«ما وراء الطبيعة».. نغمة ناقصة تستحق أن تُسمع

أماني ربيع

أماني ربيع

كان هناك جوع شديد لدى جيل الثمانينيات وبداية التسعينيات الذي أدمن روايات سلاسل الجيب بدءًا من رجل المستحيل وملف المستقبل لنبيل فاروق، ثم سلسلة ما وراء الطبيعة لأحمد خالد توفيق الذي أتبعها بسلسلتي سافاري وفانتازيا.

تلك المتعة في قراءة الرواية الموضوعة خلسة بين دفتي كتاب، يتخيلك الوالدان تذاكر، بينما خيالك قد سافر بعيدا جدا في عوالم شيقة كتبت بأنامل مصرية صميمة، من الخيال العلمي حيث الحوامات الفضائية وسيوف الليزر، إلى دنيا المخابرات الغامضة والأكشن بنكهة وطنية، إلى الرعب والتشويق، ومجاهل أفريقيا، وغيرها.

325a1babbe1331ed31067427ecab3c46 1585491320 b

لوقت طويل، شكلت هذه الروايات ما يشبه الوجدان الجمعي لجيلنا، جمعتنا معا ذكريات مشتركة كثيرا، رغم أننا لم نتقابل أو نعرف بعض، كل واحد فينا رسم أبطال السلاسل في مخيلته وكان يختار شكل البطل وفقا لتصوره الخاص أحيانا يقع اختياره على ممثل أو ممثلة معروفين ليكتمل المشهد في ذهنه، مع المؤثرات الخاصة بخياله.

كان إنتاج عمل فني سواء بالدراما أو السينما مأخوذ عن هذه الروايات، أو تحويلها بذاتها إلى فيلم أو مسلسل أمرا بعيدا جدا حتى وقت قريب، بسبب ما يتطلبه ذلك من إنتاج ضخم، لأن أحداثها غير عادية وتحتاج إلى مؤثرات خاصة وخدع وتقنيات وأسلوب تصوير وإخراج، لم يكن متاحا، لذا كان الحديث عن اختيار منصة نتفلكس الرقمية سلسلة روايات ما وراء الطبيعة لتحويلها إلى حلقات مسلسلة، أمرا جللا لعشاق السلسلة والراحل أحمد خالد توفيق.

أثير الجدل، فور إعلان الخبر، الجميع متشوق وفي نفس الوقت يخشى على إرث كاتبهم المحبوب الذي توفي قبل أن يتحول حلمه إلى حقيقة، وزاد الجدل مع اختيار الفنان أحمد أمين لأداء شخصية الدكتور رفعت إسماعيل، الذي يعتبره الناس أكثر من مجرد بطل ورقي، ويعدونه شخصا من لحم ودم، لم يكن مصدر الجدل هو موهبة أمين التي لا جدال عليها، وإنما معرفة الناس به كممثل ومؤدي كوميدي، حيث لم يسبق أن رأوه في عمل درامي من قبل.

ومع الإعلان عن بدء التصوير زاد الجدل خاصة مع ظهور صور الكواليس التي أظهرت ماجي ماكيلوب حبيبة دكتور رفعت الأسكتلندية والتي تقوم بدورها رزان جمال، بشعر مستعار باللون الأحمر، جعلها أبعد ما يكون عن شكل البطلة الذي وصفت بالسلسة بـ “تمشي على العشب دون أن ينثني عودا”.

202008081059165916

وقبل طرح المسلسل بساعات، كتب مخرج العمل عمرو سلامة، منشورا على فيسبوك يتضمن مجموعة من النصائح قبل المشاهدة، منها متابعة المسلسل على نتفلكس فقط، والابتعاد عن مواقع القرصنة غير الشرعية، وبإنترنت سريع، ليس هذا فحسب، بل الامتناع عن تناول الطعام أو إجراء أحاديث جانبية خلال مشاهدة العمل الذي يفضل مشاهدته على شاشة كبيرة، وليس جهاز تابلت أو هاتف محمول.

ولم ينس أن يقدم تنويها لقراء السلسلة، بأن المسلسل “منتج إبداعي مستقل لوسيط ثاني مش مطابق 100% لأحداث الروايات اللي أنا شخصيا من أشد المحبين لها من نعومة أظافري”.

هذه النصائح فتحت النار على سلامة، الذي هاجمه الكثيرون واعتبروه يتعالى على الجمهور، وبخاصة من الشباب الذي لا يملك ثمن اشتراك نتفلكس والإنترنت السريع، وسرعان ما تحولت النصائح إلى مجموعة من الكوميكس الساخرة التي اجتاحت مواقع التواصل.

