جفاف مائي وظواهر متطرفة.. ماذا تعني التغيرات المناخية بالنسبة لجنوب أفريقيا

أماني ربيع

أماني ربيع

حذر أحد الباحثين الرئيسيين في الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) من أن مدينة جوتنج تواجه احتمال يوم الصفر المائي في السنوات العشر إلى العشرين القادمة بسبب الجفاف الطويل الذي ضرب البلاد بسبب أزمة المناخ.

وقام فرانسوا إنجلبريخت، أستاذ علم المناخ في معهد التغير العالمي بجامعة ويتواترسراند، بتحليل نتائج تقرير جديد  للجنة تغير المناخ الصادر في وثيقة من 42 صفحة تعرف باسم ملخص لصانعي السياسات، حول التغيرات المناخية والآثار المترتبة على جنوب أفريقيا ومنطقة الجنوب الأفريقي.

النشاط البشري يهدد الكوكب

110116450 gettyimages 93066205
الجفاف

واستند تقرير (IPCC)، الذي عمل عليه نحو 234 عالمًا، إلى 14000 دراسة تمت مراجعتها من قبل الباحثين المشاركين، وهذا التقرير يعد أول مراجعة رئيسية لموضوع تغير المناخ منذ عام 2013، ويأتي إصداره قبل أقل من ثلاثة أشهر من قمة المناخ الرئيسية في جلاسكو المعروفة باسم ” COP26″.

الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ هي كيان تابع للأمم المتحدة تأسس عام 1988 لتقييم العلم حول تغير المناخ، وتزويد الحكومات بالمعلومات العلمية.

ووجد تقرير الهيئة بصورة أكيدة أن النشاط البشري أدى إلى زيادة في معدلات حرارة الغلاف الجوي والمحيطات والأرض، وتزايد حجم التغييرات التي أحدثها ذلك في النظام المناخي بصورة غير مسبوقة، خلال قرون مضت، وهذه الانبعاثات الكربونية الضارة التي من صنع الإنسان، هي المسؤولة عن نسب الاحترار العالمي التي بلغت ذروتها اليوم مستويات لم يشهدها العالم منذ عصر ما قبل الصناعة، وهو ما يعد سببا رئيسيا في زيادة أحوال الطقس والمناخ المتطرفة حول العالم.

وتوصل التقرير إلى عدة نقاط أبرزها:

كانت درجة حرارة سطح الأرض أعلى 1.09 درجة مئوية في العقد بين 2011-2020 مما كانت عليه بين 1850-1900.

كانت السنوات الخمس الماضية هي الأكثر سخونة على الإطلاق منذ عام 1850.

تضاعف معدل ارتفاع مستوى سطح البحر ثلاث مرات تقريبا مقارنة بالفترة بين عامي 1901-1971.

يعد التأثير البشري بنسبة 90%، هو السبب الرئيسي للتراجع العالمي للأنهار الجليدية منذ التسعينيات وتناقص الجليد البحري في القطب الشمالي،  ومن المرجح أن تستمر المحيطات في الاحترار وتصبح أكثر حمضية، وستستمر الأنهار الجليدية الجبلية والقطبية في الذوبان لعقود أو قرون.

ومن المتوقع أن تصل درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية أو تتجاوزها، عند حساب متوسطها على مدار العشرين عامًا القادمة.

جفاف غير مسبوق

pa 53493574

وتعد منطقة جنوب أفريقيا من المناطق الأكثر تضررا بسبب هذا الاحترار، خاصة وأنها مناطق حارة وجافة بالفعل، وتعاني من إجهاد مائي شديد، لكنها معرضة لأن تصبح أكثر جفافا، ما يجعل خيارات التكيف مع الأوضاع الجديدة محدودة للغاية مع عدم وجود سياسات حكومةية واضحة للتعامل مع الأمر.

