ثورة 9 أبريل.. صفحة من تاريخ النضال التونسي في وجه المستعمر الفرنسي

حسام السبكي

إعداد – حسام السبكي
يحتفل التونسيون، اليوم الأحد، بالذكرى التاسعة والسبعين، لقيام أحداث ثورة التاسع من أبريل عام 1938، في وجه المستعمر الفرنسي، أو ما أطلق عليه أيضًا “عيد الشهداء”، وهي تشير إلى الأحداث التي شهدتها تونس من احتجاجات شعبية كبرى، طالبت بتنفيذ إصلاحات سياسية، تشمل تأسيس برلمان معبرًا عن صوت الشعب التونسي، ومثلت تلك الأحداث نقطة تحول في الصراع والنضال وطريقًا نحو التحرر والاستقلال عن المحتل الفرنسي، حيث كانت تونس في ذلك الوقت لا تزال ترزح تحت وطأة الحماية الفرنسية، يُشار إلى أن الاحتلال الفرنسي، لم يستطع استعادة الهدوء والحالة الطبيعية للبلاد، إلا بعد سقوط العديد من القتلى من بين المتظاهرين في الاحتجاجات.

ويتحدث المؤرخون حول كون أحداث التاسع من أبريل في عام 1938، منعرج حاسم في مسيرة العمل والكفاح الوطني التونسي، بل عدها البعض بمثابة المرحلة الهامة، ساهمت في التمهيد لخطوات سياسية لاحقة، أدت في نهاية الأمر إلى نيل تونس استقلالها عن الاحتلال الفرنسي، وذلك في العشرين من مارس من عام 1956، ثم أُعلن النظام الجمهوري للدولة التونسية في الخامس والعشرين من يوليو من العام التالي 1957.

وفي تسلسل الأحداث يتضح أنها بدأت، في يوم الثامن من يناير من العام 1938، حين تم الإعلان عن تشكيل الحزب الحر الدستوري الجديد، أعقب ذلك سجن وإبعاد العديد من القادة والمناضلين التونسيين، من قبل القوات الفرنسية، واندلعت على إثر ذلك، مظاهرات حاشدة في جميع أنحاء البلاد، وسقط خلالها العديد من القتلى.

تلا ذلك، بعد شهرين تمامًا، وتحديدًا في الثامن من مارس عام 1938، ولأسباب نقابية، شهدت سقوط تسعة قتيلًا، من العمال التونسيين، الذين أطلقت قوات الاحتلال الفرنسي النار عليهم في المتلوي، وخلال يومي الثالث عشر والرابع عشر من شهر مارس، قام الحزب الدستوري التونسي، بعقد اجتماع هام، لتحديد موقفه من حالة القمع وسياسية الاضطهاد التي تمارسها قوات الاحتلال الفرنسي ضد أبناء الشعب التونسي، ومنذ ذلك الحين بدأ الاحتلال الفرنسي شن حملة واسعة من الاعتقالات ضد القادة الوطنيين في تونس.

في الثاني من أبريل، تم طرد القيادي الوطني “علي البهلوان” من الصادقية، وأعقب ذلك إضراب للتلاميذ والطلاب في الصادقية والزيتونة، وتأسس على إثر ذلك لجنة الاتحاد الزيتوني المدرسي، بهدف وضع إطار عام ومنظم للنضال والكفاح المدرسي والطلابي.

لم تقف مساعي الاحتلال الفرنسي، لوقف حالة الاحتقان والغضب الشعبي التونسي عند هذا الحد، فاعتقال في الرابع من أبريل كلًا من يوسف الرويسي وسليمان بن سليمان، وذلك على أثر قيامهما بحملة دعائية بمدينة سوق الأربعاء، وقد أشعل ذلك شرارة جديدة من المظاهرات والاحتجاجات الضخمة في وادي مليز، وسوق الأربعاء، وقامت سلطات الاحتلال الفرنسي باعتقال صالح بن يوسف في نفس اليوم، وعقب ذلك بيومين، اعتقال القوات الفرنسية كلًا من الهادي بن نويرة ومحمود بورقيبة في السادس من أبريل.

لم ينجح حتى الآن قمع سلطات الاحتلال الفرنسي، ولا اعتقالاته، في كبح جماح الغضب الشعبي التونسي، فخرج الشعب بكافة أطيافه وشرائحه وفئاته وأجياله، في الثامن من أبريل، في العاصمة تونس، للمناداة بالحرية، والمطالبة بتأسيس “برلمان تونسي”، وقد خرجت التظاهرات من منطقتين، إحداهما من ساحة الحلفاوين بقيادة علي البلهوان، والأخرى من رحبة الغنم وقادها المنجي سليم، وشهدت تلك التظاهرات مشاركة المرأة التونسية للمرة الأولى في تاريخ النضال التونسي.

استمرت سلطات الاحتلال الفرنسي في التصعيد، في محاولة لإخماد نيران الاحتجاجات الشعبية المتأججة في تونس، فقامت في التاسع من أبريل، باعتقال القيادي الوطني علي البلهوان، وقدمته للمحاكمة بغرض التحقيق، فأثار ذلك حفيظة أبناء الشعب التونسي، فخرجوا في تظاهرات بأعداد غفيرة، فأعلنت السلطات الفرنسية فرض حالة الطوارئ، وقامت بقمع المتظاهرين، واعتقال عددٍ من المناضلين، على رأسهم الرئيس التونسي الأسبق “الحبيب بورقيبة”، حتى بلغ عدد المعتقلين في تلك الأحداث ما بين الألفين والثلاثة آلاف، وتم إحالة جميع المعتقلين إلى المحاكم العسكرية، وشهدت الأحداث أيضًا، سقوط 22 قتيلًا فضلًا عن إصابة 150 آخرين، برصاص قوات الاحتلال الفرنسي، وتبع ذلك حملة قمعية واسعة للنشطاء وقيادات الحركة الوطنية التونسية.

على الرغم من أن أحداث التاسع من أبريل عام 1938، لم تسفر عن إنهاء الاحتلال الفرنسي لتونس، إلا أنها كانت حلقة هامة من حلقات الصراع ضد المستعمر الفرنسي، والتي انتهت بجلاء الاحتلال عام 1956، مثلما كان الحال في مصر، بثورة 1919، التي لم تنه الاحتلال البريطاني لمصر، إلا أنها كانت سببًا مباشرًا في الضغط على الإنجليز لإنهاء احتلالهم في مصر إلى أن ألغيت الحماية البريطانية على مصر عام 1922، وتم الاعتراف باستقلالها، وأصدر الدستور المصري في عام 1923، ثم تم إقرار السيادة الكاملة لملك مصر على الأراضي المصرية في عام 1936، وخرج آخر جندي بريطاني من مصر في الثامن عشر من يونيو 1956، وهذا هو المصير الفعلي للشعوب المناضلة والرافضة للاستعمار على مر العصور.

ربما يعجبك أيضا