطاولة على باريس في الجزائر

محمود سعيد

الحكومة الجزائرية تتبنى شراكة مع الصين، ولكن وفق قاعدة 51% للجزائر و49% للشريك الصيني حتى يظل القرار جزائريًا.


نجحت الصين في التغلغل داخل قارة إفريقيا، حتى أنها أزاحت فرنسا من صدارة المصدرين للجزائر، بتوقيع اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة مع حكومة الجزائر.

بكين باتت الشريك التجاري الأول للجزائر وموريتانيا وليبيا والشريك الثالث لمغرب وتونس، ووقعت اتفاقية شراكة استراتيجية مع المغرب. في الوقع الدول المغاربية عمومًا باستثناء موريتانيا سارعت من أجل الانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية، فماذا حدث؟

العلاقات الصينية الجزائرية

مع اندلاع الثورة الجزائرية اعترفت بكين في 1958 وقبل استقلال الجزائر في 1962 بالحكومة الجزائرية، وزودت المقاومة هناك بالأسلحة للمواجهة الاحتلال الفرنسي، بالإضافة إلى ذلك ساعدت الجزائر بكين على استعادة مقعدها في الأمم المتحدة عام 1971، كما أطلقت في 2017 قمرًا صناعيًا من قاعدة في الصين.

الشراكة الاستراتيجية بين البلدين شملت الشراكة الأمنية والعسكرية، فصاحبة أكبر ميزانية دفاعية في إفريقيا لنحو 9.6 مليارات دولار، عقدت صفقات أسلحة صينية كان من بينها شراء أول سفينة تدريب حربية، وطرادات، وطائرات مسيرة، وأنظمة للحرب الإلكترونية، ومدفعية ذاتية الدفع، وصواريخ مضادة للطائرات والسفن بحسب تليفزيون “تي آر تي”.

الصين تقلب المعادلة في الجزائر

في عام 2012، كانت باريس المصدر الأول للسلع إلى الجزائر، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية الشريك التجاري الأول لها بسبب وارداتها من الغاز المسال، لكن الصين استغلت الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008 وتضرر اقتصاد الغرب، لتبدأ شراكتها التجارية مع الدولة المغاربية متحدية احتكار فرنسا خصوصًا والأوروبيين عمومًا.

وساعدت بكين الحكومة الجزائرية في بناء مفاعل نووي للأبحاث مخصص لإنتاج المواد الصيدلانية الإشعاعية. وفي 2013، دخلت الصين بقوة للجزائر وقلبت الموازين باحتلالها المركز الأول مع الجزائر في التصدير والاستيراد.

العلاقات الاقتصادية

أطلقت الصين في سبتمبر 2013 مبادرة “الحزام والطريق”، وسارعت الجزائر في 2014 بإعلان الانضمام إليها، لكن الانضمام الرسمي كان في 2019، وبلغت المبادلات التجارية الجزائرية الصينية في 2019، نحو 8 مليار دولار، منها قرابة 7 مليارات صادرات صينية، لتهيمن من خلال استثمارها في مناجم الحديد والفوسفات على قطاع المناجم في الجزائر.

وقعت الصين مع الجزائر اتفاقًا لاستثمار 7 مليار دولار لإنتاج 5.4 ملايين طن من المخصبات الزراعية، عن طريق تحويل الفوسفات الخام إلى أسمدة زراعية، وتشارك في قطاع المقاولات وإنجاز المشاريع العقارية والبنية التحتية والصناعات التحويلية، فشيدت المسجد الأعظم وآلاف العقارات السكنية، وطرق سريعة، كما شاركت في توسعة مطار العاصمة.

ميناء الحمدانية الكبير

تشيد بكين ميناء الحمدانية الذي يربط الجزائر من خلال الطريق العابر للصحراء الكبرى ويصل إلى نيجيريا، ما يعني فك عزلة البلدان الحبيسة كمالي وتشاد والنيجر وبوركينا فاسو. وبحسب وكالات سيكون الطريق مرفوقًا بخط للألياف البصرية، وسيتبع مشروع أنبوب الغاز النيجيري نفس مسار الطريق حتى يصل إلى شبكة أنابيب الغاز الجزائرية نحو أوروبا.

لكن الرئيس الجزائري، عبدالمجيد تبون، رفض أن تتولى شركة صينية تسيير الميناء بعد استكماله، وأمر بإعادة دراسة المشروع مع الشريك الصيني “وفق قواعد شفافة”. ويقع والميناء في صميم مبادرة الحزام والطريق الصينية، وهدف بكين منه وصول سلعها إلى الأسواق الإفريقية والأوروبية في زمن قياسي.

تراجع العلاقات الجزائرية مع أوروبا وأمريكا

الشراكة الجزائرية المتعاظمة مع الصين، جعلت البلدان الأوروبية تخشى على مصالحها التجارية هناك، خصوصًا وأن لبلدان الاتحاد الأوروبي امتيازات جمركية حصلوا عليها بفضل اتفاق الشراكة مع الجزائر من قبل.

أما واشنطن فقد توقفت عن استيراد الغاز المسال الجزائري، مع زيادة الإنتاج الأمريكي للغاز الصخري، وهو ما أثر بشدة على حجم التبادل التجاري بين البلدين حتى أنه تراجع من نحو 19.5 مليار دولار في 2007، إلى 2.6 مليار في 2021.

استراتيجية التخلص من الهيمنة الفرنسية

الجزائر التي عانت من محاولات الهيمنة والتبعية الاقتصادية الفرنسية حتى بعد الاستقلال، عملت على تنويع شركائها التجاريين، فهي لم تفتح الباب للصين فقط وإنما كذلك لتركيا وألمانيا وإيطاليا على حساب إسبانيا وفرنسا، وإن كان أصبح لدى الصين نصيب الأسد حتى أنه قبل أيام وقعت سوناطراك الجزائرية صفقة للتنقيب عن النفط مع سينوبك الصينية بقيمة 490 مليون دولار.

وكان لموقع الجزائر الاستراتيجي بين أوروبا وإفريقيا دورًا كبيرًا في تلك الشراكات المتعددة. وتتبنى الحكومة الجزائرية الشراكة مع الصين، ولكن وفق قاعدة 51% للجزائر و49% لبكين حتى يظل القرار جزائريًا.

ربما يعجبك أيضا