أشبال “الخلافة”.. قنابل موقوتة لم تكن في حسبان الغرب

أميرة رضا

كتبت – أميرة رضا
رغم المكاسب الكبيرة التي حققتها ومازالت تحققها قوات التحالف الدولي في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي، إلا أنه قد برزت مشكلة جديدة لم تكن في الحسبان، ولم تأتي بخاطر الغرب، تمثلت في خطورة العائدين من صفوف ذلك التنظيم الوحشي، وصفوف غيره من التنظيمات الإرهابية المتواجدة في بؤر العنف والتوتر.
وتكمن خطورة هذه العناصر العائدة في تلقيها تدريبات عسكرية واعتناقها أفكارًا متطرفة من شأنها أن تدمر أي مجتمع يتواجدون فيه، بالإضافة إلى ظاهرة الأطفال الذين يطلقون عليهم اسم “أشبال الخلافة”، والذين كان يغذيهم تنظيم داعش الإرهابي بأفكاره المسمومة من أجل تهيئتهم كـ “قنابل موقوتة” يستخدمها عند الحاجة.

توجس وذعر من عودة «نبتة» داعش

تعيش دول الغرب جميعها في توجس وتخوف وذعر لما قد يحدث جراء عودة هذه النبتة وهذا النشء لبلادهم، بعدما ملئت جعبتهم بأفكار يصعب التعامل معها، وبعدما ساروا في طريق تملأه عقبات يصعب تذليلها، لكن الغرب سيحاول أن يعرض مخططاته في كيفية التعامل مع عقول قد سكب فيها من المفاهيم المغلوطة والأفكار المتطرفة ما تنوء بحمله الجبال الراسيات والرياح العاتيات. 
وباتت المشكلة الآن تنحصر في كيفية تعامل حكومات الدول الغربية مع هؤلاء العائدين وادماجهم داخل المجتمع، فهل ستقف هذه الحكومات حائرة أمام هذه الظاهرة مترددة بين وجوب سجنهم أو إعادة تأهليهم؟، وعلى سبيل المثال فقد اختارت بعض الحكومات سياسة الحزم تجاه هذه المشكلة، في الوقت الذي لجأت فيه حكومات أخرى إلى برامج التأهيل التي لم تثبت جدواها بعد.

انحرافات الجهاديين الفكرية تزعج الأفق الفرنسي

أصبحت مشكلة كيفية التعامل مع الأطفال العائدين من القتال في سوريا والعراق مشكلة تؤرق الحكومة الفرنسية، والأحزاب السياسية بها، حيث تقدر نسبة الأطفال الفرنسيين المنضمين إلى صفوف تنظيم داعش في العراق وسوريا حاليًا حوالي 450 طفلًا، وذلك وفقًا لأحدث تقييم من قبل السلطات الفرنسية.
وقد استغرقت هذه المشكلة فترات طويلة بين جدل في وسائل الإعلام وتجاذبات ومزايدات سياسية بين الأحزاب الفرنسية، حتى أعلنت الحكومة عن تبنيها لاستراتيجية توازن فيها بين الملاحقات الأمنية والقضائية لهؤلاء الصبية وبين تأهيلهم لإعادة دمجهم في المجتمع.
وفي هذا السياق يقول الوزير الفرنسي السابق “فاليري بيكريس” في تصريح له أن: “هؤلاء الجهاديين قد حدثت لهم انحرافات فكرية، وأنه حال عودتهم لا يمكن التعامل معهم كمجرمين عاديين، لأنه حال وضعهم في السجن يمكن أن يجتذبوا إليهم أناسًا آخرين من المسجونين”، وهذا يشير إلى أن الأفق الفرنسي يضيق ويضج بهذه الأزمة التي يصعب معها إيجاد حلول تتيح وتيسر الاندماج الإيجابي لهؤلاء الأطفال في مجتمعهم.
لذا أعلن رئيس الوزراء الفرنسي برنار كازنوف -حسبما أورد مرصد الأزهر للغات الأجنبية- فيما يتعلق بتعامل حكومته مع أبناء الفرنسيين المنخرطين في جبهات القتال مع داعش والذين سيعودون إلى فرنسا، أن أوضاع هؤلاء الأطفال متباينة، فهم ما بين قصر انتهجوا التطرف وغادروا بمحض إرادتهم أو أبناء مقاتلين غادروا بصحبة ذويهم، ويقاتلون في صفوف داعش باعتبارهم “أشبال الخلافة” أو أطفال ولدوا في أرض المعارك.
وتوضح رئاسة الوزراء بأنه: “ستقوم نيابة قضائية مؤهلة بتقييم كل حالة على حدة، وسيكون بإمكانها تقرير احتمالية الملاحقة القضائية وستلجأ أيضًا إلى قاضي الأحداث من أجل توفير كافة إجراءات الحماية اللازمة”، وذلك بهدف حماية هؤلاء الأطفال ومساعدتهم على الاندماج مجددًا في الحياة المدنية، والتخلص من براثن الفكر المتطرف.