كذلك نشر محمد ابن الكاتب الراحل أحمد خالد توفيق رسالة إلى محبي والده عبر فيسبوك، أعرب فيها عن سعادته بالعمل الذي شاهده كاملا قبل طرحه، مؤكدا تفهمه لغيرة القراء على العمل الذي قرأوه وأحبوه، لافتا إلى أن التغييرات التي جرت في الأحداث كانت لازمة، لأنه بحسب كلام والده: “لكل وسيط ظروفه الخاصة”، وأن هذه التغييرات تعبر عن رؤية المخرج ولا تنتقص من الروايات في شيء.

وبعد عرض المسلسل تحول إلى تريند، بسبب نسب المشاهدة المرتفعة، إلى جانب حالة النقاش التي أثيرت حوله، حيث انقسم المشاهدون إلى ثلاثة أقسام، قسم قرأ الروايات ولم تعجبه التغييرات في الأحداث، وقسم آخر، لم يقرأ الروايات وانبهر بالعمل، وقسم ثالث، أعجب بالعمل مع بعض التحفظات على الحبكة ومستوى المؤثرات والجرافيك في بعض المشاهد وبخاصة مشهد “العساس” حارس الكهف الذي تحول إلى غوريلا تشبه دمية أطفال في الصحراء بما يعارض قوانين الطبيعة التي تجعل الغوريلا كائن ينمو في الغابات الخضراء.

لكن كل المشاهدين تقريبا أجمعوا على تفاجئهم بموهبة أحمد أمين، الذي أثبت براعة في تقمص شخصية الدكتور رفعت إسماعيل، مع بعض التحفظات، وبخاصة في الحلقات الأولى، وتحدثوا عن أن رفعت لم يكن شخصية كئيبة بل ساخرة، تلك السخرية المريرة، وأنه كان لها كاريزمته الخاصة حتى لو لم يكن وسيما أو مفتول العضلات، كذلك نبرة الصوت التي تبدو أحيانا متصنعة أو تتصنع الوقار، لكن إجمالا كانت ردود الفعل إيجابية.

واستعرض حسام الدين أحمد عبر جروب “العراب أحمد خالد توفيق” مجموعة من الآراء النقدية على بعض المواقع العالمية حول المسلسل، هذه كانت أبرزها:

البداية كانت مع موقع BigHorrorGuide، الذي قال إن المسلسل يمزج بين الأكشن والمأساة ببعض المرح ولمسة من عالم الميتافيزقيا، وأعطى المسلسل تقييم 4 من 5.

وتحدث موقع The Review Geek، عن التوازن بين شخصيات المسلسل المختلفة، والصراع الذي يدور في عقل رفعت الذي لا يزال غير قادر على مواجهة الحقيقة التي ابتلي بها، ولفت الموقع إلى أنه بسبب عدم قراءة الروايات الأصلية التي استلهم منها المسلسل، فلن يمكنهم التعليق على مدى جودة الاقتباس، لكن فيما يتعلق بالإثارة المخيفة والشخصيات الجذابة، يحقق مسلسل “ما وراء الطبيعة” التوازن الصحيح تمامًا ليصبح بالفعل جديرا بالمشاهدة وهو بالتأكيد أحد أفضل أعمال 2020.

وقدم الموقع تقييما للحلقات من 5:

الحلقة 1: 3.5

الحلقة 2: 4

الحلقة 3: 3.5

الحلقة 4: 3

الحلقة 5: 3.5

الحلقة 6: 3.5 See Less

أما موقع readysteadycut(RSC!) ، فكتب: “صدق أو لا تصدق…أول عمل مصرى أصلي من نتفلكس هو مفأجأة تحبس الأنفاس من فرط الرعب!.”

وأضاف: “ربما ليست الموضوعات جديدة، لكن المسلسل يقدمها بينما يمزج أنواعا مختلفة من الدراما في قالب تشويقي مثير، يستحق المشاهدة، وأعطى المسلسل تقييما 3.5 من 5.

وكتب موقع film-rezensionen الألماني: ” في مسلسل ما وراء الطبيعة على العقل التعامل مع الأحداث التي لا يمكن تفسيرها، هو مزيج مثير للاهتمام من الرعب والخيال والغموض والدراما، وبمرور الوقت يتحول إلى ميلودراما مصحوبة بموسيقى مزعجة “soap opera orientation” وأعطى المسلسل تقييما 5 من 10.