في إشارة إلى كيفية نفاد المياه الصالحة للشرب من كيب تاون تقريبًا عام 2018 ، كان الحديث عن اقتراب الجفاف من يوم صفر في جوتنج هو أحد أكبر المخاطر المناخية التي ستواجهها جنوب أفريقيا على المدى القريب.

وتزداد احتمالية حدوث حالات الجفاف في جنوب أفريقيا مع ارتفاع مستوى الاحتباس الحراري، ما قد يؤدي إلى انخفاض شديد في منسوب المياه بالسدود الضخمة شرق جنوب أفريقيا، بحيث لا يمكنها تزويد جوتنج بإمدادات المياه التي تحتاجها لدوران عجلة الصناعة، وكذلك الاحتياجات اليومية للأسر من المياه.

التحدث عن التغيرات المناخية، ليس أمرا من قبيل الرفاهية، فهذا الخطر يمتد تأثيره إلى الاقتصاد، وكذلك الأوضاع الاجتماعية الي ستضطرب بشدة نتيجة نفاذ الماء، ما قد يؤدي إلى مجاعة مائية.

لقد اقتربت مدينة جوتينج بالفعل من هذا الحدث، لكن قلة من الناس يدركون ذلك، وهذا الكلام يثار منذ انخفض سد فال في سبتمبر 2016 لأقل من 25%، بسبب ظاهرة النينو.

وقال العالم إنجلبريخت: “في عالم يصبح أكثر حرارة بشكل كبير مع زيادة معدل التبخر، والعديد من حالات الجفاف التي شهدناها في العقد الماضي في جنوب أفريقيا والتي استمرت أحيانا من ثلاث إلى خمس سنوات، فإن الخطر يتزايد”.

وسيؤثر هذا الجفاف المائي على القطاع الزراعي، حيث وجد تقرير خاص للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ لعام 2018 ، إن محصول الذرة وصناعة الماشية قد تنهار عند زيادرة الاحتباس الحراري لنحو 3 درجات مئوية.

وإلى جانب، التأثيرات الفيزيائية الحيوية لموجات الحرارة والجفاف، ستؤثر الجوانب الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن ذلك أيضا على الزراع المستدامة، فـ إلى متى يمكن للمزارع الاستمرار في الزراعة عندما يكون هناك ثلاث سنوات من الجفاف ، ثم أربع وخمس سنوات، سيكون الأمر صعبا، وفقا لإنجلبريخت.

أحد الأخطار البارزة لموجات الجفاف والحرارة، هو التأثير المباشر لموجات الحرارة الطويلة وغير المسبوقة على الوفيات البشرية ، وهو ما تؤكده نسب الوفيات التي وصلت إلى المئات في موجة الحر غير المسبوقة حول العالم التي أدت لحرائق مروعة في اليونان والجزائر، وغرب أمريكا، أو فيضانات كتلك التي ضربت بعض الدول الأرووبي مثل ألمانيا وبلجيكا، وهو أمر يرجع بصورة كبيرة إلى تأثيرات النشاط البشري خلال العقد الماضي.

وأوضح إنجلبريخت، أن هذا يمكن أن يحدث أيضا في جنوب أفريقيا، وربما قد حدث بالفعل، لكن لم يعرف أحد لأن الوصول إلى البيانات عندما يتعلق الأمر بالوفيات الناتجة عن موجات الحرارة في البلاد  صعب.

وهناك خطر آخر لم تستعد له جنوب أفريقيا على الإطلاق، وهو احتمال تحرك الأعاصير المدارية الشديدة جنوبًا ، ما يؤثر على مابوتو (موزمبيق) ووادي نهر ليمبوبو بين جنوب أفريقيا وزيمبابوي.

ومن الممكن حتى إن يصل مثل هذا الإعصار إلى خليج ريتشاردز، وقد يؤدي إلى خسار فادحة في الأرواح وفي الاقتصاد، مع تزايد العاصير المدارية المدمرة في جميع أنحاء العالم خلال السنوات الماضية، والخطر يمتد الآن إلى جنوب أفريقيا.