عودة الأطفال من أحضان الإرهاب تثير الذعر في بلجيكا

تنتاب السلطات البلجيكية حاليًا حالة من القلق الشديد، إثر توقعها عودة أبناء مقاتلين من سوريا والعراق، وإزاء مصير نحو 80 طفلًا من أبناء المقاتلين في سوريا، والذين أقاموا لفترة في الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم داعش.
ويأتي تخوف بلجيكا من توقعها -بل شبه تأكدها- من قيام هؤلاء الأطفال بتدمير ما يمكن تدميره في بلادهم فور عودتهم، لذا تعتزم بلجيكا على تجهيز أماكن مناسبة لهؤلاء الأطفال حال عودتهم من أحضان التنظيمات الإرهابية.
من جانبه ذكر المتحدث باسم وزير الداخلية “جان جامبو”، أن السلطات البلجيكية قد تلقت إشارة بأن عشرين من المقاتلين في سوريا، معظمهم من النساء أرادوا العودة لبلجيكا -البعض منهم يعودون مع أطفالهم- مضيفًا أن هؤلاء الأطفال “إما ولدوا في سوريا أو تم اصطحابهم للجبهة من قِبَلِ ذويهم”.
وأشار إلى أن أجهزة الأمن البلجيكية سوف تفحص هذه الملفات عن كثب، ووفقًا للهيئة التنسيقية لتحليل التهديد”l’OCA” هناك 35 طفلًا أقاموا في أرض الخلافة، واصطحابهم آباءهم معهم إليها، إلا أن هذا العدد ارتفع ليصل إلى 80 طفلًا.
ووفقًا لمصادر ذكرتها صحف  “Mediahuis”، أنه منذ عام 2012 قد ولد العديد من أطفال المقاتلين البلجيكيين في سوريا، وليس لديهم شهادات ميلاد، ولم يستطع آباؤهم تسجيلهم في الدولة البلجيكية”.
كما أضاف المتحدث باسم وزير الداخلية، أن جميع المقاتلين البلجيكيين في صفوف تنظيم داعش تم تصنيفهم جنائيًا على المستوى الدولي، فحال عودتهم سيكون مصيرهم السجن، ولكن ماذا سنفعل حيال هؤلاء الأطفال؟ مشيرًا إلى أن محكمة الأحداث ستنظر في أمر هؤلاء الأطفال وفقًا لما يقتضيه الأمر.

الإرهاب.. تهمة تنتظر الكنديين العائدين من داعش

وفي السياق ذاته طرح موقع الإذاعة الكندية “ici.radio-canada.ca”  تساؤلًا حول كيفية استقبال كندا أطفالها العائدين من داعش، لاسيما بعد توقع السلطات الكندية عودة العديد منهم إلى أراضيها، فهل هؤلاء الكنديين العائدين من داعش يمثلون تهديدًا؟ وهل كندا مستعدة لاستقبالهم؟
ويعتبر القانون الكندي من يساهم في أنشطة جماعة إرهابية مجرمًا، ولهذا سيواجه هؤلاء الكنديين عند عودتهم بتهمة المشاركة في أنشطة إرهابية.
وتحتل عودة هؤلاء الأطفال إلى كندا أولوية جهاز الاستخبارات الكندي، ولهذا يطرح ميشيل تيسير، مساعد مدير المخابرات الكندية، في مقابلة مع الإعلام الكندي تساؤلا وهو: “هل سيعود هؤلاء لأجل تنفيذ اعتداءات على الأراضي الكندية؟ أم أنهم عزموا على ترك درب الإرهاب؟”،  مضيفًا: “أنه لا يزال التحقيق بشأن أمن كندا يشكل أولوية قصوى، لأن كندا هدفًا لداعش”، وأشار أيضًا إلى عودة حوالى 60 كنديًا، بعضهم قيد التحقيق، لكن لم يتم توجيه أي تهمة لهم حتى الآن.
ومن جهة أخرى، صرح جيمس ماليزيا -مساعد مفوض الشرطة الكندية- قائلًا: “من الصعب للغاية جمع الأدلة اللازمة لتغطية جميع الأنشطة الإرهابية التي قاموا بها في سوريا أو العراق”، وذلك لأنهم لم يظهروا في أشرطة الفيديو الدعائية.

آمال الغرب وبراثين التطرف

وبين تخوف هذا وذعر ذاك من عودة هؤلاء، فإن الغرب سيبقى بين أمل بأوبة أبنائه وتنشئتهم تنشئة نفسية وفكرية قويمة تجعلهم بمنأى عن الوقوع في براثن التطرف والإرهاب، وبين تخوف حقيقي من أن يصبحوا بالفعل قنابل موقوتة.

ربما يعجبك أيضا