وقال الموقع الإسباني El Espoiler ، بالرغم من الجهود لتقديم أمر مختلف في كل حلقة، فالمسلسل عبارة عن مزيج غير منتظم من الأنواع الدرامية، تستند القصة إلى ملحمة أحمد خالد توفيق الطويلة الناجحة من روايات الرعب والغموض، والتي باعت حتى الآن حوالي 15 مليون نسخة، في كل قصة نرى أشهر الأساطير والوحوش التي ورثناها عن الثقافات الشعبية، كل هذا مكتوب بالسخرية المميزة للمؤلف القاهري الذي يضفي لمسة خفيفة من الفكاهة على ما يكتبه، كما هو الحال في الروايات، كل حلقة تتناول أسطورة أو مخلوق من الأساطير المصرية أو اليونانية أو القرون الوسطى، وهكذا، سيقابل بطل الرواية المومياوات الملعونة، أو العساس، أو لوسيفر، وكذلك الأشباح والشياطين، ودائمًا ما يكون هناك حبكة رئيسية يرتبط عبرها كل شيء.

وأضاف: ” بطل الرواية ليس البطل الذي نأمل أن نجده في مثل هذه المواقف، رفعت طبيب في منتصف العمر مهووس بالتجربة، وهو ساخر وليس لطيفًا جدًا ومن الصعب عليه التعبير عن نفسه. هذا ليس كل شيء، فلدى الرجل التعيس الكثير من الحظ السيئ، فهو مدخن شره، معتل الصحة، لكن إذا كانت شخصية أحمد أمين تتميز بشيء ما، فهي السخرية التي لا تعرف الكلل، وهو ما يوضحه من خلال التعليق الصوتي المستمر الذي يتيح لنا معرفة أفكار رفعت الحقيقية.

يتناقض رفعت الصامت مع شغف شريكته رزان جمال وكلاهما يقدم لنا ثنائيًا جيدًا، على الرغم من تهميشها إلى حد ما إذا اعتبرنا أن المسلسل يركز كثيرًا على الدكتور رفعت، ما يترك مجالًا صغيرًا لتطوير الشخصيات الأخرى بشكل أفضل، حيث كان من الممكن توضيح خلفيات بعض الشخصيات بدلاً من التركيز مرارًا وتكرارًا على البطل في مراحل معينة تثقل الإيقاع وتكون في الغالب غير ذات صلة، وبالرغم من الأفكار المثيرة للاهتمام، إلا أن بعض قرارات الإنتاج والسيناريو  مثيرة حتمًا للتساؤل.

“ما وراء الطبيعة” مسلسللا يجد صوته الخاص، وهو مزيج غير منتظم من الأنواع، قدم رعبا خفيفا للغاية، مقارنة بعنصر الدراما والمغامرة اللذان كان لهما الأولوية، على الأقل، يمتلك المنتجون كمية هائلة من المادة الأصلية (الروايات) التي تمنحهم الفرصة لتصحيح أخطائهم ، وبالتالي يكونون قادرين على الاستفادة من مجالها الكبير للتحسين في المستقبل، تقييم المسلسل : 6 من 10.

وعلق موقع CINEMA GAVIA الإسباني قائلا: ” دكتور رفعت جاء إلى نتفلكس ليبقى، مسلسل ذو فكرة مثيرة للاهتمام، يقدم جرعة جيدة من الإثارة والغموض، بالرغم من أن النتيجة النهائية أخف مما كان يتوقعه المرء منها، أفكار غريبة وجذابة، لكن المسلسل يهتم بالدراما أكثر من الرعب الذي وعد به صناعه، المسلسل مسل، لكن الإيقاع يختل صعودا وهبوطا، وعلى صناعه أن يقدموا أكثر مما قدموه بالفعل، نوصي به، وتقييمه 75%.

أما تعليقات النجوم المصريين فكلها أشادت بالعمل، وبأداء الفنان أحمد أمين لشخصية رفعت إسماعيل منها:

علق الفنان نبيل الحلفاوي على أداء أحمد أمين عبر تويتر قائلا: “يا أحمد.. أنا لا كنت من قراء السلسلة ولا شفت العمل لسه.. لكن من التعليقات واضح إنك نجحت في تحقيق أصعب ما يواجه الممثل.. أن يصل إلى التطابق مع خيال قارئ العمل.. وهو أمر لو تعلمون عظيم. ألف مبروك”.

ورد أمين قائلًا: “أشكرك يا قبطان.. والله أجمل رسالة ممكن توصلني هي من فنان بأهمية حضرتك.. ومنتظر رأيك الصريح بعد ما تتفرج.. هايفرحنى أوى”.

ووجه الفنان عمرو يوسف رسالة إلى صناع المسلسل عبر تويتر: “إلى كل صناع ما وراء الطبيعة والمايسترو عمرو سلامة شرفتونا جامد، نفسي اكتب أساميكم واحد واحد بس تويتر بيعد الحروف.. شكرًا يا مبدعين”.