ومع زيادة درجات الحرارة على كوكب الأرض وتأثير ذلك على الغطاء الجليدي في القطب الجنوبي، سيؤدي ذلك إلى إنقاص معدلات سقوط الأمطار الشتوية في جنوب أفريقيا، والتي تعتبر الجبهات الباردة عنصرا هاما لحدوثها، وسيكون الأمر أصعب مع تزايد الحرارة العالمية.

ظواهر متطرفة

file 20210810 13 1bx8nj1

وتتعلق التغيرات المناخية بصورة كبيرة، بالتغيرات في الظواهر المتطرفة، ومع كل 0.5 درجة مئوية من الاحترار هناك زيادات واضحة في شدة وتواتر عدد كبير من أنواع الأحداث المتطرفة المختلفة.

وأصبحت العديد من التغييرات في النظام المناخي لها علاقة مباشرة بزيادة الاحتباس الحراري  وفقًا لتقرير الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ.

وتشمل هذه الزيادات: شدة الظواهر الحارة المتطرفة، وموجات الحرارة البحرية، وهطول الأمطار الغزيرة التي تؤدي إلى الفيضانات، والجفاف الزراعي والإيكولوجي في بعض المناطق، وزيادة نسبة الأعاصير المدارية الشديدة ، فضلاً عن انخفاض الجليد البحري في القطب الشمالي والغطاء الثلجي والتربة الصقيعية.

بعض هذه التغييرات “لا رجوع فيها” لعدة قرون، خاصة فيما يتعلق المحيطات والصفائح الجليدية ومستوى سطح البحر العالمي.

وقال بيدرو مونتيرو، كبير علماء المحيطات في مجلس البحوث العلمية والصناعية، والمؤلف الرئيسي لتقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ، إن “الحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية لا يزال في متناول أيدينا”.

وأضاف: “تتزايد معدلات انتشار التغيرات المناخية، واصبحت الآن في كل مكان، مدفوعة بالنشاط البشري بصورة كبيرة، الوتيرة تتسارع والتأثيرات تتفاقم، ويتطلب إبطاء ذلك وإيقافه، خفض قوي وسريع ومستدام للغازات الدفيئة.

وعلق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، على هذا التقرير قائلا إنه بمثابة “رمز أحمر للإنسانية”، مشيرا إلى أراء العلماء التي تؤكد أنه يمكن تجنب كارثة إذا تصرف العالم بسرعة، على أمل أن تؤدي التخفيضات الكبيرة في انبعاثات الغازات الدفيئة إلى استقرار درجات الحرارة المرتفعة، ولكن على أن يكون ذلك بصورة سريعة ودون تأخير أو أعذار.

وأكد جوتيريش أنه يعول على الحكومات والقادة وجميع أصحاب المصلحة لضمان نجاح قمة المناخ التالية”.

وبانتظار مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي 2021، هناك أمل في تشكل ميثاق مناخ جديد، يوصي بتزايد الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة بصورة كبيرة، ومع هذا التغير نحو استخدام الطاقة النظيفة، على جنوب أفريقيا أن تواكب ذلك بكل طاقتها، وأن تحاول البلاد انقاص اعتمادها على الفحم، والانتقال إلى الطاقة المتجددة، وإلا فستكون التكلفة فادحة في المستقبل.

يذكر أن كل دول العالم تقريبا، وقعت على أهداف اتفاقية باريس للمناخ عام 2015، والتي هدفت إلى الحفاظ على ارتفاع درجات الحرارة العالمية دون درجتين مئويتين هذا القرن ومتابعة الجهود لإبقائها تحت 1.5 درجة مئوية.

ومن المتوقع أن يتم الوصول إلى 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2040 في جميع السيناريوهات، وإذا لم يتم خفض الانبعاثات في السنوات القليلة المقبلة، فسيحدث هذا حتى قبل ذلك الوقت، وستكون عواقب تجاوز 1.5 درجة مئوية أمرا غير مرغوب للجميع.

ربما يعجبك أيضا