وأثنى الفنان آسر ياسين على مستوى حلقات المسلسل، وكتب على تويتر: “لسة متفرج على أول حلقة من “ما وراء الطبيعة، واتبسطت جدًا إني شفت ‎رفعت إسماعيل لحم ودم، مبروك لعمرو سلامة ومحمد حفظي”.

وعلق الفنان أكرم حسني، على المسلسل قائلًا: “اتفرجت على أول حلقة ايه العظمة دي، برافو لكل صناع العمل من أداء عبقري لأحمد أمين، لإضاءة وصورة مبهرة لشيكو، لموسيقي تصويرية لخالد الكمار، لمونتاج أحمد حافظ، لحوار ورؤية إبداعية لعمرو سلامة، للمخرج المنفذ المحترم محمد حفظي، شكرا لكل صناع ما وراء الطبيعة، شرفتونا”.

وكتبت النجمة هند صبرى على تويتر: “ما وراء الطبيعة عمل مشرف بكل المقاييس.. شكرا عمرو سلامة على رفع سقف التوقعات.. برافو لكل صناع العمل”.

وقال المنتج هشام سليمان: “كلمه حق، مسلسل ما وراء الطبيعة الصراحة، أنا زعلت إني مش واحد من صناعه، كل التحية والتقدير لكل اللي ورا الكاميرا واللي قدام الكاميرا، كلهم صحابي وأفتخر، مبرووووووك لكل صناع العمل أي حد يعرف حد في العمل ده يمنشنه من أول عمرو سلامه مرورا بكل الناس من أكبر حد لأكبر حد، عملوها الوحوش يا رتني كنت معاهم”.

وأشاد المخرج بيتر ميمي بالعمل عبر صفحته على فيسبوك قائلا: ” استمتعت جدا بمشاهدة مسلسل #ما_وراء_الطبيعة مسلسل ممتع جدا يجمع بين التشويق والكوميديا السوداء، والأهم إنه بقا عندنا مسلسل على منصة عالمية عن سلسلة روايات لكاتب مصري كبير الدكتور أحمد خالد توفيق، والأكثر أهمية أنه تم تقديمه طبقا لتقاليدنا المصرية والعربية بدون أن نلجأ لبعض المشاهد غير المقبولة أو الإساءة للمجتمع المصري أو الدولة أو الألفاظ الخارجة أو كل ادعاءات التحرر الظاهري، بل بالعكس فترة تاريخية مهمة في مصر مقدمة بشكل من الفانتازيا بتفاصيل العصر مع روعة الصورة والموسيقى والأداء التمثيلى والمونتاج وشريط الصوت وتصميم الإنتاج من ديكور وملابس وإكسسوار وأماكن تصوير وكله تحت رؤية المخرج الرائع والصديق عمرو سلامة.”

ومن نجوم كرة القدم أشاد أحمد حسام ميدو لاعب نادي الزمالك ومنتخب مصر السابق، بالمسلسل، وقال عبر تويتر: ” #ماوراء_الطبيعة إنتاج عظيم واخراج وتصوير أعظم..بس القصه ما شدتني.. عمري ما قريت لأحمد خالد توفيق بس عارف إنه كان رجل عظيم وكان في ناس كتير بتحبه..العمل مشرف جدا مبروك لحفظي وعمرو سلامة وصديقي شيكو”.

مسلسل ما وراء الطبيعة هو أول مسلسل أصلي مصري على نتفلكس، بطولة:  أحمد أمين ورزان جمال، وآية سماحة، وسما إبراهيم، وإخراج عمرو سلامة وماجد الأنصاري وإنتاج عمرو سلامة ومحمد حفظي.

وتم عرض المسلسل مترجمًا إلى أكثر من 32 لغة في 190 دولة حول العالم، كما تم توفير الدبلجة إلى أكثر من 9 لغات، وهو أول مسلسل أصلي مصري متوفر بالوصف الصوتي باللغة العربية لضعاف البصر والمكفوفين، والوصف النصي باللغة العربية لضعاف السمع.

وخلال كل هذا الجدل والنقاش حول المسلسل وجودته، على صناعه أن ينتبهوا جيدا وأن يسمعوا كل الآراء السلبية والإيجابية، دون الدخول في معارك مع المشاهدين فالعمل في النهاية مصنوع من أجل هؤلاء المشاهدين ولن ينجح إلا بهم، وكل نقد ورأي قيل قد يضيف إلى العمل، ويحسن من جودة الموسم الثاني من المسلسل الذي لم يعد إنجازه بعيدا خاصة مع النجاح الكبير الذي حققته الست حلقات الأولى، الذي قد يأت أفضل كتابة وحبكة وبجرعة رعب أقوى من هذا الموسم الذي أتى مثل نغمة ناقصة، لكنها رغم ذلك تستحق أن تُسمع.

ربما يعجبك أيضا